قضايا وآراء

هل هو شرق أوسط جديد؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظة توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل؛ بأنها لحظة "بزوغ فجر شرق أوسط جديد"، على اعتبار أنها تشكل نهاية الانقسام والصراع في المنطقة، وتحيل إلى واقع مختلف يسوده الاستقرار والازدهار.

مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" جرى استخدامه في العقود الأخيرة في مناسبات كثيرة وبظروف مختلفة، وفي كل هذه المرّات تعثّرت ولادة هذا الشرق، وبقي مجرد أمنيات، أو سراب هيأته الصحاري الممتدة بلا أفق على هذه البقعة الجغرافية الموعودة دائما بالفوضى والقلاقل.

في عام 2006، وعلى وقع الحرب الإسرائيلية على لبنان، أطلقت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية آنداك، مفهوم الشرق الأوسط الجديد، الذي رأت أنه يولد مع هدير الطائرات الإسرائيلية المغيرة على لبنان. وكان هذا الشرق الذي تقصده يعني نهاية أي مقاومة للمشروع الأمريكي في المنطقة، على اعتبار أن جذور هذه الفكرة بدأت مع الاحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين، في حينها، بدأت إدارة الرئيس جورج بوش الابن، بإعداد ورشة تهدف إلى إجراء تغييرات عميقة في البنى الاجتماعية والسياسية والأنظمة القانونية لبلدان الشرق الأوسط، لتسهيل عملية تحوّل هذه البلدان إلى النمط الأمريكي في الاقتصاد والثقافة والسياسة.

كانت أمريكا في حينها لا زالت منتشية بالخلاصات التي وصل لها صموئيل هنتغتون، بنهاية التاريخ وسيطرة الليبرالية، التي أصبحت خياراً وحيداً، وتحديداً النموذج الأمريكي، ستجد البشرية نفسها مضطرة لاتباعه وتمثل قيمه. لا أحد يستطيع تحديد لحظة أفول هذه الفكرة وموت الشرق الذي بشّرت به.

وعندما انطلقت ثورات الربيع العربي، وكسرت الشعوب حواجز الخوف، وعبرت عن شوقها للحرية، التي هرمت وهي تنتظر لحظة قدومها، راح الكثيرون، وخاصة في الغرب، إلى إطلاق صفة "الشرق الأوسط الجديد" الذي سيولد على جثة الأنظمة الدكتاتورية التي عفى عنها الزمن، وفي لحظتها، بدت ولادة الشرق الجديد أمراً طبيعياً، ونهراً جارفاً لن تستطيع أي قوّة الوقوف أمامه.

في حينها أيضاً، استنفرت المجتمعات بكامل قوامها، وبمختلف فئاتها وقطاعاتها، للانتقال إلى مرحلة جديدة من صنعها هي، بخلاف نمط الدول والقيم والأيديولوجيات والمعايير التي سادت على مدار عقود، بل قرون سابقة، حينما كان كل شيء قادما من الخارج، أو مفروضا من قبل قوى وكيلة للخارج، حتى لو ادعت محاربته ومقاومته. لكن الشرق الموعود، جراء الثورات، تعسرت ولادته، وجرى لاحقاً إجهاضه، نتيجة تضافر قوى الثورة المضادة مع الظروف الموضوعية التي تكرست على مدار قرون.

ودون انتظار سنوات طويلة لفحص ما إذا كان وعد ترامب بشرق أوسط جديد مختلفاً عما سواه، يكاد الأمر يكون معروفاً من أوله، فالشرق الأوسط ما زال غارقاً بدمائه، ولا زالت الحروب والنزاعات والصراعات هي العنوان الأساسي له، وكل ما تنتجه هذه المنطقة من أحلاف وصفقات ومساومات تأتي في هذا السياق الصراعي الملتهب، كما أن الشرق مقسّم بين أحلاف تتنافس فيما بينها بشراسة وتذهب بخلافاتها إلى طريق اللاعودة.

الأهم من ذلك، أن جوهر الصراعات وأساساتها لا يلقى حلولا ولا تسويات تمهد لإطفاء نيران الصراعات، لا في فلسطين ولا في سوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن أو ليبيا، فكيف سيبزغ هذا الفجر وشعوب هذه البلدان لا زالت بين قتيل ولاجئ ومشرد؟ في الأصل ليست بين إسرائيل والنظام الرسمي العربي حروب ولا شبه حروب، وباستثناء الحرب على غزة، تبدو جميع الجبهات هادئة، حتى بدون اتفاقيات تطبيع وسلام، ولولا مشروع إيران الجيوسياسي وطموحات إيران، التي لا علاقة لها بخلاص الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي، لكانت حدود فلسطين المحتلة أكثر الحدود هدوءاً في العالم.

لن يبزغ فجر الشرق الأوسط ما دام بين ظهرانيه شعوب معذّبة، شعوب يتم انتزاعها من أوطانها، أو يتم سحب أوطانها من تحت أقدامها. وللمفارقة، تشهد المنطقة من فلسطين إلى ليبيا، وما بينهما سوريا والعراق ولبنان واليمن، أكبر موجة تهجير في العصر الحديث، ملايين البشر يتم انتزاعهم من أوطانهم، ملايين الأطفال يتامى وخارج النظام التعليمي، ملايين الشباب بدون عمل ولا تأهيل، مع هؤلاء، وفي ظل استمرار سياسات الإقصاء والقهر، سيبقى الشرق الأوسط موعوداً بطوفانات من النيران التي لن تطفئها الأوهام ولا الوعود المغرضة.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)