أفكَار

القول بالعنف القرآني إفكٌ وجهالة.. في الرد على أركون وأتباعه

بنسالم حميش: الزعم بتأصل العنف وانغراسه الجيني في القرآن الكريم لا سند له- (عربي21)
بنسالم حميش: الزعم بتأصل العنف وانغراسه الجيني في القرآن الكريم لا سند له- (عربي21)

إن الزعم بتأصل العنف وانغراسه الجيني في القرآن الكريم (حيث لا وجود في نصه للفظ العنف) إنْ هو إلا ضرب من الإفك والجهالة السافرين لا يعضده سند صريح ولا برهان مقحم. وكان ممن قال به متحمسا هو محـمد أركون متبوعا بأزلامه من ضعاف الزاد المعرفي والطاقة الفكرية وإن لم يعدموا في خبطهم حبرا وورقا. 

وكان أركون في ذلك يداوم على نهجه المنقول عن الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا الذي سماه "la déconstruction" وطبقه رأسا على مواضيع فلسفية وأدبية، وترجمتُه العربية ليست، كما شاع، التفكيك بل حرفيا ومضمونيا "هدم المبني"، ولم يفهمه صاحب قراءات للقرآن إلا بهذا المعنى حصريا لكن مطبقا هذه المرة على الخطاب الديني وأساسا القرآني، معولا أيما تعويل على سورة التوبة (وهي مدنية) لإظهار تماهي ذلك الخطاب مع العنف (أي الارهاب في قصده) وقيامِ هذا في ذاك كثابت وطبع مركوز. وانصبت قراءته بالتحديد على الآية الرابعة من تلك السورة، وهي ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾. 

ومما عميَ القارئ المتهافت عن إدراكه هو:

1 ـ إن السورة تبدأ هكذا: ﴿بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وقد وردت على نحو استثنائي من دون ﴿بسم اللهالرحمن الرحيم ﴾، ولم أجد عند المفسرين لهذا الغياب علة سوى أن تكون السورة نزلت (والله أعلم) والنبي المرسل في حالة استياء وتذمر بالغين من المشركين المستميتين في نكث العهود وفسخ العقود وخرقها، كما كان سلوك يهود يثرب وسواها مع المسلمين ورسولهم الأكرم . وهذا ما لم ينتبه إليه ذلكم القارئ المتهافت ويسجله.

2 ـ المعنيون إذن بوجوب التصدي لهم وقتلهم هم حصريا المشركون الأشدء عداوة على الديانات التوحيدية التي أمرت بقتالهم لكونهم لا يلحدون بالله فقط ويشركون به آلهة متعددة من حجر منحوت أو من عناصر الطبيعة ومكوناتها ويعبدونها، بل لأنهم أيضا يحاربون الموحدين لله بشتى ضروب المحاربة والتعنيف والبطش، فوجب جهادهم.

3 ـ تأتي الآية 13 لتبيان السبب في مواجهة المشركين وقتالهم، ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مؤْمِنِينَ﴾. وتذكرنا الجملة "وهم بدءوكم أول مرة" بالمؤرخيْن اليونانيين (من القرن الخامس قبل الميلاد) هيرودوت وثوسيديد، الأول في كتابه الحروب الميدية (بين الإغريق والفرس)، والثاني في كتابه حرب البيلوبونيز (بين أثينا وسبارتا)، وكلاهما ذهب إلى أن سؤال الأسئلة في ظاهرة الحرب هو حول بادئها والسباق إلى إضرام نيرانها، مصداقا لقول علي بن أبي طالب في هذا المقام "الشرُّ بالشرِّ والبادي أظلم". 

وعطفا على ذلك، ها هو حديث نبوي شريف يقول: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبورا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. اللهم منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، وهازمَ الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"، وفي حديث آخر: "لو بغى جبلٌ على جبلٍ لدُكَّ الباغي منهما".

4 ـ إن المستخلص إذن من الآية 13 هو أن قتال المشركين ليس بدئيا أو استباقيا، وإنما هو دفاعيٌّ صرفٌ تؤكد طابعه هذا بنحو قويٍّ حاسم الآية 36، وهي ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ وتنضاف إليها من باب الاستزادة في البيان والشرح الآية 190 من سورة البقرة ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. وتنضاف إليها أيضا دعوة القرآن الكريم إلى المجادلة بالتي هي أحسن وأخرى إلى أهل الكتاب حول الكلمة السواء، وما ماثلهما كثير.
  
إن ما تيسر سوقه من آيات بينات ينفي قطعيا ما ذهب إليه أركون وأزلامه، إلا أنهم إذ ظلوا، رغما عنها، يلجون ويعاندون حتى زايد بعضهم وزعموا أن جماعات "إرهابية"، وأعتاها داعش، إنما استمدت إديولوجيتَها وتبريرات أعمالِها من متن القرآن وصلبه، وكان أركون ينوي تأليف كتاب في هذا الموضوع لولا أن المرض حتى الموت عاجله.

عطفا على ذلك، هل كان زعماء مقاومة الغزو النازي لأروبا، كشارل دوغول وونستون تشرشيل وجان مولان، يوصون بغير قتال الغزاة وتسخير كل وسائل الحرب وحيلها من نصب الكمائن والعمليات الفجائية ورصد تحركات العدو والضرب بقوة في مكامنه ومواقعه، وكلها وسائل تنهل مشروعيتها من كونها دفاعية، كما كان الحال في كل حركات التحرير الوطني عبر العالم. وليُعتمد أيضا كتاب العالم والساسي للسوسيولوجي الألماني ماكس ڤيبر الذي برر عنف الدولة بالحاجة الماسة إلى إرساء قواعد النظام والأمن، فألقى عليه طابع المشروعية كعنف دفاعي مضادٍ للعنف العدواني الإجرامي. في هذا الشأن بالمنهج المقارن والقراءة الطباقية contrapuntal reading، التي نظّر لها وأجرأها الراحل إدوارد سعيد في مجمل كتاباته وأبحاثه.

 

لا بدَّ من التذكير بالحملات الصليبية الثمانية وهمجيتها الضارية في الغلو الفادح والقتل الجماعي الذريع، وشعارهم فيها هو "الله يريد". ولم يتخلص العالم الإسلامي منها إلا بفضل جيش صلاح الدين الأيوبي بطل موقعة حطين المجيدة ومحرر القدس الشريف من مخالب حملة الصليب.

 



من هذا الباب، لنصوِّبِ النظر الآن إلى بعض وجوه العنف المبرَّح في المسيحية، منها ما ورد في إنجيل لوقا، بعد صلب عيسى ابن مريم بحوالي أربعة عقود، من أن يسوع المسيح قال: "لا تظنوا أني جئتُ لأحمل السلام إلى العالم. ما جئتُ لأحمل سلاما بل سيفا. جئتُ لأُفرق بين الإبنِ وأبيه، والبنتِ وأمها، والكنَّة وحماتها. ويكون أعداء الإنسان أهل بيته".

وفي الإنجيل نفسه يطالعنا أمر عيسى المسيح بإحضار معارضيه وذبحهم جميعا أمام عينيه... وهذا يشوع ابن نون خليفة موسى كليمِ الله و"خديمِ الأبدي" يبشر في سفر الإنجيل القديم بأن الأرض الموعودة لإسرائيل الكبرى هي من النيل إلى بلاد الرافدين. وكل من خالف هذه البشرى أو شك فيها خصوصا من الكنعانيين (أسلاف فلسطينيي عهدنا) تُعمل فيهم سيوفُ العنف والإبادة.

ونختم للإيجاز بما جاء في إنجيل يوحنا من أن المسيح ابن مريم، رسول المحبة والمسالمة والسماحة، حدث له أن فجرَّ غضبته العارمة على باعة معبد القدس وصرّافيه، فطردهم من بيت أبيه الربّ شر طردة بالضرب المبرح، مستعملا حبلا من مسد.

في سياق رصد مظاهر العنف في تاريخ المسيحية، لا بدَّ من التذكير بالحملات الصليبية الثمانية وهمجيتها الضارية في الغلو الفادح والقتل الجماعي الذريع، وشعارهم فيها هو "الله يريد". ولم يتخلص العالم الإسلامي منها إلا بفضل جيش صلاح الدين الأيوبي بطل موقعة حطين المجيدة ومحرر القدس الشريف من مخالب حملة الصليب. 

وهذه شهادة مؤثرة، ضمن أخرى كثيرة، بقلم، أسامة بن منقذ أمير شيزر شمال سوريا، المعاصر لإحدى تلكم الحملات، إذ يسجل في مؤلفه الشيق كتاب الإعتبار بعد أن سلبه الفرنجه من كل متاعه: "إن سلامة أولادي وأبناء أصدقائي ونسائنا قد خففت من آلام فقدي لكل ممتلكاتي، ولكن خسارتي لكتبي آلمتني ألماً ممضا. لقد كانت أربعة آلاف مجلد من كتبٍ قديمة نفيسة، وغدا فقدها باعث حزني طوال عمري".

أما عنف مسيحيي إسبانيا في حرب إعادة الغزو la reconquista فحدِّث ولا حرج، إذ عرف أوجه مع المدجنين  los mudejares، إسم أُطلق على مسلمي الأندلس بدءا من 1492م تاريخ سقوط غرناطة آخر مملكة إسلامية جراءَ تحالف ملك أراگون فردينان وملكة قشتالة إيليزابيت، وهم من فئات آثروا البقاء في الأندلس ولم يطردوا، فدخلوا تحت حكم المسيحيين المنتصرين وأُجبروا على تغيير دينهم ولغتهم التي اعتُبرت عجمية aljamiado ولو أنها تُكتب بحروف عربية، وهم أصلا فرع من المورسكيين المهجرين عنوةً من الأندلس إلى مدن مغاربية بمرسوم للملك فيليب الثاني سنة 1609. وقد خضع أولئك المدجنون لمحاكم التفتيش l’inquisition للنظر في صحة ردتهم عن الدين الإسلامي والتحقق من فتح أبواب دورهم أو إخفاء مصاحف القرآن، وغير ذلك من المضايقات والعقوبات المهينة، كالجلد وتمزيق الكتب ذات الصلة بالإسلام...

أما في فرنسا الكاتولكية التي يأمر رسولها المسيح "أبدا لا تقتل" فقد عرف تاريخها الوسيط حرب المئة سنة ثم الثلاثين سنة مع أنجلترا الأنگليكانية، وحملات مطاردة البروتستانيين وإرغامهم على اعتناق الكاتولكية عنوةً، أشهرها لاسنت بارتليمي التي كانت مذبحة فظيعة سنة 1572 أتت على الرجال والنساء والأطفال وعمت باريس ومدنا أخرى لعدة أشهر، وذلك بتحريض من كاترين دي ميديسس وابنها شارل التاسع وتواطؤ الكنيسة، ولم تعرف تلك المأساة نهايتها إلا مع الملك هنري الرابع بإصدار مرسوم ليدي دي نانت. 

غير أن الملك لوي الرابع عشر أعاد تأجيج أوارها ولو لمدة معلومة. وكان معاصره السلطان إسماعيل يعيب عليه ذلك وينطق به أنكيشيشيون، ويعارضه معتزا بالإسلام دين السماحة والسلام. ومع الثورة الفرنسية في 1789 ظهرت المقصلة la guillotine التي أُعدم بها الملك لوي السادس عشر وحتى زوجته ماري أنطوانت وكذلك اليعقوبي روبسبيار الذي سُميَ عهده عهد الرعب. وكانت في تاريخ فرنسا طرق أخرى في القتل، منها التسميم وكذلك التحريق le buchet كما حصل في كثير من الحالات، منها حرق جيرار دي بروي G. de Breuil لكونه نقل بعض أعمال أبي الوليد ابن رشد الفلسفية إلى اللغة اللاتينية.

الكيل بمكيالين ركنٌ ركين

إن المنتسبين إلى المسيحية من ممتهني الجريمة المنظمة والهول ـ دوب والاتجار في المخدرات والبشر، لا أحد منهم سُمي christianiste. وهذا يصح حديثا على واحد من أفظع القتلة وأعتاهم النرويجي أندرس بريڤك عرّف نفسه بكونه مسيحيا إنجيليا وماسونيا، ونعتته الصحافة بصليبيِّ الكراهية والتعدد الثقافي ومعادٍ للإسلام بالتخصيص عداوة غريزية مرضية. 

وفي غضون تموز (يوليو) 2010 أطلق العنان لجنونه الإجرامي ففجر قنبلة في أوسلو ثم قصد جزيرة أوطووا حيث وجه سلاحه الرشاش إلى تجمع شبابي احتفالي فأعدم منهم العشرات. وبالرغم من كل تلكم القرائن والدلائل لم تُحَمِّل الأوساط المعنية الديانةَ المسيحية مسؤولية هول ما جرى، ولم يُنسب إليها إعلاميا ذلك الإرهابي المتوحش أي تحت إسم christianiste. 

وأما مع إرهابيي الصهيونية العبرية فحدث ولا حرج، من هاگانا وإرگون (ومن زعمائهم منهيم بيگين رئيس إسرائيل لاحقا) وكذلك اليمين الديني المتطرف، فلم يُلصق بأحدهم نعت judaiste، ومن أقربهم إلى عهدنا الطالب الإرهابي إيگال أمير قاتل إسحاق رابين أثناء إلقاء هذا الرئيس خطابا أمام تجمع حاشد في تل أبيب يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، وخلفه شمعون بيريز الذي سيكون جزار قانا جنوب لبنان حيث انهمرت القنابل على ملجأ للفلسطينيين العزّل تابعٍ للأمم المتحدة؛ فيما سُمي توّا إسلامبولي قاتل أنور السادات (1981) islamiste من طرف الإعلام الغربي جميعه، وقس على ذلك حالات لا مجال هنا للإستزادة في سردها، إلا ما قل: السلاح النووي حلال على إسرائيل، حرام على إيران؛ تجريم معادة السامية وحتى الصهيونية وإباحة معاداة الإسلام (إسلاموفوبيا)...

كل ما جاء في مقالتي هاته إن هو إلا غيض من فيض غايته الإسهام في دحض تقولات محترفي الإفك وتزوير الحقائق والوقائع، وهم من سميتهم "المدجنين الجدد" في فصل من كتابي في الإسلام الثقافي.


التعليقات (3)
علي
الخميس، 24-06-2021 03:08 م
ما كتبه الاستاذ حميش لا علاقة له بالكتابة العلمية الجادة فبدلا من كبل الانتهاكات دون سند كان عليه ان يحلل ويناقش وبكل موضوعبة ما كتبه محمد اركون فيما يتعلق بموقف الإسلام من العنف ولا اعتقد ان الاستاذ حميش قد قرأ ما كتبه اركون في هذا المجال فما قاله يخالف تماما لما توصل اليه اركون ومن اراد ان يتأكد من فليرجع الى كتابه تحرير الوعي الاييلامي وخاصة الفصل الثالث العنف التقديي والحقيقة في السياقات الإسلامية وبالأخص الفقرة العنونة ب كيف نطرح مشكلة العلاقة بين الإسلام والعنف
الكاتب المقدام
الخميس، 24-06-2021 06:34 ص
*** خلت المقالة من تعريف بمن هو محمد أركون رغم تصدر اسمه في عنوانها، ورغم ان موضوع المقالة هو نقد آراء منشورة لأركون، والتعريف بشخصية الكاتب تعطي خلفية تساعد في فهم حقيقة وقيمة الأراء التي ينشرها، والتي قد يكون قد توخى في صياغتها التقية وعدم المباشرة فيها لأسباب في نفسه، ووفقاً لويكيبيديا فأركون هذا جزائري أمازيجي من أسرة فقيرة (ولد في 1928 وتوفي في 2010)، وقد انتقل في صباه إلى "قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين وأنه عاش فيها "صدمة ثقافية"، ودرس في مدرسة الآباء البيض التبشيرية، وقد شرح مشاعره تجاه تلك المدرسة بقوله (عند المقارنة بين تلك الدروس المحفزة في مدرسة الآباء البيض مع الجامعة، فإن الجامعة تبدو كصحراء فكرية)، والعبارة صادمة لنا وواضحة المعنى في أن أركون لم ير منذ صغره في فكر المحتل الفرنسي إلا التقدم الثقافي والفوقية على بني قومه، كما لم تجد الدروس الكاثوليكية التبشيرية في نفسه إلا كل إعجاب وتقبل، حتى أنه اعتبرها محفزة له أكثر من الجامعة نفسها، فالرجل قد تربى في المدرسة الكاثوليكية التبشيرية، وتقبل كل دروسها، ولم تثر في نفسه أي رفض للمستوطنين المحتلين لبلاده ولا نقد لحركة التبشير، فهو صنيعة كاثوليكية فرنسية شكلوه على شاكلتهم منذصغره، وقد فتحوا له بعدها أبواب الدراسة في جامعاتهم في باريس وغيرها، وارتقوا به في المناصب الأكاديمية الجامعية ليحتل كرسي التدريس بها باعتباره " عالم في الدراسات الإسلامية"، ولم يبخلوا عليه ليرفعوا من شأنه بالعديد من أوسمة التكريم الأكاديمية، وقد وصف نفسه بأن مشروعه الفكري خلال أربعين سنة قد اقتصر على "نقد العقل الإسلامي.. ولدمج العملية النقدية للفكر الديني الإسلامي.. معتمداُ على عدم الفصل بين الحضارات"، فالتساؤل المنطقي طالماُ هو قد اعتمد في منهجه على عدم الفصل بين الحضارات، فلم لم يمتد مشروعه أيضاً "لنقد العقل الكاثوليكي" على الأقل من ناحية الدراسات المقارنة التي هي أحد أهم أدوات البحث العلمي، وباعتبار أنه قد تعلم منهم ونشأ وترعرع بينهم وفي بيئتهم، والرجل ليست له مؤلفات إلا باللغة الفرنسية، وكل ما نشر عن آرائه مترجم للعربية منها، ورأيه الصريح الذي كرره في كتاباته هو: "أن القرآن محرف بسبب أن النقل غير مؤتمن، وأن عند الدروز والإسماعيلية والزيدية وثائق سرية مهمة تفيدنا في معرفة النص الصحيح، وهي مقفل عليها بالرتاج، مع عدم إمكانية الوصول إليها الآن"، فرغم أنه لم ير ولم يطلع على تلك النصوص القرآنية المزعومة عند تلك الفرق الباطنية، فهو يؤكد أنها النصوص الصحيحة التي تؤكد زعمه بأن القرآن محرف، والرجل لم يدع في حياته انه مسلم الديانة كما لم يظهر اتباعه لأي من الديانات الباطنية التي أبدى إعجابه وتصديقه لنصوصها الدينية، والظاهر أن الرجل قد مات على ملة وفكر أساتذته من المستشرقين الكاثوليك الذين كرموه واحتفوا به وكرموه في حياته باعتباره واحداً منهم، ومردداُ لمعتقداتهم، ولا شك بأن المعجبين به والمروجين لآرائه من بني جلدتنا هم من الذين على عقيدته، والله أعلم.
محمد جبوري
الأربعاء، 23-06-2021 04:59 م
اعتمد أركون في قضية العنف من خلال سورة التوبة على"المنهج الانتربولوجي " كما انطلق من فرضية مسبقة أساسها أن سورة التوبة تمثل الخطاب القرآني ككل و هي محل خلاف بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين المستشرقين لما قضايا مثيرة للجدل خاصة العنف والأمر بقتل المشركين فقد اختار منها الآيات: 120،85،84،72،71،65،64،60،55،48،30،29،5،1 كما اعتمد "المثلث الأنثربولوجي' مقدس _عنف_حقيقة: عد أن البداية في هذه السو رة تكمن في عنوانها الذي هو "التوبة" أو العودة إلى الله وهذه الأخيرة تعني "استسلام المشركين بلا قيد أو شرط للمسلمين" وعندما رجحت كفة القوة والسلطة لصالح المسلمين وأصبحوا أكثر سيطرة واستقرارا؛جاءت الآية الخامسة وهي آية السيف لتحدد شروط استسلام المعا رضين "إذ تقول للمسلمين بكل صراحة: اقتلوهم وهو فعل أمر قاطع واضح"إضافة إلى أفعال الأمر الأخرى وهي"'وخذوهم واحصروهم" ! و"اقعدوا لهم كل مرصد" أي انصبوا لهم كل الأفخاخ الممكنة بغية مفاجأتهم وتصفيتهم"ويرى ذلك لا يختلف ولا يبتعد عن أصول الحرب البدوية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية في ذلك الزمن؛ وفي ذلك إنذار وتحذير حتى للمسلمين أنفسهم؛ أي بخروجهم عن الجماعة سيلاقون المصير نفسه. ويصل أركون من خلال ما سبق إلى تنوع أسلوب العنف والدعوة إليه في هذه الآية، بل وتكرار ذلك على مستوى نص السورة ككل؛ فالعنف هو نوع من التقليد السائد عند العرب للحصول على ما يريدون في تلك الفترة الزمنية أما اللغة التي وصفها بالقاسية هي لغة اعتيادية بالنسبة إليهم "ولكن بعضهم رفض أن يفهمها أو يتقبلها" . ولكن لا يتوقف أركون عند هذا الوصف وإنما يعتبر أن الإنسان إلى الآن "يستخدم لغة القوة بغية "إقناع" الآخرين إذا ما رفضوا الاقتناع بالحسنى" من خلال ماسبق إن أركون عمم أحكامه على بقية السورة، وأخذت الآية الخامسة نصيب الأسد من ذلك لأنها حسب رأيه ارتبطت بمواضيع محددة ومكررة؛ أو لأنه هو قد ركز على هذه المواضيع ليقرأها ضمن هذا النص ويناقش أثارها على الفرد وفق الحكم الذي بدأ به القراءة ويمكن ملاحظة ما يأتي: أنه لا يذكر الآية مباشرة في بعض الأحيان ولكنه يرتكز على شرحها ويعتمد عليه، أي المعنى الظاهر من الناحية التفسيرية، وكما أنه بالرجوع إلى تفسير ابن كثير نلاحظ أن الآيات التي كانت ضمن محور دراسته لا تخرج في معناها العام عما ذكره المفسرون. كذلك يجتزئ الآيات عن سياقها من السورة أو يجتزئ من الآية نفسها ما يراه مناسبا لتدعيم فكرته ومن مثل ذلك قوله "بأنه قد طلب من النبي عدة مرات ألا يخاف من ثروات المعارضين وكثرة ذريتهموأبنائهم... ومن الجهاد في سبيل الله " لا يصيبه ظمأ ولا نصب ولا مخمصة "(الاية 120)" ولكن الآية كاملة كالآتي :?مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ? [التوبة: 120] فالآية ليست موجهة للنبي وإنما لأهل المدينة وانعكس ذلك على نقل الضمير بين يصيبه"و"يصيبهم". تندرج قراءة أركون لسورة التوبة ضمن مشروع يهدف لتخليص النص الديني من كل ما يحيط به من معاني مكررة، بل وإعادة استنباط ما تغافل عنه أو تجاهله الفقه الكلاسيكي من آراء وأفكار ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيق المناهج النقدية المرتبطة بالفكر الفلسفي.