كتب

الطّالبان حركة قومية بشتونية أم سلفية سنيّة؟ كتاب يوضّح

كتاب يشرح تاريخ نشأة طالبان في أفغانستان وعلاقاتها الدولية وأهم توجهاتها الدينية والسياسية- (عربي21)
كتاب يشرح تاريخ نشأة طالبان في أفغانستان وعلاقاتها الدولية وأهم توجهاتها الدينية والسياسية- (عربي21)

عنوان الكتاب: الطالبان
المؤلف: الأستاذ فريد خدومة
الناشر: عليسة للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى: 2016
عدد الصفحات: 48



عودة الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية بأفغانستان، المعروفة اختصارا باسم حركة "طالبان"، إلى اعتلاء سدّة الحكم أواسط شهر آب (أغسطس) الحالي، بعد عشرين سنة من المقاومة المسلّحة للمحتل الأمريكي والدول المتحالفة معه، بل وسيطرتها السريعة على معظم المدن الأفغانية التي تهاوت كأحجار الدومينو، رغم ما لحقها من عمليات إبادة متواصلة استهدفت بنيتها الاجتماعية والمالية والتنظيميّة، يجعل من الأهمية بمكان الحفر في خلفيات الحركة العقائدية والثقافية التي حفظت كيانها السياسي والعسكري وأذهبت محاولات تفتيتها ومحاصرة نفوذها المجتمعي الواسع سدى. 

فما هي أهداف حركة طالبان وإلى أيّة مدرسة إسلاميّة تنتمي؟ وهل ما قامت به إبّان تجربة الحكم الأولى بين 1996 و2001 يحسب على المشروع السياسي السني الحركي الإسلامي، أم على العادات والتقاليد البشتونية المسمّاة "البشتونوالي"، بما يعنيه من خليط العادات والتقاليد البشتونية والفهم الديوبندي للدين الإسلامي؟

كما يمتدّ شغف السؤال ليشمل عمّن يقف وراء حركة طالبان ولمصلحة من تعمل؟ ولماذا تخلّى عنها الجميع بما فيهم الباكستانيون أنفسهم عندما دخلت في مواجهة ضدّ التحالف المكوّن من خمسين دولة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الشهيرة؟ ولماذا سارعت هذه المرّة معظم دول الجوار الأفغاني إلى التعبير عن استعدادها للتعامل مع سلطة طالبان الجديدة رغم إرث النزاع الطّويل معها؟ 

إذا كان من السابق لأوانه التكهّن بمدى قدرة السلطة الجديدة في أفغانستان على إدارة بلد مثخن بجراح حروبه التي لم تتوقف منذ دحر المحتل السوفييتي نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبمدى قدرتها على تحييد جيرانها من الدول العظمى على التدخل في قمقمها الداخلي فإنّ الكتاب الذي بين أيدينا والذي يحمل عنوان "الطّالبان" لمؤلفه فريد خدومة، كاتب تونسي عضو اتحاد الكتاب التونسيين وصحفي بجريدة "الرأي العام" التونسية اجتهد في تلمّس مقاربات موضوعيّة لجملة المشاغل المتعلّقة بعوامل ظهور طالبان الداخلية والخارجيّة مند أواسط تسعينيات القرن الماضي ولمشروع طالبان السياسي.

وللكاتب فريد خدّومة أكثر من 20 مؤلفا ما بين الرواية والشعر والدراسة من بينها رواية "ترشيش الأعرج" وكتاب "الشخصية التونسية بين التاريخ والسياسة" وأربع مجاميع شعرية وآخر ما نشر رواية "طعم الكافيار". 

وكتاب "الطّالبان" الذي بين أيدينا هو جزء من مساهمة الكاتب في السلسلة البحثية المعروفة بالمعارف المبسطة، صادرة عن دار عليسة للنشر والتوزيع. فإضافة إلى "الطالبان" نشر لفريد خدّومة سبعة عناوين وهي على التوالي "الإسلام" و"العقل الإسلامي" و"الجماعة الإسلاميّة بتونس" و"القرآن" و"تاريخ القرآن" و"داعش" و"القاعدة"، فضلا عن "المستصحب في علوم الحديث" (تحت الطبع).

طالبان وغموض النشأة

يؤكد الكاتب فريد خدّومة ارتباط سمة الغموض بحركة طالبان فيما يتعلق بالتأسيس والقيادة والتاريخ والدّوافع، بل وفي الفكرة والمضمون. فهي حركة لا يعلم لها مشروع فكري أو فلسفي واضح المعالم، قد خطّته في كتاب أو ضمنته رسالة أو مشت به بين النّاس. 

ففي حين يصرّ الملاّ محمّد عمر في تصريحات يتيمة له ضمّنتها الحركة إحدى منشوراتها العزيزة جدّا والمعنونة بـ"الميزان لحركة طالبان" والتي أعدّها مركز الدّراسات والبحوث الإسلاميّة النّور للإعلام الإسلامي، على كونه المؤسس الفعلي لطالبان من خلال قيادته لعدد من الطلبة قد لا يتجاوز الأربعة عشر طالبا، ممن استاؤوا مثله من تصرفات بعض الفصائل الجهاديّة التي امتهنت قطع الطريق وأخذ الرشاوى بعد خروج السوفييت من أفغانستان، ثم تطورت التجربة أو الاحتجاج الذي انطلق سلميا ثمّ مسلّحا وتوسّعت إلى درجة أن شكّلت جيشا ففتحت به "كابل" لتحكم البلاد منها. 

وقدّمت رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة "بيناظير بوتو"، في تصريح للـ "بي بي سي" في تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1996، رواية مغايرة لما قدّمه الملاّ "محمّد عمر"، تؤكّد فيه أنّ باكستان جهة راعية فقط لطالبان، وأنّ الحركة هي مشروع أمريكي أنجليزي بتمويل سعودي إماراتي.

 

يؤكد الكاتب فريد خدّومة ارتباط سمة الغموض بحركة طالبان فيما يتعلق بالتأسيس والقيادة والتاريخ والدّوافع، بل وفي الفكرة والمضمون. فهي حركة لا يعلم لها مشروع فكري أو فلسفي واضح المعالم، قد خطّته في كتاب أو ضمنته رسالة أو مشت به بين النّاس.

 



بين رواية الملاّ "محمّد عمر" ورواية "بيناظير بوتو"، هناك روايات أخرى قد تذهب بنا يمينا وشمالا في الغموض والتيه، فقد قدّم غيرهما رواية أخرى للأحداث تصبّ في كون النّشأة والتّأسيس قد حالفهما تقاطع مصالح بين المؤسسين الفعليين الملاّ "محمّد عمر" ومن معه، وأكثر من جهاز استخباراتي دولي على رأسها الباكستاني والأمريكي والانجليزي. ويشير فريد خدّومة في هذا الإطار إلى ما أورده الصحفي "دونالد لامبرو" في صحيفة واشنطن تايمز الصادرة بتاريخ الحادي والعشرين من شهر تموز (يوليو) سنة 2002 حيث كتب يقول "إنّ كلّ يوم يكشف لنا أحد الأمريكان عن جزء من الوجه القبيح للإدارة الأمريكية فالإدارة الأمريكية لا تعرف إلاّ النّفعيّة والمصلحة العليا فقط حتى على حساب الآخرين فهي مستعدّة للتحالف مع الشيطان"..

الملاّ "محمّد عمر" ابن المدرسة الديوبانديّة

لا تعرف لأمير حركة "طالبان" الملاّ "محمّد عمر" (1960 ـ 2013) إلاّ صورة واحدة يتيمة وفي الغالب أو على الأرجح ليست له، وقد أصبح "أميرا للمؤمنين" بين عشيّة وضحاها بعد أن تمكّن من تحويل الطلبة اللاجئين الأفغان في باكستان إلى مقاتلين أشاوس استطاعوا في ظرف وجيز تحقيق ما عجز عن تحقيقه الكثير من القادة الأفغان الذين لهم تاريخ عريض في القتال ضدّ السوفييت. وكان محيّرا للمتابعين للشأن الأفغاني قدرة الملاّ محمّد عمر على ترويض بعض القادة الشيوعيين السابقين ومقاتليهم كي يكونوا تحت إمرته بالتوازي مع قدرته على ترويض السلفية الوهابية السعوديّة كي تكون الدّاعم الأساس المالي له بالرغم من كونه ليس من دعاة السلفيّة الوهابيّة ولا من معتنقيها (عكس ما يروّجه الإعلام)، فهو  ابن المدرسة الديوبانديّة الشهيرة التي يمتزج فيها المذهب الحنفي بعلم الحديث النبوي فيما يشبه المزج بين المذهب الحنفي مذهب الرّأي ومدرسة الحديث أي الحنبلية مدرسة النّص. وكذلك يسجّل للمدرسة حضور العقائد السلفية التقليدية من مثل معاداة الشيعة إلى درجة تكفيرهم جملة واحدة. وتحريم زيارة القبور والتوسّل وما إلى ذلك من المعتقدات المعلومة على المدرسة، مع حضور صوفي خرافي أقرب إلى الطّرقيّة والشعوذة منه إلى الزّهد وصفاء الرّوح.

العلاقة مع منظّمة الأمن في الجيش الباكستاني

يشير الكاتب فريد خدّومة إلى مسؤوليّة الجنرال أختر عبد الرّحمان أحد أبرز المسؤولين في جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية في نشأة حركة طالبان الأفغانيّة، فوفق الدكتور محمّد سرافراز، مؤلف كتاب "حركة طالبان من النشوء إلى السقوط" فإنّ أختر عبد الرحمان هو المسؤول عن الجماعات الجهادية الأفغانية وهو الذي أقنع الأمريكان بضرورة تزويد المجاهدين الأفغان بصواريخ ستينغر المتطورة لمواجهة الهجمة الجوية السوفياتية.

في ذات الإطار يشير الكاتب فريد خدومة إلى أن أغلب قادة الاستخبارات العسكرية الباكستانية (S.A.S)  التي ينتمي أغلب قادتها إلى البشتون، والتي كانت تدعم بعض الفصائل الأفغانية وآخرها الحزب الإسلامي بقيادة المهندس "قلب الدين حكمتيار" (من أوائل الشباب الأفغان الذين تصدّوا للحكم الشيوعي في أفغانستان والاحتلال السوفياتي ويعتبر مشروعه قريبا من النهج الإخواني) مقابل بقية الفصائل خاصّة من غير البشتون كالدكتور "برهان الدين ربّاني" الطاجيكي زعيم الجمعيّة الإسلاميّة، وقائده العسكري القوي أحمد شاه مسعود (أغتيل يوم 9 سبتمبر / أيلول 2001 على أيدي صحفيين مزعومين).

ويعتقد الكاتب بأنّ منظمة الأمن في الجيش الباكستاني أو جهاز الاستخبارات العسكرية هو عرّاب جميع التوافقات الخارجيّة التي مهّدت لميلاد حركة طالبان، وذلك لاقتناعه بعد دعمه اللامتناهي لـ"حكمتيار" زعيم الحزب الإسلامي، وفشل هذا الأخير في أن يسقط حكومة المجاهدين منفردا، وكذلك استعجال الأطراف الدّولية المعنية بالصراع الأفغاني في الوصول إلى استقرار الواقع الأفغاني من أجل الانطلاق في إنشاء خط الترانزيت الذي سيتم من خلاله نقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى المياه الدافئة، كي لا تلجأ تلك الدّول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إلى الخيار الأصعب أو المستحيل، وهو إنشاء ذلك الطريق مرورا بالأراضي الإيرانية.

أيضا هناك قراءة تقول إن جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية لم ينشئ حركة طالبان بادئ ذي بدئ، إنّما تلقف التجربة العفوية التي قادها الملاّ محمد عمر وسعى في تطويرها واحتضانها وكانت المدارس الدينية بالأساس الحاضنة المهمة والأساسية للتجربة الوليدة. إذن فقد سعى الجهاز في التسويق للتجربة الجديدة من أجل ملء الفراغ الذي سيشكله رفع الدعم المادي والعسكري عن الحزب الإسلامي بزعامة المهندس "قلب الدين حكمتيار"، وكذلك ـ وهذا المهم ـ إقناع الغرب والخليج بضرورة دعم هذه التجربة الوليدة والتي لن تكون بحجم طموح ونضج الحزب الإسلامي الأفغاني، أي إنها ستكون هذه المرة تحت إشارة بنان المخابرات الباكستانية ومن ورائها اللاعب الدولي، فلا مكان للشيعة في التجربة وهذا يرضي الخليج، ولا مكان لبقية الفصائل الإسلامية ذات الخط الإخواني والقريبة منها وهذا يرضي الغرب، وستتعهد التجربة الجديدة بتوفير الأمن ونزع السلاح، وهذا ما يفتح الباب لإمكانية الشروع في وقت وجيز في إنجاز خط الترانزيت...

العلاقة المعقدة بين طالبان وتنظيم "القاعدة"

يؤكّد فريد خدّومة ضرورة تفكيك العلاقة المعقدة بين طالبان وتنظيم القاعدة والبحث في خباياها الخاصّة التي ربطت أسامة بن لادن بالملاّ محمد عمر، حتى أن الأخير قام في خطوة جريئة جدا برفض تسليم بن لادن للأمريكان وقد كلّفه ذلك عرشه، بالرغم من أنّ أسامة بن لادن يعتبر قد خالف التوصيات الصارمة التي صدرت له من طرف حركة طالبان بعدم القيام بأي أنشطة إعلامية أو عسكرية من داخل أفغانستان، وما كان له إلا أن ينصاع لتلك الطلبات أو الأوامر خاصّة أنه قد بايع الملاّ محمّد عمر على الإمارة في مؤتمر ضخم لعلماء المدرسة الديوبنديّة في شبه القارة الهندية في ذكرى مرور 150 عاما على ظهور المدرسة الديوبندية.

من الصّراع إلى الصّراع

يرى خدومة أنه لا يمكن قراءة الواقع السياسي والاجتماعي في أفغانستان، بعد خروج السوفييت مهزومين في 15 أيار (مايو) 1988 وتهاوي حكومة "نجيب الله" بعد ذلك في 16 نيسان (أبريل) 1988، رغم الإسناد السوفييتي القوي والمتواصل، دون الرجوع إلى أصل الخلاف الذي كان قبل ذلك الحاضر الدّائم في الصراع الأفغاني، مما انعكس على تحالفات تبنى اليوم بين فصيلين فأكثر ليصبحا بعد غد كلّ في جبهة، وبالتأكيد معادية للأخرى، مما فتح الباب للبحث الدائم عن الداعم الخارجي والمتبني الدّولي مهما كان لونه ودينه ومذهبه، ومهما كانت غايته من دعم الجهاد الأفغاني، فمن أمريكي إلى ألماني ومن سعودي إلى إماراتي ومن إيراني إلى فرنسي، وطبعا الكلّ يخطب ودّ الأخ الأكبر، منظّمة الأمن في الجيش الباكستاني (SAS)، وهي التي لا تخفي طموحها في محاولة الاستئثار بأفغانستان لوحدها إلى درجة أن "بيناظير بوتو" اقترحت نوعا من الوحدة السياسية بين باكستان وأفغانستان وإيران، بحسب ما ورد بموقع "المقاتل".

أعقبت مسارعة "أحمد شاه مسعود" إلى دخول العاصمة كابل بعد سقوط حكومة "نجيب الله" الشيوعية إشعال نار الفتنة والصراع القومي بين مسعود، ممثل الطاجيك، وبين البشتون وزعيمهم الكبير المهندس حكمتيار والذي ذكاه كذلك رفض الدكتور "برهان الدين رباني"، الزعيم الجهادي الطاجيكي الكبير، التنازل عن الرئاسة والتمسك بوزير دفاعه أحمد شاه مسعود، في خرق صريح للاتفاقية التي عقدت في بيشاور في 24 نيسان 1992 بين مختلف الفصائل الجهادية التي تقيم هناك، والتي تقضي بتولي "صبغة الله مجددي" البشتوني رئاسة الحكومة لشهرين ثم يتولى بعده ربّاني الطاجيكي الحكومة لأربعة أشهر، ثم ينعقد مجلس الحل والعقد (اللويا جرغا) ليشكل بدوره حكومة تتولى زمام إدارة البلاد لـ 18 شهرا تنتهي مهامها بالدعوة لانتخابات تشريعية في عموم البلاد، ما فتح الباب على مصراعيه لحرب عرقية قومية وقودها حضور العامل الديني بالتأكيد المكون الأساس للجهاد الأفغاني.

الأخ الأكبر

انطلق دعم الجهاد الأفغاني من أيام حكم الجنرال "ضياء الحق"، رئيس باكستان المقرب من الجماعة الإسلامية الباكستانية الذي أغتيل في تفجير طائرته في 17 أغسطس 1988. وكان الجنرال لا يخفي دعمه للمجاهدين الأفغان، خاصّة وأنه يعتبر نفسه حاملا للمشروع الإسلامي الأممي، وعليه كان يرى ضرورة إسقاط الاتحاد السوفييتي الذي كان يعادي الدين الإسلامي من حيث كونه دينا، وكذلك كان ما سلطه على الجمهوريات الإسلامية التي احتلها بقوة الحديد والنار وضمّها للاتحاد السوفييتي وما قام به من تهجير للشعب الشيشاني عن بكرة أبيه إلى صحراء سيبيريا. فالباكستانيون كانوا ومازالوا رغم اختلاف حكوماتهم يعتبرون أنّ لهم حقا تاريخيا في أفغانستان. ولم يقف طموح الجنرال عند هذا الحد بل إنه كان يطمح لإقامة حلف بين باكستان وأفغانستان ما بعد التحرير الذي لم يشهده قطعا بسبب اغتياله.
 
استمرّ اعتبار باكستان الأخ الأكبر لأفغانستان حتى بعد وفاة ضياء الحق رغم اختلاف الحاكم وقربه من الجماعة الإسلامية مثل "ضياء الحق" أو عدائه لها مثل "برويز مشرّف"، أو تولي حزب الشعب السلطة ممثلا في بيناظير بوتو" فالاستراتيجية واحدة لم تتغير منذ رسمت ويعدّ SAS الراعي الرسمي لها، وكذلك لا يمكن أن تستقر سلطة في كابل لا يترأسها البشتون، وكذلك لا يمكن أن تستقرّ سلطة للبشتون في كابل لا تعتبر نفسها ولاية من ولايات الحكم المركزي في كراتشي...

المشروع السياسي للطّالبان

يقف شحّ المصادر عائقا دون تبين حقيقة أفكار وقناعات وسياسات الطّالبان، إلا ما تناثر هنا أو هناك مما لا يسمى قطعا مرجعا ولا وثيقة ولا حجّة بالمصطلح العلمي. وقد وزعت حركة الطالبان كرّاسا من تأليف الدكتور "شير علي شاه"، أستاذ الحديث والتفسير في جامعة منبع العلوم الباكستانية التابعة لجماعة العلماء الباكستانية، بينت فيه جملة من رؤاها السياسية ورؤاها الفكرية إبّان فتحها أو تحريرها لقندهار في طريق سعيها لتحرير كامل كامل أو أغلب أفغانستان من قادة الحرب. كانت هذه البنود في ما يشبه مشروع الإعلان الدستوري، في غاية البساطة والسذاجة يقدّم للناس الذين لا يعنيهم من كل ما وعدت به وخطته فيه إلا الأمن والأمان. 

مع العلم أن الطالبان لمّا سيطرت على كابل تخلت عن أغلب ما وعدت به في هذا الكراس قطعا، بل ولم تكن إسلامية فيما تقدم خاصة من خلال تكريس السلطة في يدي الملاّ محمد عمر، ولم تكن سلطة شورية ولا تجميعية تراعي بقية مكونات الشعب الأفغاني ولم تكن كذلك مستقلة في قراراتها فقد كانت الاستخبارات العسكرية الباكستانية تعبث بها متى شاءت، فهي إذن حركة قومية بشتونية تنتهج النهج القبلي الصرف في إدارة السياسة والقضاء وسائر شؤون الحياة وهو ما يسمى بالبشتونوالي، وأما نظرتها للدين فهي نابعة من انتمائها المدرسي إلى المدرسة الديوباندية، وهي مزيج بين الصوفية المولوية والمذهب الحنفي ومدرسة الحديث وبعض العقائد السلفية.


التعليقات (1)
عمر ملا
الثلاثاء، 24-08-2021 11:56 ص
لو استحضر الكاتب نظرية العصبية عند ابن خلدون كإطار تفسيري لنشأة ومسار حركة طالبان لاختار عنوانا مغايرا تماما، فطالبان قامت وتأسست وتكونت باجتماع عصبيتها القومية البشتونية مع منظومتها الدينية الديوبندية (فقه حنفي، عقيدة ماتريدية، صوفية السلوك) فهي تكونت بمزج ودمج العنصرين (القبلية والدينية) ، فلا يصح إقامة التقابل بين القومية البشتونية والسنية السلفية، لأن الحركة هي في جوهرها وجذورها ومساراتها تكونت بدمج العنصرين المذكورين. كما أن الحركة هي تنتمي إلى مدرسة دينية سنية، لكنها مغايرة للسلفية المعاصرة بمنظومتها العقائدية والمنهجية والفقهية، إلا إذا كانت السلفية بمعنى الرجوع إلى السلفية كما تُطلق وتستخدم في مجال دراسات وأبحاث الاجتماع الديني، كتوصيف للحركات الإسلامية عموما بنزعتها الماضوية، وليس للتدليل على سلفيتها بالمعاني المقابل للاتجاهات الدينية الأخرى كالأشاعرة والماتريدية والصوفية والمعتزلة...