كتاب عربي 21

هل تساهم المخططات السعودية في إسقاط مأرب؟

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
تتصدر محافظة مأرب هذه الأيام المشهد اليمني بامتياز باعتبارها هدفا ذي أولوية لعملية عسكرية شاملة ينفذها الحوثيون منذ نحو شهرين، بهدف السيطرة على المحافظة، حيث يعيش أكثر من مليونين ونصف مليون إنسان، منهم اللاجئون ومعظمهم اختار المرابطة في هذه المحافظة صوناً لكرامته، ورغبة في الدفاع عن وجوده ودولته عبر هذه الجبهة العتيدة.

لا ينبغي أن يستسلم المرء للتشاؤم، لكن مؤشرات المعركة خطيرة للغاية، وقد تفضي إما إلى هزيمة مقاتلي الحوثي واندحارهم وربما نهاية مشروعهم، وإما ستوضع السعودية، وهي القوة الإقليمية الكبيرة، أمام تحدي الهزيمة مهما حاولت أن تظهر في صورة المتحكم بمآلات المعركة الدائرة في اليمن، أخذا بعين الاعتبار أن هذه التطورات تتزامن مع الذكرى السنوية السادسة لانقلاب الحوثيين في صنعاء.

ليس لدي أدنى شك بأن السعودية تفقد السيطرة في اليمن، وإن ادعت عكس ذلك. فقبل ثلاثة أسابيع أُقيل الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز من منصبه كقائد للقوات المشتركة، والذي كان يشرف بشكل كامل على التدخل العسكري لبلاده في اليمن ويتحكم بكل مجريات المعارك الدائرة في البلاد، وإليه وإلى الشركاء الإماراتيين نُسبت سياسة تقنين المواجهات العسكرية للجيش الوطني مع العدو، واستهداف التقدمات العسكرية لهذا الجيش، وانتهاء بمنع الإمدادات عنه وعن المقاومة، وحرمانهما من المرتبات والمستحقات القانونية المقررة للمقاتلين.

الحكايات التي رواها القادة العسكريون والمسؤولون اليمنيون وحتى وجهاء العشائر قبل إقالة هذا الأمير وبعدها، مثقلة بالانطباعات السيئة والذكريات المشوبة بالمرارة من سلوكه ومواقفه التي عكست حقيقة الموقف السعودي المحتقن تجاه الحلفاء قبل الأعداء.

وبما أن مأرب ساحة اختبار مهمة لمواقف هذا الأمير، فقد أثبت أنه كان أحد العوائق الرئيسية أمام تحصين مأرب، إلى حد أن إقالته ربما ارتبطت في جانب من أسبابها بمحاولة إغراق ولي العهد في اليمن للحيلولة دون تحقيق هدفه بتولي عرش المملكة، في إطار صراع الأجنحة التي تشهدها العائلة المالكة السعودية في هذه المرحلة.

وهكذا ساهمت سياسة الأمير فهد بن تركي قبل إقالته في تقليص هامش المناورة وتعميق اليأس لدى المحيط القبلي لمأرب، وربما تحريضهم على الجيش الوطني وعلى حزب الإصلاح، مما سهل على الحوثيين مهمة شراء ولاءات قيادات قبلية عديدة في الجبهة الجنوبية الغربية لمأرب، حيث تنتشر قبيلة مراد، الأمر الذي عمق المخاوف من أن تؤدي المعارك إلى التضييق على مدينة مأرب، إذا لم يحدث تحول جوهري في مستويات الدعم المقدم للجيش هناك.

لذا يمكن اعتبار تقدم الحوثيين البطيء باتجاه مأرب، ثمرة انتهازية معتادة من شيوخ القبائل، ونهجا سعوديا يشكل مزيجاً من حقد أصيل وتذاكٍ مفضوح وتصفية حسابات، ليس مع الأعداء بل مع الحلفاء الإسلاميين المخلصين الذين ساهموا بسذاجتهم وإيمانهم بالنموذج السعودي؛ في تمرير الأجندة السعودية المعادية للجمهورية وللديمقراطية وللتغيير في اليمن الجمهوري طيلة العقود الماضية.

مؤشرات الأسابيع الماضية تبرهن على أن الضربات الجوية للطيران السعودي باتت أكثر دقة في حصد الأهداف العسكرية، وهو الأمر الذي حوّل معارك الحوثيين في محيط مأرب إلى محرقة حقيقية لمقاتليهم وقادتهم الذين تجاوز عدد من قتل منهم 300 قتيل، بينهم عشرات القادة من حملة الرتب الكبيرة.

حتى الآن لا يمكن التيقّن من أن تكليف الفريق الركن مطلق بن سالم بن مطلق الأزيمع، نائب رئيس هيئة الأركان العامة، للقيام بقيادة القوات المشتركة، هو السبب وراء الفعالية اللافتة للطيران وتدخلاته العملياتية، ولا يمكن إنكار أن تطوراً ما قد حدث.

لكن يبقى الإطار السياسي الذي جرى رسمه بعناية بشأن التطورات المتصلة بمارب مثيراً للشكوك، فالمبعوث الاممي بدأ يتحدث عن المآلات الحتمية لمعارك مأرب والتي قد تفضي إلى "سقوط المدينة"، الأمر الذي "سيقوّض آمال انعقاد عملية سياسية شاملة للدخول في مرحلة انتقالية تقوم على الشراكة والتعددية"، وهو توجه التقطته السعودية على الفور، وأطلقت إثر  تصريح غريفيث العنان لأدواتها السياسية والإعلامية لتعويم المسؤولية عما يجري في مارب وإحالتها إلى المجتمع الدولي.

 للسعودية مصلحة في التحلل من مسؤولياتها تجاه السلطة الشرعية القابعة في الرياض، وفي المضي قدماً نحو خلق وقائع ميدانية، تفضي إلى انفصال الجنوب عن الشمال، والذي لن يبرره سوى سقوط مأرب الذي سيعني السقوط التلقائي للسلطة الشرعية، ما قد يمهد للبحث في تثبيت الوقائع الجديدة، مع استعداد كامل لتحصين الانفصال بكل إمكانيات الصمود الذي يوفره الانتشار العسكري الكبير للقوات السعودية في عدن والمهرة إلى جانب التدخل الجوي، وحينها لن يكون الحل المفضي إلى الشراكة الوطنية متاحاً كما حذر غريفيث.

إنه سيناريو شديد السواد بكل تأكيد، لكنه لا يهدد مصير مأرب والدولة اليمنية فقط، بل وينذر بنهاية مخزية ومذلة للانتفاشة السعودية في اليمن، حتى وإن جاءت محصلة خطط ماكرة ومؤامرات سافرة كالتي نراها أمام أعيننا اليوم.

ومن زاوية أخرى، فإن سيناريو إسقاط مأرب كما حدث لصنعاء قبل ذلك، إن حصل، فقد يتسبب في أهم التحولات الجوهرية المحتملة للمسار النضالي لليمنيين، الذين سيتحررون من هيمنة السعودية والإملاءات الخارجية، وسيتحركون على أرضية وطنية صلبة، منافحين عن المشروع الوطني من أعدائه الإماميين والانفصاليين والإقليميين معاً.

وستكون الفرصة متاحة لتأسيس واقع آخر متصل بأشكال متعددة من الدعم الذي تعد به سنة التدافع الكونية، حيث لا يمكن للأشرار أن يقرروا مصير المعركة ويقتسموا غنائمها، دون أن تتاح الفرصة للأخيار لقول كلمتهم النهائية في معركة تخصهم أكثر من أي طرف آخر في هذا العالم.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (1)
عبده اليمني
الإثنين، 21-09-2020 09:47 ص
قال تعالى: ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) وقال (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) سيرد الله كيدهم في نحورهم، وهم الآن يدفعون ثمن تأمرهم على اليمن، فلا يوجد إجراء قاموا به ضد اليمن واليمنيين إلا أنعكس عليهم وصار وبالا عليهم. سيشربون من نفس الكاس والأيام بيننا والتاريخ سيسجل كل ذلك.