لم يكن مستبعداً أن يتصاعد دخان المعارك السياسية تحت قبة البرلمان، ويعلو غبار التطاحن بين الأطراف السياسية التي تحلقت حول عملية الكرامة، لكن المفاجأة هي حجم التصعيد ولغة الخطاب الحاد ثم البدائل التي طرحت تعبيراً عن الصدع وبحثاً عن مخرج من الأزمة التي يبدو أنها عميقة فعلاً.
لقد نجح قادة البرلمان في عزله عن الجمهور طيلة أشهر، وذلك من خلال منع بث جلساته، وضبط تواصل أعضائه مع وسائل الإعلام المختلفة، فيما صدرت عنه جملة من القرارات في مدى زمني قصير، تعطي للمتابع إاطباعاً أن انسجاماً يقع بين أغلبية الأعضاء، وأن توافقاً كبيراً بين الكتل الرئيسية تحقق خلال الأشهر الأولى من عمر المجلس.
لكن ما لبث أن انفجر الوضع ليكشف عن مدى هشاشة الإجماع والتوافق داخل البرلمان، فقد أظهرت الترسيبات المتلفزة لبعض الجلسات، أن البرلمان في أزمة وأنه لا يصل إلى النصاب القانوني في جلساته، وها هو أحد الأعضاء يتحدث في مقال نشره منذ بضعة أيام على صفحته في "الفيس بوك" عن صراع بين البرلمانيين والكتلتين الرئيسيتين فيه: فكتلة التحالف، بحسب الجروشي "يتكحلون بالسم، ولا يتكحلون باسم اللواء خليفة، متخوفين بتكرار مشهد السيد السيسي في مصر، وهذا بإيعاز من قياداتهم هناك في المطبخ العربي" والمراد بالقيادة على الأرجح الدكتور محمود جبريل.
أما الفيدراليون، فيصرح الجروشي بأنهم يتخوفون من اللواء
حفتر "ويعتقدون أن اللواء بسيطرة الجيش ووحدة الصف، سيهمش حلمهم ؛ لذا يسعون لإخفائه من المشهد". أم الأعضاء المستقلون فيرى النائب عن
طبرق بأنهم "يخشون من أن يبدد اللواء حفتر أطماعهم وطموحاتهم وأن
المجلس العسكري سوف يخلق جسماً موازياً لهم وسيلتهمهم".
وفي الإشارة إلى المجلس العسكري يكمن بيت القصيد في المعارك الجديدة في طبرق، وما حولها من مدن تناصر عملية الكرامة، حيث تتجه رؤية الكرامة إلى بناء هذا الجسم الذي لن يكون جسماً عسكرياً فقط، بل يراد له أن يتحمل مسؤولية القيادة السياسية بديلاً عن البرلمان. فبعض من ينادي بتشكيل المجلس العسكري الأعلى من أعضاء البرلمان ومن أنصار الكرامة من الشخصيات السياسية والاجتماعية، لا يترددون في الدعوة لحل البرلمان، ومن لا يريد منهم إطلاق رصاصة الرحمة على مجلس النواب يدعو إلى أن يصدر البرلمان قراراً بتكليف اللواء حفتر قائداً عاماً للجيش الليبي، أي أن يكون حفتر هو أعلى سلطة عسكرية، وليس قائداً لعملية عسكرية تابعة لرئاسة الأركان كما هو الوضع الآن.
من ناحية أخرى، شن أنصار المجلس العسكري الأعلى حملة ضد عبدالله الثني رئيس الحكومة.وتشير بعض المصادر القريبة من البرلمان، عن عزم الأخير تنحية الثني وتكليف شخصية أكثر قناعة بحفتر وبالكرامة رئيساً للحكومة، وذلك لضمان الدعم الفعلي للكرامة في مرحلة حرجة جداً، فشلال الدم يسيل بغزارة ويحصد أعداداً لا تتحملها المناطق التي دعمت الكرامة، فيما لا مؤشر عن إمكان الحسم قريباً في معارك بنغازي. فرقعة الدمار تتسع، وقوائم القتلى في ازدياد، ووعود النصر يبدو أنها ليست قريبة التحقق.
إذاً، الاتجاه لتشكيل مجلس عسكري هو المنطلق لإيجاد بديل عن البرلمان الذي برغم رفضه لقرار المحكمة العليا، إلا أنه بدأ في الترنح الذي يؤذن بسقوط وشيك بفعل القرار من جهة، وبسبب الفشل في السيطرة النهائية على بنغازي، التي دون السيطرة عليها لن يكون لا لبقايا البرلمان ولا للمجلس العسكري الأعلى المنشود ولا لعملية الكرامة أي قيمة حقيقة على الأرض.