هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت
الذي اعتبر فيه الاحتلال أنه حقق إنجازا أمنيا وعسكريا باغتياله مقاتلي عرين الأسود
في نابلس، لكن التخوف السياسي والميداني في أوساطه لا يزال قائما، على اعتبار أن ما
حصل يمكن اعتباره إنجازا "مؤقتا"، حيث سيطر المسلحون من نابلس على جدول الأعمال
العام في الساحة الفلسطينية، ويظل السؤال الإسرائيلي المتبقي: هل ستنزل الجماهير الفلسطينية
إلى الشوارع انتقاما لاغتيالهم؟
مع العلم
أن التقديرات الإسرائيلية المبكرة لظاهرة "عرين الأسود" أن كوادرها كانوا
دائما قريبين من الموت، ومنذ اللحظة التي بدأوا فيها يكتسبون التعاطف بين الجمهور الفلسطيني،
ويقومون في نفس الوقت بتنفيذ عمليات مسلحة فدائية، كانت مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ
عمليات البحث الإسرائيلية عنهم، وهذا ما حصل مع إبراهيم النابلسي وتامر الكيلاني وأخيرا
وديع الحوح ورفاقه، وبعكس ما أراده الاحتلال فقد اكتسب هؤلاء الشهداء شهرة كبيرة في
الإعلام الفلسطيني والعربي، وأصبحوا رمزًا للبطولة الفلسطينية ضد إسرائيل.
آفي
يسسخاروف الخبير في الشؤون العربية بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رصد ما قال
إنه "حجم المشاركة الجماهيرية الفلسطينية الواسعة لجنازاتهم، ومن المحتمل أن يشكل
استشهادهم قدرًا كبيرًا من الحافز بين الشباب الفلسطيني للانضمام إليهم، ويبقى السؤال
الكبير الذي لا يزال قائما دون إجابة واضحة أمام أجهزة الأمن الإسرائيلية: كيف سيؤثر
الضرر الناجم عن استشهاد مقاتلي العرين الخمسة على مستوى الهجمات ضد الأهداف الإسرائيلية،
وانضمام الشباب الآخرين".
وأضاف
في مقال ترجمته "عربي21" أن "أجهزة الأمن الإسرائيلية وبعد أن أتمت
مهمتها في تصفية كوادر العرين، ما زال لديها جملة تساؤلات حساسة وحرجة، ومنها: هل سيؤدي
ما حصل إلى ردع بين الفلسطينيين، أم أن الرغبة بالانتقام ستجلب المزيد والمزيد منهم
إلى الشوارع، لأن ما حصل في جنازات الأمس يعني أن ظاهرة عرين الأسود اكتسبت موجات واسعة
التأييد في أوساط الجمهور الفلسطيني، وهذا لوحده يشكل أكبر صداع لإسرائيل، المتمثل
بالخوف الدائم من صحوة شعبية فلسطينية واسعة النطاق ضدها".
في المقابل،
تزداد المخاوف الإسرائيلية مما ستتركه جريمة اغتيال المقاتلين في نابلس على ما تصفه
بـ"جيل تيك توك"، الذي لم ير الدبابات في قلب نابلس منذ عملية السور الواقي
2002، مما سيجعله أكثر حماسا للانخراط في صفوف المجموعات المسلحة، وتنفيذ المزيد من
الهجمات الفدائية ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية.
إليشع
بن كيمون المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رصد ما قال إنها
"عشرين عملية هجومية بإطلاق نار خلال شهر ونصف فقط ضد مواقع إسرائيلية عسكرية
واستيطانية في الضفة الغربية، مما دفع المؤسسة الأمنية للاحتلال إلى "خلع القفازات"،
وإعلان الحرب على المنفذين، الذين زادت قوتهم بسبب الصدى الذي أحدثوه لأنفسهم على مواقع
التواصل الاجتماعي، وباتوا يشكلون نوعًا مختلفًا من التحدي للمنظومة الأمنية الإسرائيلية،
عقب ما نفذوه من هجمات ناجحة".
وأضاف
في تقرير ترجمته "عربي21" أن "التقييم الإسرائيلي لهذه الظاهرة في شمال
الضفة الغربية كشف عن مجموعة من الشبان الفلسطينيين الذين يعملون بشكل شبه منتظم، وحصلوا
على أسلحة من جميع المنظمات الفلسطينية، ومن وقت لآخر، تنجح هجماتهم، وتكون نتائجها
مميتة، وهذا واقع يصعب على جهاز الأمن الإسرائيلي هضمه، خاصة عندما أضرت سلسلة العمليات
بأمن المستوطنين الذين يتنقلون على طرقات الضفة الغربية".
وأشار
إلى أن "هذه المجموعات المسلحة تستمد قوتها من جيل التيك توك الناشط على شبكات
التواصل الاجتماعي، حيث يوثق المسلحون كل هجوم، وينشرونه على الفور على الشبكة، مما
يخلق صدى كبيرا لأفعالهم، ويؤدي للتماهي معهم من جانب الشباب الفلسطيني في نابلس وجميع
مدن الضفة الغربية، رغم أننا أمام مجموعة صغيرة، مع نواة صلبة من 10-15 مقاتلا، معظمهم
ليس لديه انتماء تنظيمي، لكنهم أيديولوجيون للغاية، ليسوا رجال دين، لكنهم مرتبطون
بشدة بالمقاومة والكفاح المسلح".
لا يخفي
الاحتلال أنه أمام جيل فلسطيني مختلف، لم يعرفوا طبيعة أنشطة الجيش في عملية السور
الواقي قبل عشرين عاما، ولم يروا دباباته في قلب نابلس، وطائرات الهليكوبتر فوق رام
الله، ويعمل بجانب المسلحين عشرات الشباب "المتطوعين"، الذين يتلقون أسلحة
من التنظيم، وينفذون هجومًا، ويوثقونه، والنتيجة أن جهاز الأمن الإسرائيلي وقيادة المنطقة
الوسطى للجيش تعرضوا لمضايقات شديدة من قبل أعضاء التنظيم، لأنهم تمكنوا من تنفيذ عدد
كبير من الهجمات في وقت قصير نسبيًا.
مع العلم
أن الاعتراف الإسرائيلي لم يتأخر في الإعلان بأن الاعتقالات المستهدفة والغارات المتكررة
على نابلس لم تحسن الوضع الأمني كثيرًا، لا سيما باتجاه الجنود والمستوطنين، مما دفع
الجيش لمحاصرة نابلس، وتفتيش كل مركبة تخرج منها، فانتقلت الهجمات من المستوطنات والطرق
إلى مداخل المدينة، مما منح الاحتلال تعمقا لافتا في تحصيل المزيد من المعلومات الاستخباراتية
كما لم تكن موجودة قبل أسابيع.
الآن
وبعد الاغتيال الدامي الأخير، تجري قيادة جيش الاحتلال والشاباك تقييمات مكثفة للأوضاع
في ظل مخاوف من حدوث هجوم انتقامي، مما دفعهم لإصدار الأوامر للقوات في الميدان بالاستمرار
في حالة تأهب مع التخوف من اندلاع تصعيد في الشارع الفلسطيني في ظل الدعوات لأيام غضب
وانتقام.