كتب ديفيد إغناتيوس: من المؤلم مشاهدة شريط فيديو للرئيس
أوباما عبر موقع «يوتيوب» وهو في مانيلا الأسبوع الماضي يتحدث عن الضربة الأحادية والمزدوجة في السياسة الخارجية.
كل شيء يذكره الرئيس أوباما يعد محسوبا ومدروسا، ويكون صحيحا في معظمه، ولكنه يتصرف كما لو كان يخاطب عالما رشيدا، بخلاف العالم الذي يقطنه قادة مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فعندما يتعلق الأمر بسياسات القوة والنفوذ، لم يحرز الرؤساء الأميركيون نقاطا جراء كونهم على صواب، ولكن جراء كونهم (أو يتظاهرون بأنهم) أقوياء. فالرؤساء إما أن يقولوا إنهم في طريقهم لجعل الكرة تقع خارج الملعب، أو يلتزموا الصمت. في الواقع، تعد عوامل القوة والمصداقية غير الملموسة (والتي من السهل للغاية الاستهزاء بها) هي أساس القواعد التي يقوم عليها النظام الدولي.
ويذكر أنه أثناء ولاية الرئيس أوباما، تعرضت سمعة الولايات المتحدة لضرر حقيقي، وأقول هذا الأمر بوصفي شخصا يتعاطف مع الكثير من أهداف السياسة الخارجية للرئيس أوباما. وللأسف، هذا
الضرر يعد إلى حد كبير من صنع الإدارة الأميركية ذاتها، التي تركز بشكل كبير على الرسائل قصيرة المدى؛ ففي نقطة تحول رئيسية، كان الذي يحرك الإدارة الأميركية - في كل من مصر وليبيا أثناء الربيع العربي، وفي سوريا وأوكرانيا، وكذلك في بنغازي - هو الأولويات وليس السياسة السليمة والمنطقية التي تقوم على أساس المصالح.
ولذا ما زالت تشهد «نقاط الحديث» الخاصة ببنغازي فشلا ذريعا، وذلك ليس بسبب التآمر الإجرامي الأحمق كما يتصور المحافظون، ولكن لأن الإدارة الأميركية أهدرت الكثير من الوقت في التفكير فيما تقول وليس فيما يتعين عليها القيام به.
كيف يمكن للرئيس أوباما إصلاح هذا الضرر؟ هناك إجابة واحدة واضحة، وهي توخي الحذر؛ حيث إن إدراك نقاط الضعف من شأنه أن يدفع الرئيس لاتخاذ خطوات متسرعة وضارة لكي يبدو قويا؛ فكلما انزلقت في حفرة السمعة التي تدرك وجودها، كانت المعضلة أسوأ.
في الواقع، يعد عدم إدراك الرئيس أوباما لقيمة الحذر واحدة من مواطن القوة لديه؛ فهو باستطاعته أن يتخذ موقفا حاسما كما كان الحال في الغارة التي شنها في شهر مايو (أيار) 2011 لقتل أسامة بن لادن، ولكنه عادة ما يتردد في الدخول في رهانات كبيرة عندما تكون نتائجها غير مؤكدة، وهذا الأمر جدير بالثناء؛ حيث يتعين على الدولة أن تقدر الرئيس المتروي الذي يدرك أن خيارات الجيش الأميركي تعد محدودة في التعامل مع الرئيس بوتين بشأن أوكرانيا، على عكس الشخص المتهور الذي يدعي خلاف ذلك.
من الممكن أن تتعاطف مع الرئيس أوباما في مانيلا عندما يوجه انتقادات لاذعة حيال هؤلاء الذين ينادون باتباع سياسة أكثر صرامة: «ما الذي تعنونه؟ وما الذي تتحدثون عنه غير ذلك؟»، فبعض المقترحات المقدمة من جانب منتقديه غير مدروسة جيدا أو خطيرة تماما، ولكن يعد الرئيس أوباما محقا فقط في مسألة واحدة؛ فقد أوصى مستشاريه منذ ما يقرب من عامين تقريبا بتقديم الدعم السري للمعارضة السورية، ووافق الرئيس أوباما على ذلك، ولكن لم يمكنه منتقديه من وضع «خط أحمر» بشأن الأسلحة الكيماوية السورية، وبالتالي كان ما لحق من ضرر من فعل الضحايا أنفسهم. لم يكن الرئيس أوباما بحاجة لوقت طويل لنقل الأصول العسكرية إلى بلدان البلطيق وبولندا كلافتة للحماية الحاسمة المقدمة للدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويرى أحد المسؤولين الأميركيين أنه عليك «قول القليل وفعل الكثير»، فهذه وصفة بسيطة، وصحيحة.
أهم شيء بالنسبة للرئيس أوباما أن تكون السياسة قائمة على ركائز أساسية، بحيث يجري تعظيم قوة الولايات المتحدة وإضعاف روسيا (أو أي خصم آخر محتمل)، وهذا أمر واضح وملموس؛ فمن خلال إلقاء نظرة على بعض الأرقام نجد أن الاقتصاد الأميركي ينمو بقوة مرة أخرى، بمعدل سنوي نحو 2.6 في المائة، بالإضافة إلى توفير فرص للعمل، وخفض الديون العامة والخاصة. ومع ظهور طفرة النفط والغاز الصخري، ظهر محللون يتحدثون عن الولايات المتحدة بوصفها مملكة عربية سعودية جديدة.
فحتى السذج داخل الكونغرس الأميركي لم يكن باستطاعتهم عرقلة حركة الانتعاش.
على النقيض، تشهد روسيا حالة من الفوضى، ويزداد تدهور الأوضاع بها. وحسب ما ورد في تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في 30 أبريل (نيسان) الماضي، فإن النمو الروسي سيتراجع إلى 0.2 في المائة هذا العام بعد النسبة الضعيفة التي وصل إليها في عام 2013 بما يعادل 1.3 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أنه في الربع الأول من العام، وصلت تدفقات رؤوس الأموال إلى 51 مليار دولار. إن الاستراتيجية الاقتصادية لروسيا تقوم على أساس الطاقة، ولكن «هذا النمو وصل إلى حدوده القصوى»، وذلك حسب ما ذكره صندوق النقد الدولي. كما أوضح أن «تحقيق المزيد من التكامل مع العالم الاقتصادي من شأنه أن يساعد على سد الفجوة الإنتاجية مقارنة بالدول الأخرى، بالإضافة إلى تعزيز معدل الاستثمارات والتنويع الاقتصادي، وتحسين معدلات النمو»، ولكن هذا بالتحديد ما فشل الرئيس بوتين في تحقيقه في ظل سياسته المتهورة حيال أوكرانيا.
وعلى النقيض من روسيا التي تتهاوى، حصلت أوكرانيا على قرض جديد قيمته 17 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى وضع خطط تسهم في استقرار نظامها المالي، وخفض معدلات الفساد، وعدم الاعتماد على الطاقة التي تحصل عليها من روسيا.
بعبارة أخرى، إن أوكرانيا استطاعت الصمود في ظل العقوبات المفروضة، والضغوط الدبلوماسية، وثبات عزم الناتو. فإذا استطاع الرئيس أوباما أن يوحد التحالف الغربي لاتخاذ تلك السياسات المحسوبة والمدروسة، فستكون نقاط الضعف الأساسية في موقف بوتين واضحة في السنوات القليلة الماضية؛ وإذا اتخذ بوتين قرارا ساذجا بغزو أوكرانيا، فسيواجه حرب عصابات طويلة الأمد في كل مدينة، مثلما الحال في العاصمة الأوكرانية كييف.
سيكون رد الفعل حيال الإجراءات المتخذة من جانب الرئيس بوتين قويا، يتمثل في سياسة الولايات المتحدة الأميركية المستدامة، ومن أجل التصدي للرئيس أوباما، عليك أن تمتص غضبه.
(الشرق الأوسط)