هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زالت تصريحات رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع بشأن عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وما أثارته من ردود فعل غاضبة داخل إسرائيل، بزعم أنها تزيد من توتر الأجواء وتثير غضب الحلفاء في واشنطن، تطرح تساؤلات قاسية في حال عدم قدرة الجهاز على تحقيق تهديده. وفي هذه الحالة من سيتحمل مسؤولية الفشل؟
عيناف شايف الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر في مقال ترجمته "عربي21" أن "تهديد برنياع يعيد إلى أذهان الإسرائيليين تلك الهالة التي كان يكتسبها رؤساء وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ زمن بعيد، ممن كانوا يرسلون المقاتلين إلى الجبهة العسكرية، وفي الوقت ذاته يقودون أكثر التنظيمات سرية، ورغم ما قيل عن اختلاف برنياع عن سلفه يوسي كوهين، من خلال عدم شغفه بالصحافة والكاميرا، فلربما كان هذا الاستنتاج متسرعاً".
وأضاف أنه "طالما أن برنياع لم يعد يختلف عن كوهين في كثرة حديثه وإطلاق تهديداته، فإن السؤال يطرح عن مدى ضرورة هذه التصريحات، وما إذا كانت تحقق الهدف الإسرائيلي من السياسة المتبعة تجاه إيران، رغم أن المقصود قد يكون ممارسة مزيد من الإلحاح والضغط على الولايات المتحدة، كي لا تواصل طريقها نحو إبرام اتفاقية جديدة مع إيران".
صحيح أنه ليس هناك أحد في إسرائيل يشكك في التزام بارنياع والموساد لبذل كل ما بوسعهم لضمان أن الأسلحة النووية لن تكون في ترسانة إيران، العدو الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل، لكن السؤال يتعلق بطبيعة العقوبة المتوقعة في حالة الفشل.. بمعنى أكثر وضوحا: ماذا سيحدث إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، سواء في السنوات القادمة، أو في فترة زمنية لانهائية؟ هل سيكون مصير بارنياع أنه لن يرى وجهه في العلن مرة أخرى، أم إنه سيتم استخلافه برئيس آخر للموساد؟
اقرأ أيضا: انتقاد إسرائيلي لتهديدات بايدن "الهزيلة" لإيران.. "لا أثر لها"
في سياق متصل، ظهرت الغطرسة والتقصير الإسرائيليين إزاء السلوك المتبع تجاه إيران، لاسيما عقب ما أعلنه إيهود باراك رئيس الحكومة الراحل، الذي أظهر انتقادات كبيرة لحجم التهديدات التي لا يتعامل معها أحد بجدية، ما يستدعي بنظر الإسرائيليين تشكيل جبهة إقليمية واسعة ضد إيران النووية.
في الوقت ذاته، فإن من الأمور السيئة في القضية الإيرانية أنه طالما كان من الصعب التمييز بين البيانات الواقعية والسياسة الداخلية، مع العلم أن الجاني الرئيسي في هذه المسألة هو بنيامين نتنياهو، الذي كان مهووساً بالنووي الإيراني، وخلط بين الحرب ضد برنامج إيران النووي، وحملة الكراهية ضد خصومه السياسيين، وتدخله غير المسبوق والضار بشكل لا يصدق في السياسة الأمريكية.
عوفر شيلاح عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن التابعة للكنيست، والباحث بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ذكر أن "باراك الذي هاجم نتنياهو لأنه تسبب بالعديد من الأضرار على السياسة تجاه إيران، لكنه كوزير سابق للحرب في عهد نتنياهو تعمد وبكل طريقة ممكنة إثارة أجندة هجوم على إيران، وكانت النتيجة الأكثر وضوحًا أن إدارة أوباما ابتعدت عن إسرائيل، عندما أجرت الأخيرة المفاوضات التي أدت للاتفاق النووي 2015، كانت إسرائيل خارج النفوذ".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "انتقاد باراك لأداء نتنياهو إزاء إيران، يعيد إلى الأذهان السياسة الفاشلة التي اتبعها وزراء الحرب السابقين منذ عام 2016 حتى اليوم، باستثناء نتنياهو نفسه، لدينا أفيغدور ليبرمان، نفتالي بينيت، وبيني غانتس، واليوم ربما ليس هناك ما يمنع بارنياع من الانخراط في التصريحات التهديدية، رغم أنه تزامن بالإعلان عن تخصيص خمسة مليارات شيكل للتحضير لخيار عسكري".
ويتفق العديد من الإسرائيليين على أن البرنامج النووي الإيراني ليس نهاية المشروع الإسرائيلي، رغم أنه قد يتسبب في سباق تسلح نووي، ويمنح أعداء إسرائيل إحساسًا بالحصانة في الدائرة المباشرة، ويضع القدرة التدميرية في أيدي نظام معاد، رغم أن الرؤى الغيبية تخدم فقط من يسعون للحفاظ على الوهم بأن كل مشكلة لها حل عسكري، أو لإقناع الجمهور الإسرائيلي بأنه قد يفعل شيئًا ما للعراق كما حصل في عام 2003.
في الوقت ذاته، وفي السنوات التالية، انتهج أريئيل شارون وإيهود أولمرت سياسة جمعت بين الإحباط السري والجهود السياسية، وتمكنا من تأخير تخصيب اليورانيوم في إيران، إلى أن أعلن وزير الحرب الأسبق موشيه يعلون أنه يجب جلب النظام الإيراني للاختيار بين القنبلة النووية أو بقائه، رغم أن إيران دولة ضخمة، لها نظرة عالمية، وتصور تاريخي لقوة إقليمية قديمة، ولها جذور شعبية عميقة.