مدونات

مهنة الصحافة بين الأمس واليوم

مصطفى محمد أبو السعود
مصطفى محمد أبو السعود
لكل مهنة ضوابط ومعايير يجب على من يرغب دخولها الالتزام بها حتى ينال رضاها، وقد تخضع هذه الضوابط والمعايير للتغيير حذفاً وإضافةً وتعديلاً وفق قدرتها على التأثير والتأثر في معطيات وإنتاجات الحياة، وثمة مهن تصنع التغير، ومهن تخضع له، ومهن توفق بين صناعته والخضوع له في محاولة منها للبقاء على قيد الحياة والانحناء قليلا حتى تهدأ عواصف التغيير.

من المهن التي تصنع التغيير وتخضع له هي الصحافة، فهي الكاشفة لما يحدث خلف الكواليس، ولما قد يحدث، وهنا يمكن اعتبارها صانعة التغيير، وقد تخضع للتغيير وفق رؤية النظام السياسي القائم، فإن كان من هواة تكميم الأفواه فلا تبقى صحافة ولا رصافة، فالكل في دائرة الاستهداف إلا من غرد في قصر الزعيم.

مهنة المتاعب هو مفهوم يطلق على الصحافة باعتبار أن منتسبيها مشاغبون ومشاكسون وعشاق المغامرة والمتاعب، لكن المتأمل في عالم الصحافة اليوم يجد بوناً شاسعاً بين صحفي اليوم وصحفي الأمس.

فصحفي الأمس وخاصة قبل وصول التكنولوجيا لهذا المستوى كان بحق صحفيا يستحق الإشادة بأنه من عشاق العمل الصحفي، وأنه مشاغب وباحث عن المتاعب وكان يواجه عقبات وعقوبات ومغريات كثيرة تصده عن سبيله وهدفه خاصة إن كان يسير عكس تيار الحيتان. أما صحفي اليوم فيمكن القول بأن أغلب منتسبيها هم ممن ظنوا إنها سهلة، ويمكن أن ترفعهم فدخلوا عالم الصحافة ولم يقدموا لها ما يستحق الإشادة، ولا أُبالغ لو قلت بأن أغلب طلبة الصحافة الآن قد دخلوا قسم الصحافة لأسباب ليست لها صلة عميقة بالرغبة الشخصية الملحة أو وجود رؤية إعلامية مستقبلية، فربما دخلوها ظنا منهم أنها الأسهل والأسرع في تحقيق الشهرة خاصة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، فما أن يبدأ أول يوم في الجامعة حتى يضيف تعريفاً له في حساباته الاجتماعية (press).

أهداني أحد أصدقائي الأعزاء كتاباً بعنوان "الصحافة في وكالات الأنباء" للمؤلف "جون كورد واين"، قرأته فأعجبني. وما أعجبني فيه أن أغلب ما فيه جاء نتاج سنوات خبرته في العمل الصحفي، حيث خصص أحد الفصول للحديث حول (المواصفات الواجب توفرها في الصحفي الجيد) ومنها:

١- المستوى التعليمي المتمثل في الدراسة الأكاديمية والقراءة المكثفة.

٢- القدرة على التعامل مع كافة شرائح المجتمع.

٣- القدرة على الكتابة والتعبير وفق مقتضيات الحقيقة.

٤- الفهم العميق للتطورات المحلية والدولية.

٥- الإحساس بالمسؤولية، والعمل بدقة وسرعة، والتمييز بين الجوهري والمبتذل.

٦- الثراء اللغوي واستخدام الكلمة المناسبة في الموقف المناسب.

٧- الجرأة في الاعتراف بالخطأ حتى لو كان مؤلما.

٨- الإيمان بالمهنة وأنها مهنة المتاعب.

٩- التخصص بحيث يكون لديه معرفة متخصصة في فرع من فروع الإعلام (المال والاقتصاد- الرياضة- السياسة-ا لاجتماع(.

١٠- الطموح والكفاءة الإدارية واحتمال الكثافة الإعلامية ومعالجتها بشكل مهني دقيق.

إن مهنة الصحافة مهنة جديرة بالاحترام إن كان منتسبوها يسعون لكشف الحقيقة، وهم يعرفون أن حياتهم قد تنتهي بعد إعدادهم تقريرا ما أو كتابة قصة أو مقال أو تصوير برنامج ما قد يثير غضب الحيتان. ومن باب إسقاط ذلك على الواقع، فقد حاز الصحفي الفلسطيني والعربي بشكل عام على نسبة عالية من متطلبات العمل الصحفي، خاصة فيما يتعلق بالجرأة والغوص في عمق البحر ليستخرج اللآلئ ويكشف سوءة العدو الصهيوني ويفضحه على الملأ، من خلال تغطيته لجرائم الاحتلال التي أكسبته مهارة خاصة في العمل الصحفي، وأستدل على ذلك بالاستهداف الصهيوني لكثير من الصحفيين والمؤسسات الصحفية.

لذا على كل من يرغب بالإنتساب لمهنة المتاعب اختبار نفسه وفق الشروط والمواصفات المذكورة في المقال، والتي جاءت في كتاب "الصحافة في وكالات الأنباء" وفي غيره من الكتب، وإلا فلن يضيف شيئا لعالم الصحافة بل سيكون عبئا عليها.
التعليقات (0)