تلقى محمد أنور، أحد رسامي
الكاريكاتير المعروفين في مصر في أحد الأسابيع، مكالمة من قارئة "وطنية"، كانت تبكي وتلومه عن السبب الذي يجعله يستهدف الرئيس عبدالفتاح
السيسي في رسومه "لماذا تفعل هذا له، ولماذا تعارضه دائما".
وبحسب باتريك كينغزلي مراسل صحيفة "أوبزيرفر" في القاهرة، فإنه لم يكن الكاريكاتير المعني يصور السيسي، فأي رسام لن يتجرأ على فعل هذا في ظل اليد الحديدية التي تعيشها مصر، بل كان الرسم محاولة ساخرة من الفنان للاستهزاء بعادة ينتهجها الرئيس المصري، وهي الطلب من المصريين الذين يعانون من معاناة يومية للمشاركة وتحمل العبء في الأزمة الاقتصادية المصرية.
فالرسم يتحدث عن طفل صغير يريد دخول الحمام ويسأله والده "حمام إيه انتي اللي عاوز تخشه دي لوقتي؟ البلد تمر في حالة عصيبة ولازم كلنا نستحمل"، وفق الصحيفة.
ويرى أنور أن الرسم هو مثال على الضغوط التي يتعرض لها الرسام ليس من السلطات فقط، ولكن من مديريه الذي يسيرون مع النظام وقرائه المدافعين عنه باسم الوطنية.
ويقول أنور "هذه أصعب فترة تمر على رسامي الكاريكاتير في الصحف الرسمية الرئيسية". ويعتبر أنور واحدا من جيل الرسامين السياسيين الشباب الذين ظهروا في الإعلام الخاص في الأيام الأخيرة للديكتاتور السابق حسني مبارك. وساهمت أعمالهم الفنية ورسومهم بخلق جو ساعد، كما تقول الصحيفة، على التخلص من نظام مبارك، وللمفارقة فقد أطلقوا العنان لخيالاتهم وللاستهزاء بالرئيس الذي جاء بعده وهو الرئيس محمد
مرسي.
وتنقل الصحيفة عن جوناثان غوير، المحرر في صحيفة "كايرو ريفيو"، وخبير في الرسوم الكاريكاتيرية المصرية "لم تنشر سوى رسوم قليلة لمبارك في الإعلام حتى في السنوات الأخيرة من حكمه التي شهدت توسعا للمعارضة ضده".
ويضيف "لكن في عهد مرسي نشرت الصفحات الأولى من الصحف صورا له تحط حقا من قدره، وتؤكد فشل سياساته"، وانتهت هذه الفترة القصيرة بالإطاحة بنظام مرسي من قبل وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي، الذي ظهر أنه أكثر قمعا من سابقيه. فتحت شعار "إما معنا أو ضدنا" اعتبرت أية
معارضة بما فيها المعارضة عبر الرسم الكاريكاتيري خيانة أو قريبا منها.
ويشير الكاتب أنه من هنا وجد بعض الرسامين الأسلم لهم هو السير مع التيار، لكن من عارض السيسي ومرسي أيضا بدأوا بالرقابة الذاتية على أنفسهم، أو قام المحررون المؤيدون للنظام بعمل هذا لهم، مما يعني أن النظام الحالي لم يكن بحاجة لرفع أصبعه والاعتراض.
ويتابع كينغزلي أنه نتيجة لذلك فظهور السيسي في رسوم الكاريكاتير نادر جدا، كما كان في عهد مبارك. وكما يقول محمد قنديل أحد رسامي الكاريكاتير الثائرين "لا يوجد هناك الكثيرون ممن يصورون السيسي في رسومهم، ولا يستطيع الآخرون فعل هذا لأنهم يعملون في أماكن لا تسمح لهم، ويرى مقتنعون أن رسمه ليس مناسبا في الوقت الحالي، ويقتضي الظرف مدخلا آخر للمعارضة".
وهو ما لا يوافق عليه قنديل الذي يعلق قائلا "أشاهد ما ينشرونه ومع احترامي لهم أشعر بالخيبة الشديدة". فأعمال قنديل تذهب أبعد، وآخر رسومه "أفندم أفندم.. هانعمل إيه في الزبالة والمرور والكهرباء والمستشفيات... ها نعمل إيه في الجهل"، فيرد السيسي "زودوا الجهل".
ويقول قنديل، الذي بدأ يرسم وهو في سن السابعة عشرة، وعمل في صحف مهمة، إن جزءا من عمله هو التعامل مع الرقابة، "فلا تتوقع ألا يقوم من تعارضهم بعمل كل شيء من أجل إيقافك حتى لا تقول للناس إنهم حثالة"، لكن قنديل لم يعد يرسم للصحافة الرسمية واستقال من عمله في المصري اليوم، ويرسم الآن للصحيفة الألكترونية "مدى مصر"، وفي صحيفة أخرى "توك – توك"، بحسب الـ "أبزورفر".
ويعتقد الكاتب أنه بالرغم من وجود ثقافة هامشية معارضة على الإنترنت، فصحيفة "توك توك" تعتبر الوحيدة في مصر التي تتعامل مع المحرمات السياسية والاجتماعية. وتقوم بنشر تقارير عن الحياة اليومية وأخرى فيها مجازفة. ويقول غوير من كايرو ريفيو "لا يوجد ما يماثلها" وهو يقارنها بمجلة "ماد"، مضيفا "إنها تنظر للمستقبل وتقوم بتفريخ الفنانين وتقدم أشكالا جديدة". ولا تتجاوز أعدادها المطبوعة عن 2.000 نسخة وبالنسبة لـ "مدى مصر" فلم تستطع حتى الآن بناء قاعدة شعبية لها. ويفضلقنديل التعامل مع مجموعة قليلة من القراء ومتابعيه على الفيسبوك، بدلا من تخفيف حدة نقده إرضاء للسلطات.
وعلى خلاف قنديل يرى محمد أنور أن رسومه ليست مباشرة في نقدها كما يجب، ولكنه يعتقد أن التنازل ضروري حتى يكون بإمكانه الوصول للناس مثل المرأة التي اتصلت به باكية. ويقول إن رسمه يمكن لـ 50.000 مشاهدته على الإنترنت، لكن إن نشر في "المصري اليوم" فسيشاهده أكثر من 600.000 شخص.