هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع معهد تشاتام هاوس البريطاني مقال رأي للكاتبة هيلين فيتزويليام، تحدّثت فيه عن العوائق التي يواجهها النشاط الإبداعي والثقافي في مصر في ظل النظام العسكري، الذي امتدت أذرعه إلى جميع القطاعات تقريبًا.
وتطرقت الكاتبة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إلى رواية "هنا بدن" للكاتبة المصرية بسمة عبد العزيز، التي تتحدث عن شخصية خيالية لجنرال عسكري في مدينة شرق أوسطية لم تذكر اسمها.
وتدور أحداث الرواية حول اعتقال أطفال الشوارع ليلاً، وتجنيدهم في مركز إعادة تأهيل تديره الدولة، وتلقيهم التدريب العسكري والمحاضرات الإجبارية، ليصبحوا القوة الضاربة للجنرال؛ من خلال مهاجمة المتظاهرين في الشوارع.
وأشارت الكاتبة إلى أن هناك أوجه تشابه واضحة بين الكتاب ومذبحة رابعة التي حدثت في القاهرة في آب/ أغسطس 2013، حيث استخدمت قوات الأمن المصرية القوة المميتة لتفريق معسكر احتجاج، بعد أن قام الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي بتدبير الانقلاب، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي.
ومنذ استيلائه على السلطة، قضى السيسي على المعارضة، وسحق وسائل الإعلام المستقلة، وقضى على جزء كبير من المجتمع المدني، وسُجن الآلاف من أتباع جماعة الإخوان المسلمين، وتم تصنيف الحركة الإسلامية على أنها منظمة إرهابية. وقد استهدف النظام المدونين والصحفيين ومستخدمي تيك توك ونشطاء حقوق الإنسان، كما تم استجواب العديد منهم أو سجنهم، على الرغم من أن بعضهم لم يوجهوا أي انتقاد للدولة.
اقرأ أيضا: محتجزون بمصر "يختفون" بعد تسريب تعذيبهم بمركز شرطة
ردّ بعض الكتاب، مثل بسمة عبد العزيز، على ما يحصل بإخفاء نقدهم الاجتماعي في الروايات البائسة، بينما توقف روائيون آخرون تماما عن الكتابة عن مصر المعاصرة، والاكتفاء بكتابة الروايات التاريخية أو السير الذاتية بدلا من ذلك، في حين اختار عديد الكتاب مغادرة البلاد بحثا عن حرية أكبر.
استلهمت عبد العزيز فكرة روايتها من لقاء دار بينها وبين أم وابنها الصغير -اللذين كانا يعانيان من صدمة نفسية- في عيادة القاهرة، حيث تعمل طبيبةً نفسية، إذ شاهد الصبي والده يموت أمامه في ميدان رابعة. لذلك، أرادت عبد العزيز تصوير ما حدث بالفعل في ميدان رابعة؛ حفاظًا على الحقيقة.
أذهلت النقاشات الدقيقة التي دارت بين الشخصيات التي تخيم في "الميدان" المترجم الإنجليزي للكتاب جوناثان رايت، إلى جانب الطريقة التي وصفت بها الرواية كيفية تدريب الأطفال وحشدهم كحراس.
وأشارت الكاتبة إلى أن نظام السيسي يشدد قبضته على قطاع الثقافة والترفيه لنقل القصص من وجهة نظر الحكومة، ويعدّ التلفزيون الوسيلة المثالية للتأثير على الجمهور؛ نظرا لتواجده لدى معظم المصريين. وخلال شهر رمضان، الذي يمثل ذروة الموسم التلفزيوني، يفرض مسؤولو الدولة رقابة على نصوص الأعمال السينمائية والدرامية، ويطالبون بعرض البرامج التي تعكس قيما عائلية أكثر تحفظا ووطنية.
وذكرت الكاتبة أنه تم إبلاغ صانعي البرامج بضرورة تقديم الشرطة والجيش في صورة بطولية، وإدانة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. ويقول هشام قاسم، وهو ناشر سابق في إحدى الصحف، إن ما يكمن وراء هذه الرقابة وتبجيل من في السلطة هو إرث ثورة 2011 وخوف دائم من تكررها. فعلى سبيل المثال، يعتقد قاسم أن الشخصيات المؤثرة ونجوم تيك توك يتعرّضون للاستهداف؛ نظرا لإمكانية حشد جماهيرهم لأغراض سياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأفادت الكاتبة بأن أحد الأكاديميين المصريين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قد أخبرها أن هناك قبولا ضمنيا للقمع العنيف الذي يتعرّض له أنصار الرئيس السابق الراحل محمد مرسي. وأشار المدافعون عن السيسي إلى أن الانقلاب الذي أوصله إلى السلطة قبل تسع سنوات قد أدى إلى استقرار الأمة، التي يبلغ تعداد سكانها 100 مليون نسمة، بعد مرورها بفترة من الاضطرابات، وقدّم وعودا بتحسين الاقتصاد. في المقابل، كان يُنظر إلى مرسي على أنه غير كفء ومثير للانقسامات، وبعد أقل من عام، أصبح جزء كبير من السكان مؤيدا للعودة إلى الحكم العسكري.
اقرأ أيضا: مشاهد مسربة للتعذيب بمصر قبل يوم من ذكرى الثورة (شاهد)
مع ذلك، يعتقد قاسم أن النوايا الحسنة التي برزت في البداية قد اضمحلت لاحقًا، وأن الحملات القمعية الأخيرة على وسائل الإعلام كانت شديدة القسوة، لدرجة أن العديد من المراسلين ومنتجي التلفزيون اضطروا للبحث عن طرق بديلة لكسب لقمة العيش، بينما وجد البعض الآخر أنفسهم عاطلين عن العمل.
ونقلت الكاتبة عن قاسم أن أحد المخرجين الذي صوّر فيلما فيه مدح للتنمية الحضرية الحكومية الجديدة قد نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أن معداته سُرقت من قبل مسلحين. وعلى الرغم من أن الشرطة قبضت على اللصوص، إلا أنهم قاموا باعتقاله؛ بسبب نشره معلومات كاذبة "زعزعت استقرار الدولة" من خلال التلميح إلى وجود جريمة في مصر.
وحسب المؤلف أحمد ناجي، فإن معظم الكتاب خائفون من الكتابة عن القمع الحالي، وإن سوق النشر يخضع للسيطرة الشديدة، بحيث يمكن سجن الناشرين لعدة سنوات في حال طباعة أي عمل لا يرضي الحكومة.
وأورد ناجي، الذي يعيش الآن في لاس فيغاس، أن مصر تفقد قوتها الناعمة مع انتقال المركز الثقافي للعالم العربي بعيدًا عن القاهرة إلى حيث توجد أموال أكثر وقيود أقل. كما أن الكتاب المصريين يغادرون للعمل في صناعة السينما السعودية الجديدة أو في دور الإنتاج في الأردن والإمارات العربية المتحدة، بينما يميل المشاهدون في مصر أكثر إلى متابعة المسلسلات السورية أو التركية الأقل تشددًا. وأكد ناجي أنه "بات يوجد رقابة أقل في المملكة العربية السعودية مقارنة مصر".
مع ذلك، تمكنت عبد العزيز من طباعة نسخة عربية من كتابها ونشرها في المكتبات، ولكن قبل أن تتمكن من إقامة حفل توقيع في معرض القاهرة للكتاب، وصل رجال الأمن، وطلبوا من ناشرها أن يزيل رواياتها من منصته، وأمروا المكتبات بعدم عرض أعمالها. وقد صرّحت عبد العزيز بأنها توقّعت أن تتعرّض لمضايقات أكثر من ذلك، لكن لا تزال هناك طرق أخرى يمكن للقراء من خلالها الحصول على نسخة من كتابها.