كتاب عربي 21

عن هزيمة أمريكا في أفغانستان والدروس البائسة

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

كان طبيعيا أن يتحدث كل طرف توقف عند هزيمة أمريكا وانتصار "طالبان"؛ عن دروس يمكن أخذها مما جرى، وتراوحت تلك الدروس بين منطقي وبين بائس وسطحي؛ بحسب المربع الذي يقف فيه صاحبها من الحدث؛ إن كان كارها لهزيمة أمريكا أم محتفلا بها.


لعل أهم ما يستحق التوقف في هذا السياق هو الملف الفلسطيني، لأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمّة، ولأنها ترتبط بصلة وثيقة بالقضية الأفغانية من حيث السياق السياسي العام.


ففي فلسطين احتلال، وفي أفغانستان كذلك، وفي فلسطين (جزء منها) سلطة تابعة للاحتلال، وفي أفغانستان كذلك، وإن لم يحدث في الثانية تشريد للشعب، أو جزء كبير منه، كما في الحالة الفلسطينية.


ومعروف أن خلاصة تجارب الاحتلال هي ذاتها في كل مراحل التاريخ، إذ لا يرحل الغزاة إلا بعد أن يغدو بقاؤهم أكثر كلفة من قدرتهم على الاحتمال، أو أكثر من الفوائد التي يجلبها لهم.

 

ولا شك أن القدرة على الاحتمال تعتمد بدورها على وضع القوة الغازية أو المحتلة من حيث القوة والضعف، والشباب والشيخوخة، وقوة مقاومتها أيضا. ولولا أن أمريكا اليوم في حالة تراجع، ومن ضمن ذلك العجز عن احتمال الخسائر البشرية والمالية، لكان بوسعها البقاء لسنوات طويلة أخرى.


في السياق الفلسطيني، وفيما هنّأت حركتا "حماس" و"الجهاد" الشعب الأفغاني بالانتصار على الغزاة، واعتبرتا أن مآل المقاومة هو الانتصار؛ خرج الناطق باسم عباس (نبيل أبو ردينة) بتعليق من نوع آخر.


في البداية اعتبر الرجل؛ وهو يعبّر عن رئيسه بالطبع، أن الدرس الذي على "إسرائيل" أن تأخذه مما جرى هو أن "الحماية الخارجية لأية دولة لن تجلب لها السلام والأمن".

الدرس الذي كان على السلطة أن تأخذه هو ما يعرفه الجميع ممثلا في أن الغزاة لا يرحلون من دون أن يغدو احتلالهم مكلّفا، ولو كان حال "طالبان" مع الاحتلال، مثل حال قيادة رام الله، لما رحل أبدا؛ هو الذي يتمتع بأرخص احتلال في التاريخ، ودعك هنا من البعد العقائدي للكيان، خلافا للأمريكان الذين لم يحتلوا أفغانستان لأسباب عقائدية، ولم يجلبوا أحدا للعيش فيها.

تابع قائلا: "الدرس الذي يجب أن تستوعبه إسرائيل أن الأوضاع لم تعد تحتمل، وأن استمرارها بعمليات القتل والاستيطان، سيؤدي إلى الانفجار الشامل الذي لا يمكن التكهن بعواقبه على المنطقة بأسرها" (هل هناك ممثل شعب خاضع للاحتلال يهدد عدوه بالانفجار؟!).


ثم بشّر بأن "الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية لن يدوم وسيزول"، وأن "التاريخ أثبت على الدوام أن إرادة الشعوب هي التي تنتصر".


تعليق يثير السخرية في واقع الحال، فقد كان أولى بقيادة السلطة أن تأخذ هي الدرس مما جرى، وتترك للاحتلال أن يأخذ الدرس الذي يراه، لا سيما أنه يقرأ الأحداث ويحلّلها، ويعرف ما عليه أن يستنتجه منها، وقد تحدث كثير من كتابه وسياسييه عن قضية الحماية الخارجية، وعن ضعف أمريكا، وتداعياته على "الكيان"، فيما ذهب آخرون إلى أن الدرس هو ضرورة البقاء في الضفة الغربية"، وعدم تركها كي لا تسقط بأيدي "حماس" ومؤيدي المقاومة.


الدرس الذي كان على السلطة أن تأخذه هو ما يعرفه الجميع ممثلا في أن الغزاة لا يرحلون من دون أن يغدو احتلالهم مكلّفا، ولو كان حال "طالبان" مع الاحتلال، مثل حال قيادة رام الله، لما رحل أبدا؛ هو الذي يتمتع بأرخص احتلال في التاريخ، ودعك هنا من البعد العقائدي للكيان، خلافا للأمريكان الذين لم يحتلوا أفغانستان لأسباب عقائدية، ولم يجلبوا أحدا للعيش فيها.


الطرف الآخر الذي يمكن أن نتحدث عنه هنا، وكان له صوته الواضح، بخاصة في مواقع التواصل، هو ذلك الذي اعتبر أن الدرس مما جرى يتمثّل في أن السلاح وحده هو الخيار الذي يجب أن تتبناه الحركات الإسلامية في كل حالاتها، وأنه وحده الناجع، ولا شيء سواه، وتبنى هذا الرأي كثيرون، بجانب بعض القوى "الجهادية"، ورأينا كثيرين من هؤلاء يمعنون في السخرية من مقولة عابرة صارت شهيرة جدا هي "سلميتنا أقوى من الرصاص"، والتي صدرت عن مرشد إخوان مصر، محمد بديع بعد الانقلاب.

في مواجهات الغزاة أو المحتلين، تحتاج المقاومة إلى حاضنة شعبية وجغرافيا مناسبة ومدد خارجي، وبعض التعاطف الدولي، وهذا ما توفر في الحالة الأفغانية الراهنة، كما توفر في المواجهة السابقة مع الاتحاد السوفييتي، بينما يعيش الشعب الفلسطيني وسط حصار خانق من محيطه العربي.

وراح البعض يطالب إسلاميي تونس بحمل السلاح، بل يطالب آخرين أيضا، ومنهم من قارن تجربة الشعب الأفغاني بتجربة الشعب الفلسطيني، مهاجما الفصائل الفلسطينية؛ صراحة أو ضمنا، بدعوى أنها لو كانت ببسالة وعقائدية "طالبان" لانتصرت منذ زمن.


في التعليق على هذا الخطاب نقول إنه يعكس جهلا بأبجديات السياسة والحروب، وبتجارب الشعوب على صعيد مواجهة الاحتلال والظلم والطغيان أيضا، بل يعكس جهلا بتجارب حديثة وماثلة للعيان أيضا، فليس كل من حمل السلاح انتصر، وليس كل من اختار الثورة السلمية هُزم.


في إيران انتصرت الثورة السلمية، وكذا في "ربيع العرب" (من تونس إلى مصر واليمن وليبيا)، قبل الانقلاب الذي وقع بسبب موازين القوى الداخلية والخارجية.

 

وفي سوريا لم ينتصر السلاح، بل زاد المعاناة والدمار، وتجربة تنظيم الدولة ماثلة أمام العيان، وقبلها الجزائر ومصر (الثمانينيات)، وسوريا مطلع الثمانينيات أيضا.


معادلة النصر والهزيمة تحكمها موازين القوى بمفهومها الشمولي في جانبي الصراع، وليس البعد العسكري وحده، وما لم يكن هناك تقدير دقيق جدا للموقف، وبناء خيار صائب تبعا له، فإن الفشل سيكون متوقعا؛ أكان المسار سلميا أم عسكريا.


في مواجهات الغزاة أو المحتلين، تحتاج المقاومة إلى حاضنة شعبية وجغرافيا مناسبة ومدد خارجي، وبعض التعاطف الدولي، وهذا ما توفر في الحالة الأفغانية الراهنة، كما توفر في المواجهة السابقة مع الاتحاد السوفييتي، بينما يعيش الشعب الفلسطيني وسط حصار خانق من محيطه العربي.

 

وحين توفّر لمقاومته بعض الدعم، كما في قطاع غزة، تمكّن من الصمود، مع أن الوضع الإقليمي والدولي يصب في صالح الاحتلال، ولا تسأل هنا عن معضلة وجود فصيل فلسطيني كبير، وقيادة معترف بها من الخارج؛ اختارت التعاون مع الاحتلال بدل مقاومته.


كذلك الحال في سياقات أخرى مثل مصر أو تونس التي يُسخَر من قصة السلمية فيها، مع أن حمل السلاح هناك، كان سيفضي إلى كارثة أكبر بكثير، لأن الظروف الموضوعية للانتصار ليست متوفرة أبدا، لا داخليا ولا خارجيا.


السياسة مركبّة ومعقّدة، وتسطيحها لا يفضي إلى نتيجة صائبة في أغلب الأحيان، ومن ضمن ذلك قراءة الفروق، بل أدق الفروق بين تجارب الدول والشعوب وحركات المقاومة والتغيير.


لا يعني ذلك اليأس من إمكانية التغيير أو الانتصار، فالظروف الموضوعية الداخلية والخارجية، ليست ثابتة، بل تتغيّر بين زمن وآخر، و"المدافعة" هي سنّة الله الباقية في الأرض.

2
التعليقات (2)
يحي ملوك
السبت، 28-08-2021 05:50 م
ام إسرائيل لقيت حذفها في ميزان اعمار الانسان وبنتها ستلحقها بمقياس الزمن .وهناك ملاحظة جديدة بالاهتمام وهي ان شعورنا العربية والإسلامية ستتحرر هذا امر يقيني لماذا لان موزونه الثقافي والشرعي عندها فيه فاءض مقدر ،بينما الذي تملك منه القليل هو ان تعيش وفق ضوابط الشرع لكنه لايفي بالغرض او المطلوب ،خذ مثلا التفكير الاستراتيجي الذي عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ونجح فيه وهو يشكل القيم الكبير في السيرة ،لكن علمائنا يركزون على الهوامش فبقوا على الهامش....
السفسطة
السبت، 28-08-2021 01:35 م
"قصة السلمية " ليس عكسها فقط رفع رفع السلاح ، قوله عزوجل "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" هناك سبل عديدة غير السلمية، هناك مرضى من نساء و رجال في السجون يموتون كل يوم مرة! كل الشعب المصري تقريبا في فقر مذقع ، بيعت أراضيه..ووو أليست هذه كارثة كبرى.

خبر عاجل