تقارير

جنين.. مدينة الجنان والبساتين والمقاومة

من اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمدينة جنين
من اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمدينة جنين

تقع في شمال الضفة الغربية وتعتبر تاريخيا، إحدى مدن المثلث في شمال فلسطين، وتبعد عن القدس 75 كيلومترا إلى الشمال. وتطل على غور الأردن من ناحية الشرق، ومرج ابن عامر إلى جهة الشمال.

ومما يعطي موقع مدينة جنين أهمية أنها تقع في موقع وسطي بالنسبة للمدن الفلسطينية، حيث تقع جنوبي مدينة الناصرة على بعد 25 كلم، وإلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا على بعد 50 كلم، وإلى الشمال من مدينة نابلس على بعد 43 كلم.

بالرغم من قلة عدد سكانها حتى تاريخ وقوع النكبة مقارنة بالمدن الفلسطينية الأخرى، فإن لها ثقلا اقتصاديا أكبر بكثير من حجمها السكاني. ويبلغ عدد سكان مدينة جنين 39 ألف نسمة، أما محافظة جنين فيقطنها حوالي 256 ألف نسمة.

 

                                        مدينة جينين


وكان لموقع جنين أكبر الأثر في حياة المدينة قديما وحديثا، ويظهر ذلك في تاريخها الاقتصادي والاجتماعي، وفي أهميتها كعقدة مواصلات بين جبال فلسطين الوسطى (نابلس ـ القدس ـ الخليل) ومدنها، وبين شمال فلسطين خصوصا طريق القدس ـ الناصرة.

وتتفرع من المدينة طرق إلى حيفا وعكا. وقد حظيت مدينة جنين باهتمام بالغ من حيث المواصلات، ولم تتوقف أهمية المدينة على الطرق البرية، بل امتدت أهميتها إلى الخطوط الحديدية، حيث يمر بها خط يصل إلى العفولة ومن ثم بيسان فطبريا.

تحتل محافظة جنين مرتبة متقدمة في نسب التعليم بالأراضي الفلسطينية، وهي الأولى على مستوى الضفة الغربية، وتبلغ نسبة الأمية في محافظة جنين 3.9% بينما المعدل العام في الأراضي الفلسطينية هو 5.8% (وهو كما هو معروف من أقل النسب عربيا).

عرفت جنين بعدد من الأسماء عبر الزمن، وقد ورد اسم المدينة في مصادر وآثار المصريين القدماء والبابليين والآشوريين، ويتفق علماء الآثار على أن الكنعانيين هم من أسسوها في حدود عام 2450 قبل الميلاد، وبهذا تعتبر من أقدم مدن العالم التي لا تزال مأهولة بالسكان.

 


                                   خان اللجون قرب جنين


كانت تسمى قديما "عين جانيم" وتعني الجنائن، حيث ارتبط اسم المدينة بمرج ابن عامر الذي يعتبر أخصب أراضي فلسطين التاريخية، وفي عهد الرومان كان في بقعتها قرية ذكرت باسم "جيناي" من قرى سبسطية.

ورد اسم جنين بالمخطوطات المصرية القديمة، وكذلك البابلية والآشورية وفي التوراة والإنجيل، وهي مشتقة من الاسم القديم "عين جهانيم" أو "جنيم" وهي قريبة من الجنائن والبساتين. وتعتبر جنين خامس الأماكن المقدسة عند المسيحيين، لمرور يسوع المسيح من قرية برقين، حيث أشفى العشرة البرص المنعزلين في مغارة بطرف القرية.

وفي المكان نفسه وفي أوائل القرن الرابع الميلادي أقام قسطنطين الكبير كنيسة برقين المعروفة بكنيسة جرجس وقد قامت الحكومة الهولندية بإجراء الإصلاحات اللازمة لها بالتنسيق مع دائرة الآثار في السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها من الأماكن المقدسة لدى المسيحيين، وأصبحت هذه الكنيسة تعتبر طريق الوصل للحجاج المسيحيين من الناصرة إلى بيت لحم. وتضم المحافظة ديرا للاتين يقع في قرية الزبابدة ذات الأغلبية المسيحية، الواقعة جنوب شرقي جنين.

أما إسلاميا، فيقع في المدينة واحد من أقدم وأكبر المعالم الإسلامية العثمانية في فلسطين وهو جامع جنين الكبير الذي أنشأته فاطمة خاتون ابنة محمد بك ابن السلطان الملك الأشرف قانصوة الغوري في القرن السادس عشر. ويعتبر هذا المسجد من أبرز المعالم التاريخية في الحضارة الإسلامية في فلسطين، ومن أقدم التحف المعمارية في البلاد.

وسيطرت على جنين الكثير من القوى والإمبراطوريات والدول، وشهدت المدينة ازدهارها الكبير في أواخر الحكم العثماني وتأسس فيها أول مجلس بلدي عام 1886. وتطورت الحياة في جنين عبر ما يزيد على القرن بازدياد عدد اللاجئين إليها، حتى بلغت منزلتها المهمة بين المدن الكبرى بالضفة الغربية في العصر الحديث.

 

                                      أحد شوارع جنين

وفي القرن العشرين ارتبطت جنين بالسكك الحديدية التي وصلتها بالعفولة وبيسان ونابلس، وفي الحرب العالمية الأولى أقام الجيش الألماني مطارا عسكريا غرب جنين. 

وفي عهد الانتداب البريطاني كان للمدينة سجل حافل بالنضال ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني، حيث أعلنت أول قوة مسلحة ضد الاستعمار البريطاني عام 1935 بقيادة عزالدين القسام، واشترك سكان المدينة في إضراب عام 1936، وقد تعرضت جنين إبان فترة الانتداب البريطاني إلى كثير من أعمال العنف والتنكيل والتخريب وهدم البيوت على أيدي القوات البريطانية.

وفي عام 1948 بعد مغادرة الإنجليز قام اليهود بمحاولة فشلت للسيطرة على المدينة أمام صمود المقاتلين الفلسطينيين بمساعدة الجنود العراقيين.

وطرد اليهود منها وبقيت جنين مركزا لقضاء يتبع لمدينة نابلس، وفي عام 1964 أصبحت جنين مركزا للواء جنين ضمن محافظة نابلس، وفي عام 1967 وقعت جنين تحت السيطرة الإسرائيلية مثل باقي مدن الضفة الغربية، وبقيت حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995.

وكان لمدينة جنين شأن كبير في النضال الوطني الفلسطيني منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وظلت هاجسا بالنسبة للاحتلال بسبب قربها من مدن الداخل ومشاركة عدد كبير من أبنائها في العمل المسلح ضد الاحتلال، خصوصا بعد الانتفاضة الثانية.

ولا تذكر جنين إلا ويذكر مقترنا بها مخيم جنين الذي أسس عام 1953، ويمتد على مساحة ضيقة لا تتجاوز الكيلومتر المربع، ويعيش فيه نحو 16 ألف لاجئ. 

وينحدر سكان المخيم من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل. وبسبب قرب المخيم من القرى الأصلية لسكانه، فإن العديدين من سكانه لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر.

كان مخيم جنين هدفا استراتيجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي حيث حاولت استهدافه مرات عدة، لكنها فشلت أمام مقاومة أبنائه، حيث وجدت قوات الاحتلال صمودا من سكانه الذين أصروا على البقاء داخل المخيم رغم الأضرار الكبيرة التي تعرضوا لها، وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم ذروتها في 3 نيسان/ إبريل عام 2002، حين اقتحمت المخيم واشتبكت مع فصائل المقاومة بحرب شوارع أطلق عليها لاحقا "معركة جنين". واستشهد فيها 52 فلسطينيا.

واستمر القتال داخل المخيم 10 أيام قام خلالها الجيش الإسرائيلي بمنع دخول سيارات الإسعاف والعاملين في القطاع الطبي والإنساني من دخول المخيم. وقتل 23 جنديا إسرائيليا، فيما جرح عدد آخر.


وقد تم تدمير ما يقارب من 150 بناية فيما أصبح العديد من المباني الأخرى غير صالح، الأمر الذي خلف وراءه حوالي 435 عائلة بلا مأوى.

واستيقظت مدينة جِنين من جديد في 16 آب/ أغسطس الجاري، على "مجزرة" نفذتها قوة خاصة إسرائيلية في المخيم وأودت بحياة أربعة فلسطينيين في أوائل العشرينيات من أعمارهم.

 

وبالرغم من أن الخطط قد وضعت من أجل إعادة بناء المخيم وتوسعته إلا أن هناك العديد من العقبات التي حالت دون إعادة الإعمار، بما في ذلك الاجتياح الإسرائيلي المتكرر والعديد من حالات حظر التجول المتكررة والإغلاقات الإسرائيلية.

وبحسب إحصائيات فلسطينية، فقد استشهد منذ مطلع العام الجاري 10 شبان في جنين برصاص الجيش الإسرائيلي. وفي شوارع مخيم جنين، يشاهد عشرات الشبان الذين يحملون السلاح علانية، من كافة الفصائل، في انتظار لحظة الاشتباك مع قوات الاحتلال التي تتجنب دخول المخيم بسبب المقاومة المسلحة.

المراجع

ـ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التجمعات السكانية في محافظة الخليل حسب نوع التجمع، وتقديرات أعداد السكان، 2007-2016.
ـ إطلالة على جنين وطوباس. نشرة المشهد، وزارة الإعلام الفلسطينية، مكتب جنين 2016.
ـ هيئة الموسوعة الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، 1984.
ـ حرب حنيطي، قصة مدينة جنين، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 2018.
ـ مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا). المدن الفلسطينية في حدود دولة فلسطين (الأراضي المحتلة عام 1967).
ـ وكالة الأناضول، حادثة جنين.. جريمة تراكم غضب الفلسطينيين، 16/8/2021.
ـ عاطف دغلس، مدينة الاشتباك.. جنين تؤرق الاحتلال بمقاومتها، الجزيرة نت، 18/8/2021.


التعليقات (0)