أصبح جمع مخلفات
القذائف وبيعها كحديد مستعمل (خردة) إحدى المهن الجديدة التي بدأ بعض السوريين بمزاولتها، بسبب الظروف العصيبة التي يمرون بها، والتي تتزايد حدتها يوماً بعد يوم، مع الفقر الذي طغى على معظم التركيبات الاجتماعية
السورية.
أبو عمار، رجل من إحدى بلدات إدلب في الشمال السوري، يجمع كل قطعة معدنية تصادفه، وعندما تصبح الكمية وفيرة يقوم ببيعها إلى أحد التجار الذين يشترون هذه المواد من عدة بائعين متفرقين بمبالغ قد تكون زهيدة إلا أنها جيدة بالنسبة لمن يبحث عن رغيف يومه لا أكثر.
يقول أبو عمار في حديث لـ"عربي 21": "كنت أمتلك متجراً صغيراً في القرية أشتري بعض المواد الغذائية وأقوم ببيعها لأجني رزقي ورزق أطفالي الأربعة، إلا أن صاروخ راجمة اخترق الدكان وأحرق كل ما فيه، كما أنه دمره جزئياً، وبالتالي بقيت دون عمل. إلا أن الأطفال لا يقنعهم هذا الكلام، فهم يحتاجون الطعام والشراب على الأقل، إن لم نذكر الحاجات الأخرى".
ويضيف: "فكرت كثيراً في عمل أقوم به، إلا أن ذلك كان صعباً. فخطرت ببالي فكرة جمع مخلفات القذائف، وهي عبارة عن معادن متنوعة، والحديد يغلب عليها، وتوصلت إلى تاجر يشتري مني هذه المواد. وبدأت بجمعها كل يوم حتى أنني نظفت القرية كلها منها، وانطلقت للبحث في القرى المجاورة، أجني بعض المبالغ البسيطة التي تعينني على تأمين خبز أطفالي".
ويشرح أبو عمار كيف أن هذا العمل أصبح
مهنة جيدة، بل وبدأ البعض يزاحمونه على مزاولتها، ويقول مبتسماً: "لم يؤثر ذلك على عملي، فطائرات النظام وراجماته ومدفعيته تجود علينا يومياً بالكثير من هذه النعم".
أما الشاب محمود، وهو من المنطقة ذاتها، فقد تحدث إلينا حول مهنته المشابهة لمهنة أبي عمار لكنها تختلف عنها من حيث الطريقة، إذ يقوم محمود أيضاً بجمع الحديد وبيعه والعيش مما يحصل عليه من ذلك، لكنه يبيّن: "لقد تحولت معظم البلدات في ريف إدلب إلى ساحات من الدمار، وتحول أكثر من سبعين بالمائة من البيوت إلى ركام هجره أصحابه، وفضلوا النجاة بأرواحهم على البقاء، لا سيما أنهم غدوا دون منازل يقيمون فيها. بالنسبة لي أقوم بجمع القضبان الحديدية من السقوف التي سقطت، ومن ثم أبيعها وأربح مبالغ جيدة أعيل بها أسرتي".
ويشرح محمود كيفية العمل قائلا: "أصل إلى المنزل المدمر ومعي مطرقتي الكبيرة التي تسمى (مهدّة) وأبدأ بطرق المواد البيتونية وتكسيرها حتى تظهر القضبان الحديدية، وأستمر بالعمل لأكثر من ثماني ساعات يومياً حتى أستطيع إخراج بعض القضبان من بين الأسمنت المسلح، ثم بعدها أقوم بإصلاح هذه القضبان مشوهة الشكل بجهاز معدني اشتريته لهذه الغاية، وأحولها إلى قضبان معدنية تشبه الجديدة إلا أنها أقل استقامة وجودة منها، ومن ثم أبيعها لبعض الأهالي الذين يقومون بإصلاح بيوتهم التي تم قصفها، ليعاد استخدامها في صب السقوف البيتونية".
ويضيف: " أحياناً لا أضطر إلى بيع شيء، فكثيراً ما بدأ يطلبني الأهالي بعد أن عُرفت بهذا العمل، حيث يطلب مني صاحب المنزل أن أقوم باستخراج القضبان المعدنية من ركام بيته، وأتفق معه على أجرة معينة، ومن ثم أبدأ العمل. وأحصل على أجرتي في آخر النهار بينما هو يحصل على قضبان حديدية أشبه بالجديدة يعيد استخدامها في ترميم البيت".
عشرات المهن انتشرت بين المواطنين السوريين، كلها ولدت بعد اندلاع الثورة السورية، وفرضتها الضرورة والحاجة، فكما يقال "الحاجة أم الاختراع" رغم أن هذه المهن ليست بالاختراعات إلا أنها تنقذ حياة الكثيرين من الموت جوعاً.
يشار إلى أن أغلب المدن والبلدات والقرى السورية أغرقت بركامها، وأصبح منظر مخلفات القذائف وصواريخ السكود والبراميل المتفجرة واحداً من المعالم السورية المنتشرة في أرجاء البلاد، وكان لا بد من تنظيف الشوارع والساحات من هذه البقايا التي انفجرت لتقتل، والتي استطاع السوريون تحويلها إلى وسيلة مساعدة على الحياة.