قضايا وآراء

قطر والقفز بالزانة..

محمود النجار
1300x600
1300x600
لم تزل قطر - وهي تمارس الدبلوماسية الناعمة الهادئة الواثقة - تقفز بالزانة حدّ تحطيمها أرقاماً قياسية عجزت عنها دول كبرى..!!

لقد عرفتْ قطر جيدا من أين تؤكل الكتف، منذ عهد الشيخ حمد آل ثاني حتى يومنا هذا؛ فقد استطاعت قطر أن تضع نفسها مع الكبار اقتصاديا وسياسيا وحضاريا، وواجهت الأزمات التي تعرضت لها إبان الحصار الرباعي بكثير من الوعي والحكمة والصبر، وخرجت منتصرة، من دون أن تخضع لأي شرط من شروط الدول المحاصِرة؛ بل باتت محجّا يُطلب ودُّه ويُرجى عفوُه من الدول التي حاصرتها..

لقد راهنت عصابة الحصار على ترامب، وراهنت قطر على قوة موقفها وصلابتها وصبرها وتحديها لمآلات الحالة التي فرضت عليها، ولم تتعامل بردود الفعل التي يتعامل بها الصغار، بل رسمت لنفسها استراتيجية محكمة طويلة الأمد، ورفعت سقف التوقعات السلبية، ووضعت خططها وآلياتها لمواجهة حصار طويل، وعرفت كيف تجد لها نصيرا قويا تتكئ على قوته المادية إذا لزم الأمر، ألا وهو تركيا التي أثبتت أنها قوة لا يستهان بها في المنطقة، وأنها قادرة على صنع الفارق في كل مكان توجد فيه، فقد تحالفت عسكريا مع تركيا، وتعاونت مع اقتصادها لحماية مواطنيها وتوفير متطلباتهم الحياتية وحاجاتهم الغذائية التي تمتعوا بها قبل الحصار. ولم تتوانَ عن إقامة بعض المصانع المنتجة لبدائل الإنتاج السعودي والإماراتي وخصوصا في المواد الغذائية، مما تسبب في حرمان شركات الدولتين من فوائد التصدير لقطر أثناء الحصار وبعد انهياره..!

لم تستخدم قطر التقنيات الحديثة كـ"بيغاسوس" للتجسس على الآخرين، ولم تفكر في الحلول الملتوية أو الرشاوى الدبلوماسية، ولم تقدم رأسها لأحد، ولم تدفع لترامب كما فعلت السعودية (نصف تريليون دولار)، وظلت - رغم صغر حجمها وعدد سكانها - دولةً ذات سيادة وحضور يتسم بالرزان والوزن الاعتباري، بعيدا عن المغامرات غير المحسوبة. وظلت ممسكة بقرارها المستقل في ظل حيوية دبلوماسية ناعمة وفاعلة، على الرغم من الكم الهائل من محاولات التشويه والإساءة التي دُفعت لقاءها ملايين الدولارات التي ذهبت أدراج الرياح؛ أمام سطوة الحقيقة وقوة الموقف الذي ظلت قطر تلعبه بحنكة سياسية عالية..

من عاش مع قطر أزمة الحصار، وراقب الأداء القطري بشكل عام؛ لا يمكن له إلا أن يقول بأنه كان يشاهد أداء واثقا، ولولا هذا الأداء الوازن لظهرت قطر في أسوأ مشهد يمكن تخيله.

وليس من نافلة القول الحديث عن دور قطر في الملف الأفغاني ابتداء من 2013، حين افتتحت مكتبا لحركة طالبان في الدوحة، ثم هيأت الظروف لاجتماعات مباشرة بين الولايات المتحدة وطالبان، وانتهاء بالدور المحوري الذي لعبته في إجلاء الأمريكيين والأوروبيين من أفغانستان إلى الدوحة، من خلال جسر جوي لم يزل يعمل منذ خروج قوات التحالف الغربي في أغسطس/ آب الماضي حتى اليوم، مما جعل الولايات المتحدة وحلفاءها مدينين لقطر بمواقفها السياسية واللوجستية التي قامت بها بدون ضجيج ولا صخب ولا تفاخر ولا عنتريات، وأتخيل لو أن إحدى الدول العربية قامت بذات الدور لرأيت أبواقها الإعلامية تطلق الصواريخ الإخبارية في كل اتجاه.

هذا ناهيك عن قيامها بإدارة مطار كابول الدولي بمشاركة تركيا، فهي تعمل على الأرض في المطار وخارجه وترافق قواتها الأفواج المتوجهة للمطار لتأمين سلامتها، فقد حظيت بثقة طالبان، كما حظيت بثقة الولايات المتحدة وحلفائها.

وبعيدا عن السياسة، فليس أمرا عاديا أن تحظى قطر باحتضان دورة كأس العالم لكرة القدم، لتكون أول دولة عربية تحظى بهذا العرس الرياضي الكبير، وهو ما أثار الغيرة والحسد من هذا النجاح منقطع النظير للدبلوماسية القطرية التي استطاعت أن تحقق مجدا وطنيا رياضيا غير مسبوق، لتكتسب عنوانا جديدا من عناوين الرفعة والتفوق على ما اكتسبته من عناوين كثيرة سنمر عليها سريعا:

- تُعدّ قطر أكبر منتج للغاز في العالم، وذلك مما يحسب لهذه الدولة الصغيرة حجما، الكبيرة بإنتاجها الضخم وشبكة التصدير متعددة الاتجاهات، بما يشكل سابقة اقتصادية مذهلة.

- تتجه دولة قطر نحو ديمقراطية ناشئة، في تجربة هي الثانية في الخليج العربي بعد الكويت، وهو ما يؤشر على وعي الأمير الشاب صاحب الابتسامة التي لا تفارق محياه في أصعب الظروف وأحلكها..

- تحتضن قطر أقوى محطة فضائية إخبارية عربية، وإحدى أهم المحطات العالمية، وهي فضائية الجزيرة بكل أقسامها المعروفة، هذه المحطة التي أحدثت زلزالا إعلاميا في المنطقة العربية والعالم..

- يتمتع المواطن القطري بأعلى متوسط دخل في العالم، وهذا في حد ذاته كافٍ لنفهم كيف توزع الثروات في البلاد التي تحترم نفسها، لا الدول التي تمص عرق أبنائها وتجوعهم وتقضي على آمالهم في حياة مستقرة وآمنة..!!

- على صعيد جودة التعليم تعد قطر الأولى عربيا والرابعة عالميا، وأرى أن ذلك من أعظم ما تقدمه دولة قطر من دروس لغيرها من الدول العربية التي أصبح التعليم فيها كارثيا..!!

- في مواجهة جائحة كورونا سجلت قطر أدنى معدلات وفاة حول العالم، حيث بلغت نسبة الوفيات إلى عدد المصابين 0.025 في المائة، وهي نسبة مدهشة إذا ما قورنت بأكثر الدول تقدما في جانب الرعاية الصحية.

- تستثمر دولة قطر في العديد من دول العالم في مشروعات مدروسة وناجحة؛ بما يحقق لها أرباحا عالية، ترفد بها اقتصادها القائم على تصدير الغاز، فهي تفكر حاليا خارج صندوق الغاز، لتؤمن للأجيال القادمة ما استطاعت أن تقدمه لهذا الجيل..

- تقوم قطر بأعمال خيرية في كل اتجاه، وتقدم مساعدات لقطاع غزة بلا منّ ولا أذى، بل عن قناعة وإخلاص لقضية العرب الأولى ولشعب يعاني من حصار ظالم.

هذا غيض من فيض، والعبرة ليست بحجم البلد ولا بعدد سكانه، بل بفعله الحضاري والإنساني والخُلقي الذي تتمتع به دولة قطر؛ فهي تلعب اليوم دورا محوريا على خريطة السياسة العالمية، وتحظى باحترام دول العالم وتقديرها لما تقوم به من أعمال؛ على مستوى الأداء السياسي والدبلوماسي والإنساني أينما اتجهت الأبصار.
التعليقات (2)
زهيه خميس النجار
الأحد، 17-10-2021 04:03 م
صح لسانك د محمود و بارك الله في الملك تميم الذي سار على نهج ابيه في التقدم وبناء دولته ومساعدة الدول العربية وخاصة الشعب الفلسطيني وتخطي كل العقبات
بسام المعلواني
الأحد، 17-10-2021 10:02 ص
تحليل منطقي ورائع جداً لدولة قطر وأنا احب سياساتها الخارجية وخاصة ماتقدمه لفلسطين وشعبها ويكفيها فخراً أنها ملاذاً للمعارضين في أغلب الوطن العربي