تقارير

"النقب".. تعاني التهميش وعدم اعتراف الاحتلال بـ35 قرية عربية

صحراء النقب تشكل نحو 40% من مساحة فلسطين التاريخية وتعتبر مدينة بير السبع أهم مدنها
صحراء النقب تشكل نحو 40% من مساحة فلسطين التاريخية وتعتبر مدينة بير السبع أهم مدنها

صحراء النقب منطقة صحراوية تقع في أقصى الجنوب لدولة فلسطين، وتشكل ما نسبته 40% من مساحة فلسطين التاريخية، وتعد جغرافيا جزءا من شبه جزيرة سيناء، وتبلغ مساحة النقب 14 ألف كيلومتر مربع، وتقطنها الكثير من القبائل والعشائر العربية وترتبط ارتباطا اجتماعيا بقبائل سيناء وشبه الجزيرة العربية والأردن.

وتنحدر معظم قبائل وعشائر النقب من قبيلة الترابين والتياها والعزازمة والجهالين والقديرات والظُلام وقبائل أخرى، ويملكون حاليا من أراضي النقب ما يقارب الـ30 مليون دونم، وتعتبر طبيعة المنطقة صحراوية جافة باستثناء الجزء الشمالي قضاء بئر السبع.

وتشترك صحراء النقب في الجزء الجنوبي في حدودها مع الأردن شرقا وصحراء سيناء غربا، ويفصلها عن البحر الأحمر مدينة "إيلات" من جهة الجنوب، أما من الجهة الشمالية فتعد مدينة الخليل من أقرب المدن الفلسطينية إليها.

وتغطي النقب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخضراء التي تقاسمتها القبائل البدوية لقرون، فكان مجمل ما زرعته بالحبوب من قمح وشعير ما يقارب الخمسة ملايين دونم عشية النكبة عام 1948. هذه القبائل المرتحلة التي حطت في فلسطين منذ القرن السابع على الأقل، تحولت مع الوقت إلى قبائل تمتهن الزراعة وتربية المواشي.

 

         صورة التقطت من قمر صناعي لشبه جزيرة سيناء ومنطقة النقب

وللبدو العرب في النقب مدن وقرى وتجمعات يقيمون فيها خصوصا في مناطق قضاء بئر السبع، ومن بين هذه المدن والقرى تأتي رهط وتل السبع وشكيب واللقية وكسيفة وعرعرة وتل عراد وحورة وأم بطين وشقيب السلام وأم حيران وأم متان والقصر وأخشم والأعسم وبير هداج ووادي النعم وترابين الصانع.. ومدن قرى أخرى وعددها أكثر من 10 مدن و160 قرية، ويبلغ تعداد البدو في منطقة النقب نحو 300 ألف نسمة أي نصف عدد سكان النقب الكلي، وحوالي ثلث عدد سكان منطقة الجنوب الإدارية البالغ عدد سكانها مليون نسمة بحسب تقديرات سلطات الاحتلال عام 2014.

وسكن صحراء النقب الكثير من القبائل البدوية العربية على مر التاريخ، وأثناء فترة العباسيين عرفت النقب باسم "تربان"، وأثناء فترة العثمانيين عرفت النقب بـ"اسم السبع"، وكانت تعتبر منطقة تابعة لسيناء يحكمها أمراء قبيلة الترابين وشيوخ قبائل التياها والعزازمة والقديرات والجبارات والحناجرة وقبائل أخرى، ولم تكن للدولة العثمانية سيطرة فعلية على النقب حتى عام 1900 عندما أسس الأتراك قضاء بئر السبع واتخذوا من بلدة السبع مركزا، أراد الأتراك فصل القبائل البدوية عن قضاء غزة وإنشاء قضاء خاص بهم واشترت الحكومة العثمانية 1000 دونم من قبيلة العزازمة لتوزع على البدو للتوطين.

مع قيام دولة الاحتلال في حرب عام 1948 أجبر الاحتلال قرابة الـ100 ألف بدوي على الرحيل من منطقة النقب، وتحول أغلبهم إلى لاجئين في الأردن وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية، خصوصا مناطق الخليل والأغوار والقدس.

وعرضت السلطات الإسرائيلية على شيوخ القبائل في النقب وسيناء إقامة دولة بدوية في سيناء وان تكون دولتهم تابعة وحليفة لهم وأن تكون الفاصل بين "إسرائيل" ومصر، وبالتالي تقليل التهديد العسكري المصري، وقد التقى موشية ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، مشايخ سيناء لإقناعهم بفكرة تحويل سيناء إلى دولة مستقلة، أعلن شيوخ القبائل موافقتهم على المقترح مبدئيا، إلا أنهم طالبوا بمهلة للحصول على إجماع شيوخ القبائل في سيناء. وفي نفس الوقت علمت السلطات المصرية بتفاصيل المخطط، فقامت بالاتصال بالمشايخ وإعطائهم التعليمات حول هذه القضية وأعلن أهالي المنطقة الولاء لمصر ورفضهم تدويل سيناء.

وقد شكلت القبائل البدوية جزءا من النسيج الوطني الاجتماعي الفلسطيني، رغم خصوصية طبيعة حياتها وبنيتها الاجتماعية. ومن خلال الإضراب العام في فلسطين في عام 1936، أضرب قضاة محاكم العشائر في بئر السبع عن حضور جلسات محاكمهم، وذهب وفد منهم إلى القدس وقدم للمندوب السامي عريضة بالمطالب الوطنية الفلسطينية. وفي عام 1948 ومع بدء عمليات التطهير العرقي في النقب، كان رؤساء العشائر، وبالذات الكبيرة منها، على رأس من استهدفهم الاحتلال في عملية التهجير القسري.

 

                    آثار تل السبع ترجع إلى 1100 سنة قبل الميلاد

ومنحت السلطات الإسرائيلية البدو الجنسية الإسرائيلية لكنها لم تعترف بملكيتهم على 13 مليون دونم ولم تعترف بنحو 35 قرية.

واستطاعت سلطات الاحتلال محاصرة نحو 56% منهم في سبع بلدات أقامتها لهم، رغم افتقارها للبنية التحتية من صحة وطرق وتعليم وكهرباء وماء وغيرها، فيما يعيش الباقي نحو 44% في قرى متناثرة فوق أرضهم التاريخية تصفها سلطات الاحتلال بأنها "غير شرعية" أو "غير معترف بها".

وبلغت عملية تهويد المنطقة أوجها في ما سمي "الخطة القومية الاستراتيجية لتطوير النقب" المقرة من الحكومة الإسرائيلية عام 2005 وتتلخص هذه الخطة في زيادة عدد اليهود بحيث يصلون إلى قرابة المليون نسمة، على ألا يزيد العرب على الـ200 ألف نسمة.

واستهدف الاحتلال قرى النقب بالهدم والإهمال والحرمان من الخدمات الأساسية وسياسة رش المزروعات، حيث سلمت أوامر هدم في السنوات الخمس الأخيرة لأكثر من 16 ألف منزل. وهدم الاحتلال في النقب أكثر من 10,769 منزلا بين الأعوام 2009 و2019، وفق المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها.

ومؤخرا رصدت الحكومة الإسرائيلية ميزانية قيمتها 25 مليون دولار للشروع في تنفيذ مخطط يقضي بإقامة 100 مزرعة جديدة، إضافة إلى 41 مزرعة فردية أقامها اليهود بشكل غير قانوني، على أراضي الفلسطينيين في النقب، وستخصص مساحة مقدارها 80 دونما مجانا لكل عائلة يهودية توافق على الاستيطان بالمنطقة.

وساهمت موافقة رئيس "الحركة الإسلامية الجنوبية" منصور عباس الذي حصل على دعم كبير في انتخابات "الكنيست" الأخيرة من القرى البدوية، على المشاركة في الائتلاف الحكومي، في تشكيل الحكومية الإسرائيلية برئاسة اليميني المتطرف نفتالي بينت.

وفي مقابل دعمه للحكومة، حصل عباس على وعد بالاعتراف بثلاث قرى في النقب وتجميد هدم بيوت سكانها، بالإضافة إلى وعود بتقديم المساعدة للبدو وتخصيص مبلغ بقيمة 30 مليار شيقل (حوالي تسعة مليارات دولار) لدعم المجتمع العربي، وفق ما ذكرت تقارير.

ويقلل سكان النقب من أهمية الاعتراف بالقرى الثلاث، فقرية "خشم زنة" على قائمة مشروع لمصادرة 20 ألف دونم لشق طريق سريع، وقرية "عبدة" أعلنها الاحتلال قرية سياحية بدوية، وبالتالي فإنها ستستخدمها لجذب السياح. أي إن مكتسبات النقب من مشاركة العرب في حكومة بينيت ستكون صفرا وليس فيها أي "مكاسب" للعرب.

ويعيش البدو في صحراء النقب منذ أجيال، ويشكون من التهميش في "إسرائيل" ومن الفقر والتمييز العنصري الواضح للعيان. 

المراجع:

* حنين نعامنة، صحراء النقب ليست قاحلة، موقع جدلية، 2013.
* معجم البلدان ـ الحموي ـ ج ٢ ـ الصفحة 20.
* الجزيرة نت، منطقة النقب، 1-6-2011.
* صحيفة الغد الأردنية، بالهدم أو الترحيل.. الاحتلال يحرم 33 ألف طفل من بيوتهم في النقب، 21-6  -2021.
* وكالة الصحافة الفرنسية، بدو النقب لا يعلقون آمالا على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، 21-6-2012.


التعليقات (0)