قضايا وآراء

الإخوان المسلمون والفرصة الأخيرة

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
الجماعة تنفي خبثها.. عبارة طالما تم تداولها على مدار عقود منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين. في كل مرة يتساقط فيه البعض على طريق الدعوة - كما يصفهم الإخوان - يطمئنون قواعدهم قائلين إن الجماعة تنفي خبثها، فهل صحت تلك العبارة هذه المرة؟

سبع سنوات من التخبط في القرارات، والترهل في الحركة، وانقسام يتلوه انقسام، قرارات بالتجميد وتحييد لكثير من الكفاءات وتفرد بالسلطة، وادعاءات بانعقاد اجتماعات لم يكتمل نصابها واتخاذ قرارات لم يطلع عليها أحد، ورفض تام لكل مبادرات الإصلاح، وتجاهل لمبادرات من الشيخ القرضاوي ونواب البرلمان وتحالف دعم الشرعية والعلماء.

النتيجة كانت حتمية؛ غضب داخل الإخوان، وفقدان للثقة لدى أهالي المعتقلين، وغياب تام للتأثير لواحدة من أكبر وأعرق التنظيمات والحركات الإسلامية في التاريخ الحديث. شكاوى كثيرة وأصوات معارضة وقلق على مستقبل الجماعة، كل هذا لم يحرك ساكنا لدى من كان بيده الأمر حتى وصلنا الى هذه اللحظة؛ التي أفرزت قيادة جديدة منتخبة من قواعد جماعة الإخوان المسلمين التفت حول نائب المرشد العام والقائم بأعماله ابراهيم منير، والذي على ما يبدو قد فاض به ما فعله الآخرون طيلة الفترة الماضية فقرر الحركة وسط تأييد واسع من شباب الجماعة وقياداتها في أقطار مختلفة.
شكاوى كثيرة وأصوات معارضة وقلق على مستقبل الجماعة، كل هذا لم يحرك ساكنا لدى من كان بيده الأمر حتى وصلنا الى هذه اللحظة؛ التي أفرزت قيادة جديدة منتخبة من قواعد جماعة الإخوان المسلمين التفت حول نائب المرشد العام والقائم بأعماله ابراهيم منير

مع ذلك، وجبت الإشارة إلى وجود ستة أشخاص بقيادة محمود حسين، الأمين العام المفصول من جماعة الإخوان المسلمين بعد تحويله للتحقيق، تدور في فلكهم مجموعة من المؤيدين؛ يريدون البقاء في مناصبهم، يرفضون قرارات الجماعة، ويصدرون بيانات بفصل أعلى قيادة في جماعة الإخوان المسلمين، ويؤجلون تسليم مهامهم وملفات إدارة الجماعة، وتحديدا ما يتعلق بالتمويل وملف الإعلام الناطق باسم الجماعة، مثل موقع إخوان أونلاين وقناة وطن.

اللافت للنظر هو تلك البيانات المؤيدة لإبراهيم منير وللقيادة الجديدة المنتخبة، والتي صدرت خلال الأيام القليلة الماضية من قيادات تاريخية داخل الجماعة؛ تدعو لمبايعة إبراهيم منير والتمسك بشرعية الانتخابات وعدم الالتفات إلى الوراء. تلك البيانات كان لها أثر كبير في السيطرة على الأزمة وتحييد مجموعة الست المفصولين، وما زاد من قوة تلك البيانات وموقف إبراهيم منير والقيادة الجديدة المنتخبة هي حالة التأييد الواسعة التي عمت أوساط الشباب داخل الجماعة، ربما للمرة الأولى منذ سنوات.

لست من هواة الإفراط في التفاؤل، خاصة بعد التصريحات التي كشفها نائب المرشد ابراهيم منير في حواره معي في برنامج نافذة على مصر عبر شاشة الحوار، حين أشار إلى أنهم كانوا يخفون عنه رسائل محمود عزت قبل اعتقاله، وكانوا ينقلون له صورة مشوهة ومعلومات خاطئة بحق قيادات الإخوان الذين تم تجميدهم عامي 2015 و 2016، ولكن الرجل يبدو أنه ماض قدما في تصحيح الأمور داخل الجماعة والعمل على حلحلة بعض الملفات، وأبرزها ملفا المعتقلين ولمّ شمل الجماعة.

المعتقلون أولا، هذا هو التحدي الأكبر الآن أمام تلك القيادة الجديدة، فما الذي ستقدمه للمعتقلين وذويهم؟ ما هي الاستراتيجية؟ وما هي أولويات الحركة في المرحلة المقبلة؟ وهل تختلف تلك القيادة بالفعل عن سابقتها؟ كلها أسئلة تحتاج إلى إجابات سريعة من القيادة الجديدة، ولا أتحدث هنا عن المفردات العامة والشعارات الجوفاء، وإنما أتحدث عن مبادرات حقيقية وتواصل فعّال مع أهالي المعتقلين في الداخل ثم الخروج برؤية حقيقية ووسائل قابلة للتنفيذ للعمل على إخراج المعتقلين.
هي الفرصة الأخيرة إذا لجماعة الإخوان المسلمين، فإما أن تكون على قدر الآلام التي خلفتها القيادة السابقة وعلى قدر تطلعات الكثيرين وثقتهم في القيادة الجديدة، وإما أن تنتهي الجماعة إلى غير رجعة

النظام المصري لن يتفاوض أو يفتح باب الحوار أو التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين إذا ما استمرت في حالة الضعف تلك. التواصل لا يكون إلا بين الأقوياء، ولذلك كانت نقطة لمّ شمل الجماعة وإعادة الكفاءات التي تم طردها من الجماعة، وبناء جسور الثقة بين أفراد الجماعة وقيادتها وبين مؤسسات الجماعة ومن خارجها من كيانات وتيارات.. كل هذا سيصب في إعادة بناء جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى، ما يعيدها إلى جزء من مكانتها وتأثيرها، ويفتح مجالا لتواصل إقليمي ودولي، ومن ثم يأتي التواصل مع النظام من أجل المعتقلين أولا ثم حلحلة المشهد المصري ثانيا.

هي الفرصة الأخيرة إذا لجماعة الإخوان المسلمين، فإما أن تكون على قدر الآلام التي خلفتها القيادة السابقة وعلى قدر تطلعات الكثيرين وثقتهم في القيادة الجديدة، وإما أن تنتهي الجماعة إلى غير رجعة.

الوقت ليس في صالح القيادة الجديدة، ويجب أن تخرج للناس بمشاريع حقيقية ورؤى واضحة تمسح بها آثار الدمار في الأعوام السبع العجاف الأخيرة.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (0)