قضايا وآراء

أوروبا المنقسمة في الأزمة الأوكرانية الروسية

هاني بشر
1300x600
1300x600
حين تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، واجه حلف شمال الأطلسي الناتو أزمة كبرى تتعلق بهويته والغرض منه، لأنه نشأ أصلا لمواجهة ما كان يسميه الخطر الأحمر الآتي من موسكو صوب المعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد أكثر من ثلاثة عقود على وضع الحلف الجديد، لم يخطُ الحزب خطوات جادة نحو شكل جديد يتوافق مع متغيرات السياسة الدولية الجديدة، حتى جاءت الأزمة الأوكرانية الروسية الحالية لتكشف أزمة جديدة ليست لدى لحلف الناتو فقط ولكن لدى الاتحاد الأوروبي أيضا.

مبتدأ الأزمة الأوكرانية الروسية ومنتهاها عند حلف الناتو؛ الذي تخشى موسكو من امتداده حتى حدودها الشرقية مع دول الاتحاد السوفييتي السابق مما يهدد أمنها واستقرارها. ولذلك لا تتفاوض روسيا مع أوكرانيا ولا مع الاتحاد الأوروبي، ولكن مع حلف الناتو مباشرة وأهم أعضائه وهي الولايات المتحدة. هذا الوضع الشاذ والغريب سياسيا يكشف لنا عدة أمور؛ أولها أن أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة وهي أوكرانيا عجزت عن حماية نفسها، أو على الأقل التفاوض الجاد مع موسكو بعد أكثر من ثلاثين عاما على استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، وهي أعوام شهدت ثورات ملهمة وانتخابات حرة ومراحل تحول ديمقراطي.
مبتدأ الأزمة الأوكرانية الروسية ومنتهاها عند حلف الناتو؛ الذي تخشى موسكو من امتداده حتى حدودها الشرقية مع دول الاتحاد السوفييتي السابق مما يهدد أمنها واستقرارها. ولذلك لا تتفاوض روسيا مع أوكرانيا ولا مع الاتحاد الأوروبي، ولكن مع حلف الناتو مباشرة وأهم أعضائه وهي الولايات المتحدة

ثانيا: إن حلف شمال الأطلسي لم يستطع أن يضم أوكرانيا لصفوفه خلال هذه العقود، ولا أن يوفر لها حماية من فقدان شبه جزيرة القرم بعد السيطرة الروسية عليها عام 2014 ، ولا من الدخول في حرب شرقي البلاد. وأغلب الظن أن الحلف ظل مترددا من اتخاذ هذه الخطوة حتى لا يثير غضب موسكو وفضل سياسة النفس الطويل، وهو ما لم تكن روسيا لتسكت عليه واتخذت هذه الخطوات الأخيرة من الحشد العسكري على الحدود.

ثالثا: كشفت الأزمة الحالية عن هشاشة البنية السياسية والدفاعية للاتحاد الأوروبي، فليس للاتحاد أي دور يذكر في الأزمة الحالية رغم أنها تتم في فضائه الاستراتيجي وتهدده بشكل مباشر. ومما يزيد الأمر سوءا أن الأزمة كشفت عن الانقسام التقليدي لدى دول الاتحاد بين باريس وبرلين؛ إذ تتخذ الأولى موقفا متشددا من السياسات الروسية تجاه أوكرانيا، فيما لا تشاركها الثانية نفس الموقف. ومما يدل على ذلك، عدم سماح ألمانيا لإستونيا بتصدير أسلحة ألمانية المنشأ لأوكرانيا، وإذا علمنا أن إستونيا تشارك ألمانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي وعضوية حلف شمال الأطلسي الناتو وأن تصدير الأسلحة يتناغم مع الموقف الأمريكي الداعم لكييف في مواجهة موسكو، نستطيع أن ندرك حجم الانقسام وعدم وحدة الموقف السياسي والدفاعي لدول الاتحاد.
أوروبا تعود، أو ربما لا تزال، بين شقي رحى قوتين عظميين هما الولايات المتحدة وروسيا، وهو الوضع الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وكان التعبير الأبرز له هو جدار برلين للدلالة على الانشطار الأوروبي بين كتلتين إحداهما تتبع موسكو والأخرى تتبع واشنطن. وإن نهاية الحرب الباردة بمفهومها القديم وتفكك الاتحاد السوفييتي لم يغير طبيعة هذه العلاقة

رابعا: تظهر هذه الأزمة عن عدم وجود سياسية دفاع أوروبية مشتركة واضحة المعالم، إذ لطالما تنادت كثير من الدول الأوروبية لإيجاد بديل أو على الأقل مرادف إقليمي لصيغة حلف شمال الأطلسي الناتو بين دول الاتحاد يتمثل في سياسة دفاع مشتركة، غير أن الأزمة الحالية أظهرت بجلاء ضعف الجهود الأوروبية في هذا الإطار خلال العقود الماضية.

يمكن القول إن أوروبا تعود، أو ربما لا تزال، بين شقي رحى قوتين عظميين هما الولايات المتحدة وروسيا، وهو الوضع الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وكان التعبير الأبرز له هو جدار برلين للدلالة على الانشطار الأوروبي بين كتلتين إحداهما تتبع موسكو والأخرى تتبع واشنطن. وإن نهاية الحرب الباردة بمفهومها القديم وتفكك الاتحاد السوفييتي لم يغير طبيعة هذه العلاقة، ولم يلعب تأسيس الاتحاد الأوروبي دورا كبيرا في تغيير هذه المعادلة، حتى ظهرت لنا أزمات متكررة آخرها أزمة أوكرانيا لتكشف لنا عن هذا الوضع.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)