سياسة عربية

خبراء يضعون تصورا لمنظومة إعلامية ديمقراطية في مصر

الإعلام الخاص سيكون هو الغالب بعد نهاية الحكم الاستبدادي - جيتي
الإعلام الخاص سيكون هو الغالب بعد نهاية الحكم الاستبدادي - جيتي

دعا خبراء مصريون إلى إنشاء منظومة إعلامية جديدة في مرحلة ما بعد التغيير المأمول في البلاد، والتخلص من المنظومة الإعلامية الحالية، التي أكدوا أنها باتت في حالة سيئة للغاية، ولا تُعبّر بأي صورة من الصور عن الشعب المصري وقضاياه المختلفة.

جاء ذلك خلال "جلسة الفنون والثقافة وحرية التعبير"، التي عُقدت، مساء الخميس، عبر تقنية "زووم"، ضمن فعاليات "الحوار الشعبي المصري حول العالم".

"واقع بائس وأحلام مشروعة"


من جانبه، طرح الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقا، قطب العربي، ورقة حملت عنوان "الإعلام المصري.. واقع بائس وأحلام مشروعة"، موضحا أن ورقته تطرح رؤية جادة للإعلام مستقبلا في ظل حكم ديمقراطي، ولا تتحدث عن إصلاحات في المشهد الإعلامي الحالي.

ونوّه إلى أنه عرض الورقة التي أعدّها على عدد من زملائه من كبار الصحفيين، منهم سبعة من رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء تحرير بعض الصحف القومية الكبرى، "الذين أضافوا لي الكثير من المعلومات والانطباعات والملاحظات، ومن ثم هذه الورقة لم تعد تعبيرا عن رأيي وموقفي الشخصي، بقدر ما هي تعبير عن ضمير مجموعة من كبار الصحفيين والإعلاميين".

ووصف العربي المشهد الإعلامي الحالي بعد انقلاب صيف 2013 بأنه "مشهد بائس جدا"، مردفا: "هذا المشهد كان يحلم به رأس النظام الحالي (السيسي)، الذي عبّر عن ذلك في تصريحاته السابقة، التي كان من بينها حديثه عن إعلام الستينيات خلال فترة حكم جمال عبد الناصر".

بينما لفت الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقا، إلى أن "إعلام الستينيات كان لديه مشروع بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذا المشروع، أما هذا الإعلام الحالي، فليس لديه أي مشروع، غير أنه يطبل وينافق الحاكم الفرد ويُبرر كل ممارساته".

إعلام ما بعد الاستبداد


وتطرقت ورقة قطب العربي إلى مراحل سيطرة نظام السيسي على المنظومة الإعلامية بالكامل، وجاء فيها: "نجح النظام في بلوغ الحلم المنشود سريعا عبر سياسة بناء الأذرع الإعلامية (مؤسسات وشخصيات)، وضمن هذه السياسة تم تأسيس شركات جديدة، وإن ضمت جميعا لاحقا تحت تبعية جهاز المخابرات، وفي شركة واحدة هي المتحدة للخدمات الإعلامية".

فيما تحدثت الورقة عن المشهد الإعلامي المأمول في ظل حكم ديمقراطي، موضحة أن "الإعلام الخاص سيكون هو الغالب بعد نهاية الحكم الاستبدادي الحالي، وهو ما يستدعي وضع قواعد قانونية تمنع الاحتكار والتركز في قبضة عدد محدود من رجال الأعمال يحركون الإعلام لخدمة مصالحهم، ومن ذلك إلزام الشركات الصحفية الخاصة بطرح أسهمها في البورصة بعد 3 سنوات على تأسيسها".

واستدركت الورقة: "لكن غلبة الإعلام الخاص المتوقعة لا تمنع وجود منظومة إعلامية عامة، ينفق عليها الشعب (دافع الضرائب والرسوم)، ويراقب أداءها، ويحاسبها على قصورها من خلال آليات رقابة متعددة، سواء عبر البرلمان أو عبر بعض المجالس الإعلامية وجمعيات المجتمع المدني، وبذلك نتحول من إعلام السلطة إلى إعلام الشعب".

 

اقرأ أيضا: منظمة معارضة تستعرض جرائم نظام السيسي خلال 9 سنوات

إعادة هيكلة الإعلام


وطرحت ورقة العربي خطوات عملية لإعادة هيكلة الإعلام القومي، كان على رأسها "حصر أصول وممتلكات المؤسسات الإعلامية القومية، ومعرفة مديونيات تلك المؤسسات للحكومة والبنوك والقطاع الخاص، وإعداد تقييم مالي أمين عنها.

وطالب العربي بوضع "خطة لإصلاح وتطوير المؤسسات الصحفية القومية لتنفيذها خلال 3 سنوات، بحيث يتم خلال تلك المدة تسوية مشاكلها المالية، ثم يتم بعد ذلك تحويلها إلى شركات مساهمة توزع 25% من أسهمها على العاملين بها، و25% تظل بيد الحكومة، و25% تخصص للبيع للنقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدني، و25% تُطرح للاكتتاب العام في البورصة".

وقال: "فيما يخص ماسبيرو، يمكن الإبقاء على عدد محدود من القنوات بدلا من 25 قناة، و10 شبكات إذاعية حاليا، على أن تكون إحدى القنوات محلية، وأخرى عربية، وثالثة عالمية (إنجليزية)، والأمر ذاته بالنسبة للإذاعة، ويتم التخلص من باقي القنوات والمحطات الإذاعية بنقل ملكيتها للعاملين بها أسوة بالمؤسسات الصحفية، ليقوموا بإدارتها بطريقة اقتصادية رشيدة".

ودعا العربي إلى "وضع ميثاق شرف إعلامي من قِبل النقابات الإعلامية المختصة ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالإعلام، وتلتزم كل صحيفة أو قناة بتطبيق هذا الميثاق"، مطالبا بإعداد قانون للإعلام مطابق للدستور، وضبط القوانين الأخرى، التي تتضمن بنودا تمس حرية الإعلام وفقا للنصوص الدستورية التي كفلت حرية واستقلال الإعلام.

كذلك طالب العربي بـ "تأسيس مجلس للإعلام على غرار هيئة تنظيم الاتصالات والبث البريطانية (أوفكوم) تضع الضوابط والمعايير الإعلامية التي ينبغي الالتزام بها والمساءلة عليها، وتفعيل حق نقابتي الصحفيين والإعلاميين في الحصول على نسب من دمغة الإعلانات، بما يحقق لهما إيرادات مستقلة للإنفاق على خدماتهما بعيدا عن الرشاوى الحكومية الموسمية (في الانتخابات النقابية)".

تحرير الإعلام المصري


بدوره، دعا أستاذ الصحافة والإعلام الدولي ورئيس قسم الصحافة الأسبق بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، سليمان صالح، ‏كل المشاركين في الحوار الشعبي إلى "مرحلة جديدة من الكفاح لتحرير ‏الإعلام المصري من التبعية للسلطة؛ ‏فهذه التبعية هي العامل الرئيس الذي أضعف قوة مصر الإعلامية".

وذكر صالح في كلمته، أن "سيطرة السلطة على الصحافة والإعلام ‏أدت إلى الكثير من الآثار السلبية، أهمها حرمان شعب مصر من المعلومات والمعرفة، حتى في أخطر القضايا"، مؤكدا أن "من أهم مصادر قوة الدولة أن تبني نظاما ‏إعلاميا ‏يوفر لجماهيرها المعرفة".

وأشار صالح، وهو وكيل لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب سابقا، إلى "عدم قدرة الإعلام المصري على إدارة مناقشة حرة بين الاتجاهات السياسية والفكرية حول مشكلات مصر، ‏مما أدى إلى إغلاق المجال العام، ‏ونتيجة لذلك فقد شعب مصر حقه في التعبير عن الرأي، ‏وتقديم حلول جديدة للمشكلات، ‏وظهور قيادات جديدة يمكن أن تقود كفاح الشعب المصري".

وأردف: "‏لكي ننقذ مصر ونبني مستقبلها، لا بد أن نبني نظاما إعلاميا مصريا ‏يقوم على حماية الحريات العامة، ومن أهمها حرية الصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير؛ ‏فالشعوب ‏تحتاج لصحافة حرة تحمي حريات الشعوب، ‏وتزيد قدراتها على الحوار وإنتاج الأفكار الجديدة والتوصل إلى حلول جديدة للمشكلات".

ودعا الصحفيين والإعلاميين المصريين إلى أن "يقودوا كفاح شعبهم لتحقيق الحرية والديمقراطية، ‏وعندما يقومون بهذا الدور، فإن الشعب سيدافع عن حريتهم وعن حرية الصحافة والإعلام؛ لأنها تشكل وسيلة لحماية حريته".

‏وطالب ببناء "نظام إعلامي جديد يبني لمصر قوة ناعمة، ‏ويقدمها كدولة قائدة لكفاح الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية".

‏"صحافة الكفاح الوطني"


‏وأشار صالح إلى أن "مصر قدمت لكل الشعوب نموذج صحافة الكفاح الوطني خلال الفترة 1952-1889، ‏وهو نموذج يمكن أن يُشكّل سلاحا مهما في أيدي الشعوب لتحقيق أهدافها في الاستقلال الشامل والحرية والديمقراطية".

‏فيما دعا الجماعة الوطنية المصرية إلى "إحياء نموذج (صحافة الكفاح الوطني) ‏عن طريق إنشاء الكثير من الصحف المطبوعة والإلكترونية، والقنوات التلفزيونية، ‏وإدارة الحوار الوطني المستمر، ‏وتنظيم الكفاح الوطني، ‏والاتفاق على مجموعة من المبادئ التي يجب أن نلتزم بها؛ مثل احترام الحقوق، وأدب الحوار والنقاش، وأخلاقيات الإعلام، ونشر المعرفة، ورفض الاستبداد والديكتاتورية والفساد".

واستطرد رئيس قسم الصحافة الأسبق بكلية الإعلام، قائلا؛ ‏إن "نموذج صحافة الكفاح الوطني يمكن أن يُشكّل بديلا مهما للإعلام الذي تسيطر عليه السلطة وتستخدمه في إلهاء الجماهير وتزييف وعيها، خاصة أن أهم التحديات التي يجب أن نواجهها تتمثل في استخدام وسائل الإعلام في تزييف الوعي ‏وإثارة الكراهية".

واختتم صالح بقوله: "يجب أن نبدأ مرحلة جديدة نعمل فيها على إعادة الوحدة والتماسك المجتمعي لشعبنا، باستخدام صحافة جديدة توفر المعرفة لجماهيرنا، ‏وتبحث عنه القواسم المشتركة التي يمكن أن نتفق عليها، ويمكن أن تقوم الجماعة الوطنية في المهجر بهذا الدور لإنقاذ مصر".

اندحار الإبداع


كما أشار المخرج والناقد الفني، عز الدين دويدار، إلى أن غياب الحرية كان له تأثير سلبي على الفن والإبداع في مصر ،التي قال إنها "تعاني من فقر كبير في النخب الإبداعية القادرة على مناقشة حالة الفنون والإبداع بشكل مستقل وحر بعيدا عن السلطة".

وأشار إلى أن "جودة المنتج الفني والثقافي والإبداعي بمصر في أضعف حالاتها منذ ستينيات القرن الماضي، خاصة على مستوى الجودة الفنية، التي هي في تردّ مستمر ومتواصل"، مُحذّرا من خطورة ما وصفه بـ "حالة الاندحار الإبداعي"، خاصة في ظل عدم القدرة على المنافسة العربية والعالمية.

وقال: "كما هو معروف، الفن والثقافة مرآة المجتمع؛ فحالة الفن والثقافة في أي مجتمع هي مرآة حضارته وازدهاره أو ضحالته وانهياره".

وشدّد على أن "السينما والفنون بمصر في أزمة حقيقية مرتبطة بأزمة الوطن قدما بقدم، وتحتاج إلى مشروع نهضة كبير كان يمكن تحقيقه في حالة اكتمال انتفاضة المجتمع إبان ثورة 25 يناير".

وأكمل: "نهضة السينما المصرية تحتاج إلى مشروع اقتصادي فكري ثقافي أكاديمي، ولن يتحقق ذلك إلا بسقف عال من الحرية، والنزاهة، والعلم، وهو ما لن يكون متاحا بالكلية تحت حكم القوة الغاشمة".

التعليقات (0)