قضايا وآراء

إيران ومأزق الرد على إسرائيل

حسين عبد العزيز
من المبكر الإجابة عن سؤال ما إذا كانت العملية تشكل تغيرا في الاستراتيجية الإسرائيلية، بحيث تصبح الأماكن الدبلوماسية هدفا إلى جانب المقرات الأمنية والعسكرية؟- (الأناضول)
من المبكر الإجابة عن سؤال ما إذا كانت العملية تشكل تغيرا في الاستراتيجية الإسرائيلية، بحيث تصبح الأماكن الدبلوماسية هدفا إلى جانب المقرات الأمنية والعسكرية؟- (الأناضول)
لا يخرج اغتيال لضباط إيرانيين بينهم قياديان من الحرس الثوري (محمد رضا زاهدي، محمد هادي حاجي رحيمي) وخمسة ضباط مرافقين، عن سياق العمليات العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل في استهداف شخصيات إيرانية أمنية وعسكرية، خصوصا في الأراضي السورية (أواخر 2023، اغتالت إسرائيل القيادي في "فيلق القدس" رضي موسوي ونحو عشرة ضباط إيرانيين في سورية).

وبهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى العملية العسكرية الإسرائيلية التي وقعت في الأول من إبريل الجاري بدمشق، على أنها تطور نوعي ضمن سيرورة الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية غير المباشرة، فقد اغتالت إسرائيل شخصيات قيادية إيرانية عديدة، وكان على رأسها قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" الذراع العسكرية لـ "الحرس الجمهوري الإيراني".

لكن إذا نظرنا إلى المكان المستهدف، فإن زاوية النظر تختلف جذريا، ذلك أن إسرائيل لأول مرة منذ بدئها عملية "المعركة بين الحروب" تستهدف مقرا إيرانيا دبلوماسيا رسميا (مقر القنصلية الإيرانية ومنزل السفير الإيراني في حي المزة بدمشق).

صحيح أن إسرائيل نفذت عمليات عسكرية وأمنية داخل الأراضي الإيرانية (استهداف منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم عام 2021، الهجوم على شبكة نقل الغاز الإيرانية عام 2021)، لكنها لم تعترف بأنها هي التي قامت بها.

من المبكر الإجابة عن سؤال ما إذا كانت العملية تشكل تغيرا في الاستراتيجية الإسرائيلية، بحيث تصبح الأماكن الدبلوماسية هدفا إلى جانب المقرات الأمنية والعسكرية؟

الإجابة عن هذا السؤال الرئيس مرتبطة بالإجابة عن أسئلة أخرى، تبدو في الظاهر هينة، لكن في جوهرها صعبة جدا: أليس في مقدور إسرائيل انتظار الضباط الإيرانيين الخروج من مبنى القنصلية ومنزل السفير كي تنفذ عملية الاغتيال؟ أما أن ضيق الأبنية فيما بينها واكتظاظ الشوارع بالمدنيين يصعب تنفيذ مثل هكذا عملية خارج المبنى المستهدف؟ هل استغلت إسرائيل تجمع هذا العدد الكبير من الضباط الإيرانيين في مبنى واحد وإن كان دبلوماسيا، وتبريرها فذلك أن المقر الدبلوماسي أصبح مكانا للخطط العسكرية والأمنية، وبالتالي يندرج ضمن المجالين الأخيرين؟ أم أن إسرائيل استغلت حالة "الصبر الاستراتيجي" التي تتبعها إيران منذ السابع من أكتوبر الماضي، للحيلولة دون وقوع حرب إقليمية تكون لبنان ساحتها الرئيسية؟ وأخيرا، هل كان استهداف المقر الدبلوماسي مقصودا من قبل إسرائيل، كرسالة لأصحاب العمائم والنظام السوري على السواء، أن ثمة تغيرا في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه إيران؟

عتبر الأراضي السورية ساحة مفتوحة للصراع وتسهل على جميع الأطراف استهداف أعدائها فيها، وهذه أصبحت مشكلة كبيرة لإيران، وليست كذلك لإسرائيل، لأنها غير متواجدة في الأراضي السورية، ما يعني أن أي عملية عسكرية إيرانية ضد إسرائيل، إما أن تحدث داخل حدودها أو في أراض أجنبية، وفي كلتا الحالتين المسألة صعبة جدا ومعقدة.
قد تكون أسباب استهداف المقر الدبلوماسي أسبابا إجرائية ترتبط بطبيعة العملية وتعقيداتها لجهة المكان، أو متعلقة بفرصة تواجد هذا العدد الكبير من الضباط كما أسلفنا؟ وقد تكون بالمقابل، عملية مقصودة لسببين:

الأول، محاولة إسرائيلية لجر إيران إلى تصعيد أكبر من التصعيد القائم في الجنوب اللبناني، لأن هذا الأمر يتيح لنتنياهو توسيع الحرب، الأمر الذي يغطي على مأزقه الداخلي في غزة، ويمنحه فرصة لتحشيد المجتمع الإسرائيلي بكل تنوعاته وراءه.

الثاني، يندرج ضم سياق الرد والرد المضاد، إذ جاءت عملية دمشق بعد ساعات من تبني "المقاومة الإسلامية" في العراق لهجمات على قاعدة بحرية في إيلات، من خلال طائرات مسيرة إيرانية حسب ما أعلنت إسرائيل.

ووفقا لذلك، يُعتبر هجوم "المقاومة الإسلامية" استهدافا مباشرا لـ "سيادة إسرائيل" وفق القانون الدولي، ولهذا ردت إسرائيل بنفس المستوى عبر استهداف مقر رسمي، في انتهاك للسيادة الإيرانية.

لا يعني ذلك أن العملية الإسرائيلية في دمشق جاءت ردا على هجوم "المقاومة" على الإطلاق، فقد تكون كذلك وقد تكون غير مرتبطة بها.

الرد الإيراني

من المهم جدا لفهم طبيعة الحرب غير المباشرة بين إيران وإسرائيل، استبعاد أسئلة مثل: كيف ومتى سترد إيران على هذه العملية الكبيرة؟ وهل تستطيع الرد بنفس المستوى؟ وما هي الأماكن التي سترد فيها إيران؟

هذه الأسئلة لا تندرج ضمن السياق العسكري، وبالتالي هي أسئلة غير عسكرية بقدر ما هي أسئلة عمياء لا تفيد في فهم طبيعة الصراع القائم بين الجانبين، لأن الصراعات العسكرية لا تخضع للمبدأ العلمي: كل فعل له رد فعل مواز له في القوة ومضاد له في الاتجاه، ذلك أن نقل هذا القانون إلى العالم الإنساني، خصوصا السياسي والعسكري، يُعطل فهمنا للفعل العسكري والسياسي في أسبابه وأهدافه وحدوده، ويجعل من كل فعل عسكري رد فعل على العمل العسكري السابق والمضاد له، إذ إن الصراع العسكري هو عبارة عن عمليات عسكرية وأمنية متبادلة، بغض النظر عن مستوى وقوة كل عملية.

بناء على هذه القراءة، لا يمكن بطبيعة الحال النظر إلى إطلاق ثلاثة صواريخ "كاتيوشا" من ريف درعا الغربي باتجاه الجولان السوري المحتل، غداة العملية العسكرية الإسرائيلية في دمشق، على أنه رد إيراني على العملية، وإنما يُنظر إليه ضمن سيرورة الصراع المستمر بين الجانبين.

وبما أن القدرات العسكرية والأمنية تختلف بين الجانبين، فإن سرعة العمل ومستواه وقوته تختلفان بالضرورة بين الجانبين، إضافة لذلك، تعتبر الأراضي السورية ساحة مفتوحة للصراع وتسهل على جميع الأطراف استهداف أعدائها فيها، وهذه أصبحت مشكلة كبيرة لإيران، وليست كذلك لإسرائيل، لأنها غير متواجدة في الأراضي السورية، ما يعني أن أي عملية عسكرية إيرانية ضد إسرائيل، إما أن تحدث داخل حدودها أو في أراض أجنبية، وفي كلتا الحالتين المسألة صعبة جدا ومعقدة.

أما إطلاق صواريخ نوعية ومدمرة بأيادي إيرانية أو تابعة لها من الأراضي السورية تجاه إسرائيل، فهذا أمر يخضع لاعتبارات عديدة: روسية، سورية، أمريكية.

بكل الأحوال، وبغض النظر عن أسباب استهداف إسرائيل لمقر دبلوماسي رسمي، فإن هذه العملية قد تشكل بشكل أو بآخر مرحلة جديدة في الحرب بين الجانبين، ولكن هذه العملية تدحض التقارير التي بدأت تظهر منذ أشهر عن تقليص "الحرس الثوري" الإيراني لوجوده في سوريا، فالاستهدافات الإسرائيلية لقادة إيرانيين عسكريين وأمنيين خلال الأشهر الستة الماضية في سوريا كبيرة.
التعليقات (0)