هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
زار رئيس وزراء باكستان المنتخب حديثاً محمد شهباز تركيا الأسبوع المنصرم، وذلك في أول رحلة له لأنقرة منذ توليه منصبه في نيسان/ إبريل الماضي. حظيت الزيارة الرسمية التي استمرت لثلاثة أيام باهتمام بالغ، سيما أنّها تتزامن مع الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية التركية-الباكستانية.
خلال تواجده في أنقرة، إلتقى رئيس الوزراء الباكستاني بعدد من المسؤولين في البلاد على رأسهم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان حيث بحث الطرفان القضايا الأساسية ذات الاهتمام المشترك مع التركيز على تطوير التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والصحة والشؤون الخارجية والاستثمار والتعليم والتكنولوجيا. تُوّجت الزيارة بتوقيع 7 اتفاقيات جديدة بين البلدين في مجالات مختلفة من بينها الإسكان، وإدارة الديون وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، وهندسة الطرق، والتعاون الفني بين وزارة الخزانة والمالية التركية.
بعض المراقبين كان يتخوّف من أن ينعكس خروج عمران خان من المشهد السياسي على طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل يقوّض من العمل الدؤؤب والتقدّم الكبير الذي تحقق خلال السنوات القليلة الماضية على أكثر من صعيد. لكن الانطباع الذي تركته زيارة شهباز أزالت هذه المخاوف مبدئياً، وأكّدت على الطبيعة المؤسّساتيّة للعلاقات الثنائية بين البلدين. تصريحات شهبار عزّزت الانطباع الإيجابي مع التأكيد على أنّ الوقت قد حان لباكستان وتركيا للاستفادة من روابطهما التاريخية الممتازة للارتقاء بالعلاقات الثنائية.
وبالمثل، فقد أكّد الرئيس أردوغان على أنّ بلاده مستعدة لتعزيز العلاقات بين البلدين من منظور استراتيجي وبشكل يتماشى مع تاريخ البلدين وصداقتهما وإمكانياتهما. الرئيس التركي بالتحديد لعب دوراً كبيراً في في الدفع بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق في وقت كانت تشهد فيه باكستان الكثير من الضغوط السياسيّة والاقتصادية والأمنيّة من دول كانت تعرّف نفسها حتى الأمس القريب على أنّها دول صديقة، ناهيك عن الدول الخصمة والعدوة.
علاوةً على ذلك، وبخلاف غيرها من الدول العربية والاسلامية، فقد التزمت أنقرة بدعم باكستان في قضية كشمير، وفي المقابل التزمت باكستان بدعم تركيا في القضية القبرصية.
إن المسار العام للعلاقات التركية ـ الباكستانية لا يزال يشير إلى أنّه في صعود وأنّ البلدين يمتلكان القدرات اللازمة لتحقيق التكامل والإرادة السياسية للدفع بهذا التعاون والتكامل قدماً على الأمام. ولاية رئيس الوزراء محمد شهبار ستكون بمثابة اختبار من دون أدنى شك لهذا الطرح، وللمدى الذي من الممكن للعلاقات الثنائية أن ترتقي إليه مستقبلاً.
تربط تركيا وباكستان علاقات تاريخية، وقد سعت أنقرة خلال الاعوام القليلة الماضية إلى تأمين تنسيق عالٍ بين البلداين في المسائل الحساسة والرئيسية. كما عملت جاهدة علىى تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين. فضلاً عن ذلك، فقد حرصت أنقرة على إشراك باكستان في مبادرات إقليمية متعددة، وعملت على أن تكون حاضرة دوماً فيها. كما أنشأت عدّة تجمّعات متعددة الأطراف وسعت إلى إدخال باكستان فيها من بينها المثلث الذي يضم أذربيجان وتركيا وباكستان. علاوةً على ذلك، قامت أنقرة بالتنسيق المستمر مع إسلام أباد فيما يتعلق بالتطورات على الساحة الأفغانية.
الاجتماعات الرسمية المتعلقة بمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين لا تزال قائمة، وقد قرر البلدان إقامة الدورة القادمة في إسلام أباد حيث من المقرر أن يقوم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بزيارة إسلام أباد في سبتمبر المقبل للوقوف على المشاريع الاستراتيجية التي يسعى البلدان إلى الشروع في تنفيذها أو تنفيذ ما كان قد تمّ الاتفاق عليه مسبقاً بينهما. العلاقات العسكرية والدفاعية بين تركيا وباكستان على وجه التهديد تشكل مصدر قلق للعديد من الدول على المستوى الإقليمي والدولي نظراً للقدرات الاستثنائية التي يتمتع بها البلدان في هذا المجال.
باكستان دولة نووية في نهاية المطاف ولديها قدرات صاروخية متطورة وخبرات عكسرية وقتالية متقدّمة. في المقابل، يعد الجيش التركي ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي ويمتلك قدرات عسكرية إحترافية وخبرات قتالية واسعة مدعومة بقطاع صاعد وواعد من الصناعات الدفاعية والمنتجات الدفاعية المتقدّمة في مجالات الدفاع والهجوم البري والبحري والجوي. التكامل الممكن بين البلدين في هذه المجالات يثير حساسية وتحفضل دول خصمة و/ أو عدوّة نظراً لما يمكن أن ينجم عن مثل هذا التعاون والتداعيات التي من الممكن أن يتركها على التوازنات العسكرية في المنطقة.
باكستان منخرطة عملياً في عدد من المشاريع الدفاعية التي تديرها تركيا وتهدف إلى تزويد إسلام أباد بمعدات عكرية متطورقة جوية و/ أو بحرية على وجه الخصوص. وتشير بعض التقارير كذلك إلى أنّ باكستان هي الدولة الحليفة الأولى التي تحصل على مسيّرة أكينجي الهجومية التركية. هناك من يشير إلى أنّ الثمن سيكون مساعدة إسلام أباد لأنقرة في مجال الصواريخ الباليستية بعدية المدى والتكنولوجيا النووية وربما القنبلة النووية. لكن لا دليل حتى الآن على الشق الأخير من النقاش والذي لا يزال يدور حول التخمينات.
لكن بغض النظر عن ذلك، فإن المسار العام للعلاقات التركية-الباكستانية لا يزال يشير إلى أنّه في صعود وأنّ البلدين يمتلكان القدرات اللازمة لتحقيق التكامل والإرادة السياسية للدفع بهذا التعاون والتكامل قدماً على الأمام. ولاية رئيس الوزراء محمد شهباز ستكون بمثابة اختبار من دون أدنى شك لهذا الطرح، وللمدى الذي من الممكن للعلاقات الثنائية أن ترتقي إليه مستقبلاً.