كتاب عربي 21

حماس إذ تعترف بـ"الهزيمة"

سعيد الحاج
1300x600
1300x600

ما زالت أصداء زيارة وفد من حركة حماس دمشق واجتماعه ضمن وفد من الفصائل الفلسطينية مع الرئيس السوري؛ تتردد ولا زال الجدل قائماً بخصوصها. وقد تعرضت الحركة لحملة واسعة من الانتقادات، فضلاً عن مساحات من التشويه والتخوين، من قطاعات واسعة معظمها من الشرائح المؤيدة لها تقليدياً، مثل بعض العلماء والدعاة والحركات الإسلامية وعموم شباب الثورات العربية من الإسلاميين على وجه التحديد.

وقد فصّلت في مقال سابق لي في زوايا تناول عودة العلاقات بين حماس والنظام السوري بين الديني والأخلاقي والسياسي، وذهبت إلى أن البعد السياسي هو الأساس كزاوية نظر في الحدث وليس منطق الاستفتاء المباشر، رغم أنه لا يمكن نفي البعد الأخلاقي عن المسألة بالكلية. ولا يعني ذلك تبرير القرار، وإنما هو سعي لتحديد أرضية التقييم، فالقول بأن القرار سياسي لا يعني صحته بالضرورة، فقد تكون القرارات السياسية مصيبة أو خاطئة.

انتشر عدد كبير من مقاطع الفيديو تذكيراً بخطابات وتصريحات سابقة لقيادات الصف الأول في حماس مثل خالد مشعل وإسماعيل هنية، رئيس مكتبها السياسي ونائبه سابقاً على التوالي، والتي بررت قرار الخروج من سوريا عام 2012 بعدم الرغبة في الانحياز لأي من طرفَيْ المعادلة السورية الداخلية، فضلاً عن التحديات الأمنية المستجدة بعد الثورة.

السؤال الآن يدور حول ما تغير بعد سنوات من هذه التصريحات والمواقف الحمساوية، إضافة لقتال أفراد محسوبين على حماس مع المعارضة ضد النظام وتدريبهم لها، وهو ما اتهم النظام قيادة الحركة بالوقوف خلفه. ومن هنا جاءت كلمة عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية عن "تصرفات فردية لم تقرها قيادة الحركة"

ولكن الفيديوهات المذكورة تعجُّ بالتعابير الأخلاقية وتعبر عن موقف شبه منحاز، حيث تتكرر كلمات وصياغات من قبيل "الشعب السوري الحر"، و"من دعمنا في الحق لا ندعمه في الباطل"، و"لا يمكن أن نقف إلى جانب نظام يقتل شعبه"، و"المد الثوري"، و"شعوب الربيع العربي"، وغيرها الكثير مما يتصل بالبعد الأخلاقي. وهذا البعد الأخلاقي الذي شاع حول قرار حماس مغادرة الأراضي السورية، مضحيةً بكل المكاسب التي كانت تنعم بها في ظل النظام ودعمه المفتوح ومغامِرَةً بعلاقاتها مع داعمها الرئيس إيران وكذلك حزب الله، يشكل اليوم عقبة أمام تفهم الكثير من الأطراف لقرارها، إذ تحوّل من حجة لها إلى حجة عليها.

السؤال الآن يدور حول ما تغير بعد سنوات من هذه التصريحات والمواقف الحمساوية، إضافة لقتال أفراد محسوبين على حماس مع المعارضة ضد النظام وتدريبهم لها، وهو ما اتهم النظام قيادة الحركة بالوقوف خلفه. ومن هنا جاءت كلمة عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية عن "تصرفات فردية لم تقرها قيادة الحركة"، قاصداً العمل العسكري على وجه التحديد، وإن كانت الجملة الفضفاضة حُمِلتْ على أكثر من قصد ومعنى.

ثمة تقييمات انتشرت عن سبب هذا التغير في موقف الحركة الفلسطينية وسعيها لإعادة العلاقات مع النظام، اثنتان منهما على أقل تقدير تستحقان النقاش، مع ضرورة الإشارة إلى أن تغييراً كبيراً لم يطرأ على البنية القيادية في الحركة خلال هذه الفترة. صحيح أن مشعل ترك رئاسة المكتب السياسي لهنية، إلا أن الأخير كان نائب الأول لدى اتخاذ قرار الخروج عام 2012، وتبنت قيادة الحركة بمجملها القرار في حينه ودافعت عنه، فضلاً عن أن عدداً لا بأس به من أعضاء المكتب السياسي الحاليين كانوا في القيادة حينها.
ثمة تقييمات انتشرت عن سبب هذا التغير في موقف الحركة الفلسطينية وسعيها لإعادة العلاقات مع النظام، اثنتان منهما على أقل تقدير تستحقان النقاش، مع ضرورة الإشارة إلى أن تغييراً كبيراً لم يطرأ على البنية القيادية في الحركة خلال هذه الفترة

هل تغيرت نظرة حماس للأحداث في سوريا منذ 2011، لصالح تبني سردية النظام وتصديق روايته لما حصل، ودعمه في مواجهة جزء من شعبه أو الثورة/ المعارضة؟ لا يبدو ذلك ولا مؤشرات حقيقية عليه.

في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي، نقل موقع Middle East Eye عن مصدر في حماس أن الأخيرة رفضت شرط النظام السوري الاعتذار عن موقفها السابق لإعادة العلاقات. ويدعم ذلك أن الحية ركز في المؤتمر الصحفي في دمشق على دعم سوريا للقضية الفلسطينية والمقاومة وتجنب الحديث في الشأن الداخلي السوري، بينما اكتفى بالحديث عن "طي صفحة الماضي" بخصوص مواقف السنوات السابقة. الأهم، أن الرجل الثاني في الحركة الشيخ صالح العاروري أكد في لقاء مع قناة الأقصى قبل ذلك بأيام أن حركته لا تذهب لسوريا لتأييد النظام في صراعه الداخلي ولا الاصطفاف معه ضد المعارضة، وإنما لأهداف تتعلق بعملها كحركة مقاومة.

هل عادت حماس لدمشق رضوخاً لضغوط من طهران؟ قد يبدو ذلك منطقياً للوهلة الأولى بالنظر لواقع النظام وإمكاناته الحالية، لكن ذلك أيضاً لا تقوم عليه قرائن حقيقية. فقد رممت حماس على مدى السنوات الماضية علاقاتها مع إيران وحزب الله وطورتها بشكل ملحوظ، دون إعادة العلاقات مع الأسد. كما أن نظرة سريعة على ماضي العلاقات بين الجانبين ستظهر أن الحركة قد عارضت داعِمَها العسكري الوحيد في محطات مفصلية، مثل المشاركة في انتخابات 2006 والخروج من سوريا عام 2012 والموقف من حركة "صابرون" في قطاع غزة.

وعليه، فالذي نرجحه هو أن حماس قامت بتقدير موقف لمجمل المتغيرات في العالم والمنطقة وسوريا كذلك على مدى السنوات الفائتة، بما في ذلك موجة التطبيع مع الاحتلال والخطط الإقليمية لمواجهة المقاومة وبعض التطورات المحتملة التي يمكن أن تضر بها كحركة مقاومة. لكن الجزء الأهم من القراءة هو أن حماس قررت التعامل مع الأمر الواقع في سوريا، والذي يقول إن النظام انتصر والثورة هزمت.
حماس في ذهابها لدمشق لا تقرأ فقط المتغيرات العالمية على هامش الحرب الروسية- الأوكرانية والإقليمية المتعلقة بمسار التطبيع، وإنما تستشرف كذلك انفتاح أطراف إضافية على النظام السوري مع مرور الوقت من زاوية التعامل مع الأمر الواقع، وهو ما جعل تبكير قرارها أرجح فائدة لها من تأخيره

أي أن حماس في جزء من قرارها تعترف ضمناً بفشل رهانها على الثورات العربية وخصوصاً المصرية والسورية، ذلك أن قرار الخروج من سوريا لم يبن فقط على الموقف الأخلاقي، على أهميته، وإنما كذلك على قراءة تتوقع انتصار الثورة المصرية ووجود بديل لسوريا لاحتضان الحركة مستقبلاً، وهو التقدير الذي ثبت فشله لاحقاً.

إن حماس في ذهابها لدمشق لا تقرأ فقط المتغيرات العالمية على هامش الحرب الروسية- الأوكرانية والإقليمية المتعلقة بمسار التطبيع، وإنما تستشرف كذلك انفتاح أطراف إضافية على النظام السوري مع مرور الوقت من زاوية التعامل مع الأمر الواقع، وهو ما جعل تبكير قرارها أرجح فائدة لها من تأخيره.

إذن، فحماس في عودتها لدمشق لا تؤيد النظام ولا تزكيه ولا تدعم سرديته في المعادلة الداخلية السورية، وإنما تستقرئ متغيرات العقد الفائت وتستبق متغيرات السنوات القادمة. وهي في ذلك تحاول أن تتجنب الوقوع مرة أخرى في مطب التقدير الخاطئ أو المتسرع أو المتأخر، أي أنها في النهاية تذهب لدمشق معترفة بالهزيمة التي لحقت بالثورات العربية ككل، والتي رأت نفسها جزءاً منها في سنوات خلت تأييداً وتأثراً. وسيبقى التحدي الأكبر أمامها هو مدى قدرتها على تجنب الوقوع في خطأ التدخل في الشأن الداخلي السوري، ولا سيما على صعيد تأييد النظام الذي قد يسعى لذلك.

 

 

twitter.com/saidelhaj
التعليقات (4)
Aich
الثلاثاء، 25-10-2022 08:46 م
ارتماء حماس في حضن إيران وسوريا هو ضرورة أملتها قضية التسليح والمأوى في زمن التطبيع والهرولة .والسؤال إلى متى الإرتهان إلى السفاحين المعممين؟؟
أيمن عصمان ليبيا
الثلاثاء، 25-10-2022 06:38 م
حتى لو قبلنا أن القرار سياسي ، ما هي الفائدة أستاذ سعيد من الارتماء في أحضان نظام مجرم فاقد لشرعية شعبه ، ذنب لروسيا و إيران وعندما يرد على غارات الصهاينة يكون بقتل السوريين في ادلب وغيرها ؟!
عبداللطيف إبراهيم القاضي
الثلاثاء، 25-10-2022 06:18 ص
توفي الشيخ القرضاوي إلى رحمة الله تعالى و قامت حماس بعد أيام معدودة بالذهاب إلى دمشق و ذلك تحت ذريعة نصرة الحق. بدلا عن مراجعات فكرية و حركية و الإعتراف أن قرار السيطرة على قطاع غزة هو خطأ كبير كلف العديد من الارواح المدنية و الممتلكات في حروب عبثية غير مجدية. أضف إلى ذلك ان العقل المدير لخطة السيطرة على القطاع هو قاسم سليماني و تحت امرته تم كل شيء. و قد قال الشيخ القرضاوي أن فكرة الوحدة بين السنة و الشيعة هي خطأ و قد أضاع عمره في محاولة التقريب من دون جدوى. اي ان الذي بارك مسألة التعاون بين حماس و إيران هو من رأى بأم عينه الخديعة التي حصلت و تراجع عن موقفه و أعترف بالخطأ. ثم يطالعنا أحد مؤسسي الحزب الأيراني في لبنان بمقالة عن عودة التقريب بين المذهبين و ذكر أنها توقفت و لكن، بعد وفاة الشيخ القرضاوي يجب أن تعود من جديد فقط، لنرى بعد ايام قليلة حماس في سوريا. على أية حال، و اذكر هنا قول الله عز و جل، و من سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ? وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى? نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ? وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ? وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ? إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ? وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) أي و رب الكعبة و الاقصى، لله عاقبة الامور. إنها فتن تدمي قلب كل مؤمن في هذه الارض.
محمد عبد اللطيف
الثلاثاء، 25-10-2022 05:50 ص
الهزيمة هي هزيمة الشعب العربي بمجمله الذي يقبل أن يعيش في تعاسة وان تحكمه أنظمة صهيوعربية برعاية أميركية....... أين المشايخ من أنظمة العرب الأخرى ام ان المشايخ متخصصين في موضوع سوريا وحماس فقط..... لماذا لا يتكلمون عن السعودية التي قتلت ملايين اليمنيين و العراقيين واطلقت صفة الارهاب على المقاومة الفلسطينية ودفعت لأميركا في عهد ترامب فقط خمسمائة مليار دولار. لا تكفي المعرفة بالدين لتكون حكما سياسيا على آخرين محاصرين ومقتولين صباحا ومساء، او لتكون مسؤولاً سياسيا. بجانب علم الشريعة يجب ان تكون عالماً بالسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية ولك خبرة محترمة في كل ذلك. الفتوى يحب ان تكون على اسس تنطبق على الحالة بغض النظر عن اطرافها، لكن القوم وجدوا المقاومة الفلسطينية حلقة ضعيفة يكيلون لها فتاويهم وينأون بأنفسهم عن اغضاب الحكام الذين يعملون مع اميركا ولصالحها.