كتاب عربي 21

معركة أردوغان ضد الربا والابتزاز

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
تواصل الليرة التركية تراجعها أمام الدولار الأمريكي منذ أيام، وسط تساؤلات حول مصير هذا التراجع وانعكاساته على الاقتصاد والأسواق وحياة المواطنين اليومية، والتدابير التي ستتخذها الحكومة لوقف الهبوط الحاد. كما أن هناك تطورات تثير علامات استفهام حول القراءة السوداوية لتراجع سعر العملة الوطنية وأثره على الاقتصاد التركي.

بورصة إسطنبول حقَّقت خلال الأيام الأخيرة أرقاما قياسية ليصل مؤشرها إلى نقاط غير مسبوقة، على الرغم من تراجع الليرة التركية. وقام البنك المركزي بخفض سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع، ليصبح 15 في المائة، ليؤدي ذلك إلى هبوط الليرة التركية أكثر. كما أعلن الخميس الماضي ارتفاع احتياطاته بمقدار مليارين و247 مليون دولار، مقارنة بالأسبوع الذي قبله، ليصل إلى 127 مليار 691 مليون دولار. ويتوقع خبراء أن يحقق الاقتصاد التركي في نهاية العام نموا يصل إلى 10 بالمائة أو قد يتجاوزها، كما أن تركيا تحطم أرقاما قياسية في حجم التصدير ليصل إلى مستويات تاريخية.

البنك المركزي كان بإمكانه أن يرفع سعر الفائدة أو يضخ إلى السوق قليلا من احتياطياته للجم ارتفاع سعر الدولار، ولكنه لم يفعل. كما أن الحكومة التركية لا تبدو مرتبكة بسبب تراجع الليرة التركية، ولم يوجِّه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان هذه المرة دعوة إلى المواطنين يطلب فيها تحويل أموالهم من الدولار إلى العملة الوطنية. ما الذي يحدث، إذن؟
البنك المركزي كان بإمكانه أن يرفع سعر الفائدة أو يضخ إلى السوق قليلا من احتياطياته للجم ارتفاع سعر الدولار، ولكنه لم يفعل. كما أن الحكومة التركية لا تبدو مرتبكة بسبب تراجع الليرة التركية، ولم يوجِّه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان هذه المرة دعوة إلى المواطنين يطلب فيها تحويل أموالهم من الدولار إلى العملة الوطنية

لست خبيرا في الاقتصاد كي أستطيع أن أشرح كل ما يحدث بتفاصيله، إلا أني منذ أيام أستمع إلى آراء الخبراء لفهم التطورات الأخيرة المتعلقة بالفائدة وسعر الدولار، وأحببت أن أنقل بعضها.

الهجوم على الليرة التركية والمطالبة برفع الفائدة ورقة يتم استخدامها بين الفينة والأخرى لابتزاز تركيا والضغط عليها، ولو كان البنك المركزي رفع الفائدة استجابة للمرابين أو ضخ نسبة من احتياطياته إلى السوق لارتفعت الليرة التركية أمام الدولار قليلا، إلا أن ذلك يشكل حلا مؤقتا لتبقى تركيا معرضة لذات الابتزاز والاستهداف، وتتجدد الأزمة في أي وقت في المستقبل. وبالتالي، قررت الحكومة أن تسد هذه الثغرة، وتسحب ورقة الابتزاز من أيدي هؤلاء لتحسم المعركة، وتطوي هذه الصفحة نهائيا.

الفرق بين حجم صادرات تركيا ووارداتها من أهم أسباب تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي. وتؤدي الصادرات إلى دخول العملات الأجنبية إلى البلاد، على رأسها الدولار الأمريكي، كما تؤدي الواردات إلى خروجها من البلاد، وإقبال رجال الأعمال وشركات الاستيراد عليها لتسديد ديونها. وتهدف تركيا حاليا إلى إنهاء العجز التجاري، ورفع حجم الصادرات والاستثمارات الأجنبية في البلاد لتتوفر كمية كبيرة من العملات الصعبة.
الهجوم على الليرة التركية والمطالبة برفع الفائدة ورقة يتم استخدامها بين الفينة والأخرى لابتزاز تركيا والضغط عليها، ولو كان البنك المركزي رفع الفائدة استجابة للمرابين أو ضخ نسبة من احتياطياته إلى السوق لارتفعت الليرة التركية أمام الدولار قليلا، إلا أن ذلك يشكل حلا مؤقتا لتبقى تركيا معرضة لذات الابتزاز والاستهداف

هبوط قيمة الليرة التركية الآن يمنح المنتجات التركية فرصة الفوز في المنافسة العالمية كما يمنح المستثمرين فرصا لا تعوض، إلا أن هدف تركيا هو أن تتجاوز صادراتها وارداتها، لتحقيق الفائض التجاري واستمرار هذه الحالة في السنوات القادمة، من خلال تطوير صناعاتها العسكرية وتصديرها، وتقليل الاعتماد على الخارج في الطاقة، سواء عبر التنقيب والحقول المكتشفة للنفط والغاز أو الطاقة النووية والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى مشاريع كبيرة، مثل إنتاج السيارة الوطنية.

رفع الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع الليرة التركية، إلا أنه في ذات الوقت يعني ذهاب الأموال إلى جيوب المرابين الكبار، لا المواطنين. كما أن الفائدة المرتفعة تدفع أصحاب الأموال إلى استثمار أموالهم في الربا، بدلا من مشاريع إنتاجية، وتثقل كاهل الشركات المنتجة المحتاجة إلى الاقتراض. وأما انخفاض الفائدة فيعني حصول الشركات المنتجة على قروض مريحة، الأمر الذي يشجع الإنتاج ويؤدي إلى توفير كمية كبيرة من فرص العمل، وتراجع معدلات البطالة، وانخفاض أسعار المنتجات وتكاليف إنتاجها.

هذه الخطة تهدف إلى حل المشكلة من جذورها، إلا أنها في ذات الوقت تحمل في طياتها مخاطر مختلفة، كارتفاع الأسعار والتضخم، وقد يتطلب الأمر تدخلات من الحكومة لتخفيف وطأة هذا الارتفاع وآثاره السلبية على المواطنين. ومن المؤكد أن ارتفاع الدولار يشكل ضغطا على الاستيراد، ويؤدي إلى تراجع الواردات، إلا أنه في ذات الوقت يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام ونصف المصنعة المستوردة التي تحتاج إليها الشركات المنتجة، ما يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج لبعض المنتجات.
لا ندري، هل ستنجح خطة أردوغان هذه أم ستفشل، إلا أن المؤكد أن رئيس الجمهورية التركي ليس بزعيم سياسي يفتقر إلى الخبرة والحنكة ليخوض مثل هذه المعركة قبل حوالي 18 شهرا من الانتخابات دون مراجعة حساباته بدقة

جائحة كورونا ضربت كافة دول العالم، وشهدت بعض الدول أزمة كبيرة في توفير السلع والمواد المختلفة بسبب المشاكل في إدارة سلسلة الإمداد. ونجحت تركيا في تجاوز تلك المرحلة، ولم تعانِ من أي خلل في نظام التوريد بسبب قوة بنيتها التحتية، بل وأثبتت أنها جاهزة لما بعد مرحلة الجائحة. ويستمر الإنتاج في البلاد على قدم وساق، كما يتم افتتاح عدد من المصانع كل شهر في أنحاء البلاد. وأما المشاكل التي تعاني منها البلاد حاليا بسبب خفض الفائدة وارتفاع سعر الدولار، فيصفها خبراء بــ"آلام يجب الصبر عليها في فترة العلاج للشفاء والتخلص من الأورام".

لا ندري، هل ستنجح خطة أردوغان هذه أم ستفشل، إلا أن المؤكد أن رئيس الجمهورية التركي ليس بزعيم سياسي يفتقر إلى الخبرة والحنكة ليخوض مثل هذه المعركة قبل حوالي 18 شهرا من الانتخابات دون مراجعة حساباته بدقة، ودون رؤية مؤشرات قوية تبشر بالانتصار.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (1)
احمد
الأربعاء، 24-11-2021 05:05 م
لقد خدع السيسي اردوغان و مع ذلك يحتضن سيد السيسي شيطان الخليج فهل يتوقف عن الثقة بثعابين بثت سمها في الانقلاب الفاشل و الحرب على تركيا بتدمير عملتها