قالت صحيفة "
نيويورك تايمز" إن الإسرائيليين الذين قرأوا صحف يوم الثلاثاء اطلعوا على التحليلات والمقالات والتقارير التي تتكهن بقرب
رحيل نتنياهو، وفي المقابل لم يقرأ
الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أكثر
الصحف توزيعا بالمناطق "القدس" أي شيء عن نتنياهو إلا عندما وصلوا إلى الصفحة
السابعة منها.
وفي تقرير لمراسليها باتريك كينغزلي وإيزابيل كيرشنر وأدم
راسغون قالت الصحيفة إن مصير نتنياهو بات معلقا على اتفاق أحزاب المعارضة لتشكيل ائتلاف
هش وهم يسابقون الوقت للإعلان عنه قبل مضي الموعد المحدد والذي ينتهي بمنتصف ليلة
2 حزيران/ يونيو، ولو فشلت المعارضة فهذا يعني جولة جديدة وخامسة من الانتخابات.
وتقول الصحيفة إن رحيل نتنياهو الممكن يمثل لحظة تاريخية
لرجل ترك بصمته على السياسة في إسرائيل أكثر من أي زعيم في تاريخ البلد.
وبالنسبة للفلسطينيين فمعاقبته بالطرد من السلطة لم تؤد إلا
للمبالاة وعودة الذكريات المرة.
فعلى مدى 12 عاما من حكمه تلاشت العملية السلمية حيث اتهم
الإسرائيليون والفلسطينيون بعضهم البعض بعرقلة العملية السلمية. وبدلا من الانشغال
بتعقيدات السياسة الإسرائيلية فإن الفلسطينيين منشغلون بلحظتهم السياسية التي يقول
الناشطون ودعاة حقوق الإنسان إنها محورية.
وظل الفلسطينيون موزعين ولعقود بين السلطة الوطنية التي تدعمها
الولايات المتحدة وتدير الضفة الغربية وحماس التي تسيطر على غزة والفلسطينيون داخل
الخط الأخضر ممن ترك تصويتهم أثره على السياسة الإسرائيلية، وإلى جانب كل هذا هناك
فلسطينيو الشتات. وبعد 11 يوما من الحرب بين
الاحتلال الإسرائيلي والفصائل في غزة والعنف
بين العرب واليهود داخل الخط الأخضر والمواجهات في القدس فإن هذه القوى المتباينة باتت
متحدة في الهوية المشتركة والهدف.
وفي مظهر نادر من
الوحدة شارك الفلسطينيون في الضفة وغزة
والقدس وداخل الخط الأخضر ومخيمات اللاجئين بالإضراب العام في 12 أيار/مايو. وقال أحمد
عويضة، المدير السابق للبورصة الفلسطينية: "إننا متحدون مهما حاولت إسرائيل عمله
على مدى 73 عاما وفرقتنا بين العرب في إسرائيل والضفاويين والمقدسيين والغزيين واللاجئين
والمنفيين، ولم ينفع هذا وعدنا إلى المربع الأول". وقال أحمد مجدلاني، الوزير
في السلطة الوطنية إن وجود اليمين الديني المتطرف في الزواج الهش بين سبعة أحزاب لا
يجمع بينها إلا القليل ليس مطمئنا للفلسطينيين. وأضاف قائلا: "هناك قوى وأحزاب أخرى ممن لديها برامج" و"سنراقب ما يحدث ولن نحكم وسنقرر التعامل مع هذه
الحكومة بعد مشاهدة برنامجها".
وبين الفلسطينيين في إسرائيل فهناك خلاف حول الحكومة المرتقبة،
ففي الوقت الذي قد يقودها بينت وتدعمها أحزاب تعارض الدولة الفلسطينية إلا أن البعض
يرى بوجود أحزاب من الوسط واليسار ودعم تكتيكي من القائمة العربية الموحدة أو راعم
دافعا لتعديل بنيت مواقفه.
وتقول بشائر فاهوم -الجيوسي المديرة المشاركة لمبادرة "إبراهيم"
وهي منظمة غير حكومية تدعو للمساواة بين اليهود والعرب "إنه أمر معقد" و"هناك
إيجابيات وسلبيات للتخلص من نتنياهو ولكن يجب تحمل رصاصة قوية لتحقيق هذا". ويتوقع
أن تضم الحكومة عربيا عن حزب ميريتس هو عيساوي فريج. وقال زعيم حزب "راعم"
منصور عباس إن دعمه للحكومة الجديدة مشروط بتخصيص مصادر للعرب. ويمكن أن يؤدي تعيين
وزير للشرطة من يسار الوسط حافزا على دفع الشرطة للتعامل بطريقة منضبطة مع الفلسطينيين
في القدس والتي قاد قمع الشرطة لهم إلى الحرب في غزة.
لكن آخرين يعتقدون أن هذا لن يحدث كما تقول سوسن زهر من منظمة
"عدالة": "لا يهم من أين يأتي وزير الشرطة" لأن سلوك أفرادها
"متجسد في مؤسسات الشرطة وليس بقرارات هذا الوزير أو ذاك".
وتغيير الحكومة أو خروج نتنياهو ليس مهما للفلسطينيين لكن
ما يهم هي التحولات الجيلية بينهم في الداخل والخارج، وهو ما يشكل تحديا للحرس القديم
من القيادة الفلسطينية الضعيفة التي هزها النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
فبين الجيل الجديد انحرف النقاش من دولة فلسطينية مفترضة
لها حدود مع إسرائيل إلى نقاش واسع حول الحقوق والعدالة. ويقول فادي قرعان من
"آفاز" وهي منظمة غير ربحية تدعو للتغيير ومقرها في الضفة الغربية:
"أعتقد أن المفتاح للتغير هو تغيير آلية العمل الفلسطيني" و"في الماضي،
عندما كان الفلسطينيون يتحدثون في مقابلات كان أول شيء يقولونه: متى سيأتي المجتمع
الدولي لإنقاذنا، ومتى ستحاسب إسرائيل أو متى ستأتي الدول العربية لإنقاذنا؟".
لكن النقاش الآن وبخاصة بين الشباب "لقد فهمنا هذا الآن ونستطيع العمل معا".
وترى الصحيفة أن التغير الجيلي جاء نتيجة فشل القيادة الفلسطينية
التقليدية التي فشلت في تحقيق وعودها منذ اتفاقيات أوسلو وإنشاء دولة فلسطينية. وفشل
المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون للتوافق على حل وبات الاحتلال الذي كان مؤقتا
دائما ومضى عليه أكثر من نصف قرن. وفي السنوات الأخيرة زادت حالة الكآبة لدى الفلسطينيين
بسبب سياسات دونالد ترامب التي فضلت إسرائيل.
وساعدت إدارته على تحقيق عدد من اتفاقيات التطبيع بين الاحتلال
الإسرائيلي ودول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان والتي
خرقت الإجماع العربي الذي ربط التطبيع بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وعانى الفلسطينيون في داخل الخط الأخضر والذين يشكلون خمس
السكان من سياسات التمييز والإهمال في العمل والإسكان وتمت إهانتهم بقانون الدولة القومية
الذي حصر حق تقرير المصير باليهود في إسرائيل وليس كل السكان، وخفض من مستوى اللغة
العربية إلى لغة ثانوية. وساعد نتنياهو أحزاب اليمين الديني المتطرفة للدخول في الكنيست
على أمل الاستفادة منهم في التمسك بالسلطة. ووجد الفلسطينيون مساعدة من حركة صحوة دولية
وزخم حركة "حياة السود مهمة" التي تحدثت عن لغة الحقوق والظلم التاريخي.
وفي الوقت نفسه عانت القيادة الفلسطينية المتمثلة بفتح من انقسام حيث توزعت على ثلاث
كتل كانت تحضر لخوض الانتخابات التي أجلها الرئيس محمود عباس.
وفي إشارة عن الرغبة بتغيير الوضع القائم سجلت نسبة 93% ممن
يحق لهم الانتخابات في الضفة الغربية نفسها في قوائم الاقتراع بالإضافة إلى 36 كتلة
انتخابية و1.400 مرشح يتنافسون على 132 مقعدا في المجلس التشريعي. ونسبة 40% من المرشحين
شباب تحت سن الـ 40 عاما. ورد عباس بإلغاء الانتخابات وحرمان الفلسطينيين من التعبير
عن رأيهم، مما أدى إلى حركة شعبية وتظاهرات في القدس ودعم دولي من نجوم عالميين.
ورغم تشكيك المحللين من أثر الوحدة الأخيرة على الواقع الفلسطيني،
إلا أن آخرين يرون أن القضية الفلسطينية عادت بحس جديد من الطاقة والترابط والتضامن
والنشاط. وتقول السياسية الفلسطينية حنان عشراوي: "أحداث الأسابيع الماضية هي
مثل الهزة الأرضية" و"نحن جزء من النقاش العالمي حول الحقوق والعدالة والحرية
ولا تستطيع إسرائيل وقف هذا أو فرض الرقابة عليه".