ملفات وتقارير

"التفاوض على الحدود" هل يكون ممرا يجر لبنان لمربع التطبيع؟

تم تسمية الوفد اللبناني للتفاوض على ترسيم الحدود من قبل رئيس الجمهورية ميشيل عون- جيتي
تم تسمية الوفد اللبناني للتفاوض على ترسيم الحدود من قبل رئيس الجمهورية ميشيل عون- جيتي

رافق انطلاقَ مفاوضات الوفد اللبناني مع الاحتلال الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، جدلٌ داخل الأوساط اللبنانية حول إمكانية أن تشكل هذه المفاوضات مدخلا نحو تطبيع العلاقات بين الجانبين.

هذا الجدل استدعى ردودا وتوضيحات رسمية، أكدت فيها رئاسة الجمهورية اللبنانية على أن التفاوض "عملي وتقني على ترسيم حدود لبنان البحرية، حفاظا على سيادته وثروته الطبيعية على كل شبر من أرضه ومياهه".

وقالت الرئاسة في تصريحها الثلاثاء، قبيل بدء بعملية التفاوض بساعات: "لسنا بصدد معاهدة دولية مع إسرائيل ولا التطبيع ولا الاعتراف".

 

 

 


وتزامن مع انطلاق المفاوضات التي تتم برعاية ووساطة الأمم المتحدة وواشنطن، تصريحات أطلقها حزب الله وحركة أمل تبرز معارضتهما لتشكيلة الوفد اللبناني المفاوض، مطالبين بأن يكون الوفد من العسكريين حصرا وعدم تضمينه بشخصيات مدنية، التزاما باتفاق الإطار الذي أعلنه رئيس البرلمان نبيه بري مطلع الشهر الجاري.

ورفضت الحركتان "الانجرار إلى ما يريده العدو الإسرائيلي من خلال تشكيلته لوفده المفاوض، والذي يضم في أغلبه شخصيات ذات طابع سياسي واقتصادي".

واعتبرتا أن تشكيلة الوفد اللبناني الحالية "تضر بموقف لبنان ومصلحته العليا، وتشكل تجاوزا لكل عناصر القوة لبلدنا وضربة قوية لدوره ولمقاومته وموقعه العربي، ويمثل تسليما بالمنطق الإسرائيلي الذي يريد أي شكل من أشكال التطبيع".

والوفد اللبناني، تم تسميته من قبل رئيس الجمهورية ميشيل عون (من التيار الوطني الحر وحليف للثنائي الشيعي)، وضم أربعة أعضاء، عسكريَّين ومدنيَّين، هم العميد الركن بسام ياسين والعقيد الركن مازن بصبوص، وعضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط، والخبير التقني نجيب مسيحي.

 

 

 


في المقابل، ربط كتاب إسرائيليون بين التفاوض مع لبنان حول ترسيم الحدود كمقدمة والتطبيع، وفق تقارير رصدتها وترجمتها "عربي21".

ومن هذه التقارير ما جاء في مقال آلان بيكر على موقع معهد القدس للشئون العامة والدولة، معتبرا أن "المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية الجديدة، ورغم محدودية الزمان والمكان، فإنها تقدم اعترافا فعليا بإسرائيل، وتتزامن مع توقيع اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي مع دول الخليج العربي".

أما رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء الجنرال غيورا آيلند فعدد في مقاله بـ"يديعوت أحرونوت" منافع المفاوضات على ترسيم الحدود وأن تل أبيب ستتمكن من "تسوية مواضيع أخرى"، مرجحا أنه "لن يكون قريبا اتفاق سلام (شامل) بين إسرائيل ولبنان، لكن كل (خطوة) للتطبيع هي أمر إيجابي".


وتستعرض "عربي21" آراء محللين وخبراء لبنانيين بشأن إمكانية أن تقود المفاوضات حول ترسيم الحدود إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مع الأخذ بعين الاعتبار الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، في أسوأ مرحلة يمر بها منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.

 

"استغلال التفاوض"


من جانبه، يؤيد الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير أن المفاوضات "محصورة" في الجانب التقني المرتبط بالحدود البحرية والبرية، ومن أجل استعادة الحقوق اللبنانية في المناطق المحتلة.


وحول إن كان مبدأ التفاوض يحمل إشارة ضمنية باعتراف لبنان بالاحتلال الإسرائيلي، قال قصير: "هذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها مفاوضات بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي على مسائل تقنية وحدودية، حصلت عدة مفاوضات من أجل استعادة أسرى، أو من أجل تحديد نقاط الحدود كما حصل عقب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، أو عقب العدوان الإسرائيلي عام 2006 من أجل تطبيق القرار الأممي رقم 1701".


ويضيف في حديثه لـ"عربي21" أن "لبنان خلال المفاوضات التي أجريت سابقا لم يعترف بالكيان الصهيوني".

 

اقرأ أيضا: قراءة إسرائيلية في تداعيات مفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان

ويقر بوجود "خلافات" داخل الأوساط اللبنانية حول المفاوضات، لكنها "لا تتعلق بمسألة تطبيع العلاقات مع الاحتلال"، بل هي "خلافات تفصيلية ذات طابع تقني حول طبيعة تشكيلة الوفد المفاوض".

ورغم ذلك، فلا يستبعد المحلل السياسي وجود أطراف (لم يسمها) "قد يكون لديها رغبة في أن تشكل هذه المفاوضات نقلة في تحسين علاقاتها مع الأمريكيين، كونهم يريدون هذه المفاوضات".

وأكد أن المفاوضات والقرار بخصوصها محكوم بسقف الحكومة والسلطات اللبنانية، وهو بحاجة إلى حالة "تضامن داخلي"، و"كلما كان الموقف اللبناني موحدا والوضع السياسي متماسكا كلما نجح في الحصول على نتائج أفضل".

ويقول: "ليس هناك مصلحة لأي طرف في الذهاب إلى مفاوضات واسعة أو تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، هناك رغبة في تهدئة الأمور من أجل معالجة وضع لبنان الداخلي، وإنهاء مشكلة الحدود، أما الذهاب إلى مفاوضات أوسع فهذا يتطلب موقفا سياسيا داخليا متكاملا وهو ليس متوفرا الآن".

وأردف: "موضوع المفاوضات معقد وهو معركة صعبة، ولا أحد يستطيع التكهن بنتائجها، وهذا مرتبط بتوازنات القوى والضغوط والظروف، لكن هناك قرار لبناني واضح بعدم التنازل عن الحقوق والحدود اللبنانية سواء البرية أو البحرية".

ويستبعد أن يكون للأزمات اللبنانية الداخلية دور في إضعاف موقفه التفاوضي، مشيرا إلى أنه "عندما حصل اتفاق 17 أيار عام 1983 كانت ظروف لبنان أصعب وإسرائيل محتلة للبنان، رغم ذلك المقاومة فرضت أجندتها وتم تحرير لبنان ليس بالمفاوضات ولكن بالمقاومة".

 

"الاحتلال يريد التطبيع"

ويتفق الخبير العسكري والاستراتيجي العميد أحمد تمساح مع أن ما يريده الاحتلال الإسرائيلي في النهاية هو "التطبيع مع لبنان"، وبدا ذلك واضحا من تشكيلة الوفد الإسرائيلي، الذي ضم جميع الاختصاصات.

لكنه يشدد على أن "الموقف الرسمي اللبناني للضباط الذين يقومون بالتفاوض بالاقتصار على الجانب التقني، وعدم الخوض بأي تفاصيل تؤدي إلى التطبيع. وهذا القرار واضح ومدعوم من جميع اللبنانيين".


ويشير في حديثه لـ"عربي21" إلى أن بيان حزب الله وحركة أمل المعارض لتشكيلة الوفد اللبناني، يحتوي على "رسالة إلى الجانب الإسرائيلي بأن هذا الوفد لديه تعليمات من كل شرائح المجتمع اللبناني في الجانب التقني فقط".

 

اقرأ أيضا: انتهاء أولى جولات مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال

ويقول تمساح: "هناك تهديد جدي في حال أخذت هذه المفاوضات طريقها إلى التطبيع سيتوقف التفاوض".

ويعتقد أن "لبنان يدخل في التفاوض حول ترسيم الحدود، لأنه بحاجة لإخراج البلد من أزماته، ولكي يثبت حقوقه النفطية التي لا يمكنه التنازل عنها".


أما عن مبدأ التفاوض، فينبه تمساح إلى أنه "يسحب الذرائع من الاحتلال الإسرائيلي من أن لبنان لا يريد تثبيت حقوقه في الثروات البحرية، وبالتالي يبرر لنفسه القيام باستباحتها".

ويضيف: "عندما قبل لبنان بالترسيم لأنه يريد أن يثبت حقوقه، وهنا يفهم سبب رعاية الأمم المتحدة لهذا التفاوض".

ووجود وساطة الأمم المتحدة "يحصن" الحقوق اللبنانية، و"يحيد استغلال المشاكل الداخلية الكبيرة من أجل الضغط على لبنان كي يتنازل عن هذه الحقوق"، كما جاء في حديث العميد العسكري.

 

وأعلن لبنان والاحتلال الإسرائيلي بداية تشرين الأول/أكتوبر الحالي، التوصل إلى تفاهم حول بدء مفاوضات برعاية الأمم المتحدة في مقرها في مدينة الناقورة الحدودية، في خطوة وصفتها واشنطن بأنها "تاريخية" بين دولتين في حالة حرب.

 
التعليقات (0)