قضايا وآراء

هل انتهي الصراع العربي الإسرائيلي حقا؟

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
نشر غاري غامبيل مقالة في 6 أيلول/ سبتمبر 2020 في "Middle East forum"، وقال إن الصراع العربي الإسرائيلي قد انتهي بمجرد توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والإمارات. فقد كان الصراع مع إسرائيل في نظره قائما بسبب مصر وبسبب احتلال إسرائيل لأراضي الأردن ومصر، ولكنهما وقعا معاهدة السلام مقابل المعونات الأمريكية وإعادة الأراضي المحتلة.

وكانت الدول العربية مجمعة منذ 2002 على أن الاعتراف بإسرائيل يتم مقابل إعادة الأراضي المحتلة وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. أما الإمارات فيرى أنها توجت التقارب السري باتفاق السلام بلا مقابل؛ لأن إسرائيل لم تحتل أرضها ولم تدخل في حرب معها. وأكد أن الفضل يعود لواشنطن في اختراق إسرائيل للعرب.

ولكن الكاتب لم يوضح أسباب استمرار معاهدات السلام بين مصر والأردن من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى، وأهم سبب هو استمرار هيمنة واشنطن على حكام ومقدرات المنطقة وتسخيرها لهيمنة إسرائيل، ودفعهم إلى توسيطها لدى واشنطن لترضى عنهم.

وفي مرات سابقة أفصح الكتاب في إسرائيل عن السبب الحقيقي لانعدام الحروب بين إسرائيل ومصر، وهو قوة إسرائيل وإخضاعها لكل العرب لها بالقوة، وهم يعلمون جيدا أن إسرائيل تسيطر عسكريا عليهم جميعا. ولذلك فإن قوة إسرائيل هو الضمانة الأساسية لاختراق إسرائيل وهيمنتها على العرب، كما أن هذه القوة هي مصدر الأمان للمواطن الإسرائيلي، ولو تزعزعت هذه القوة لفر كل سكان إسرائيل إلى الجهة التي وفدوا منها.

والطريف أن حزب الله هو الذي يفهم هذه المعادلة وليس القوات العسكرية النظامية للعرب، والتي ورطتها إسرائيل في عمليات استنزاف طويلة لتأكل بعضها وتبقي على إسرائيل، وتكتفي إسرائيل بإشعال الساحات العربية والإشراف على المحارق العربية، وتلك ضمانة أخرى لفناء العرب وبقاء إسرائيل.

فهل اعتراف الإمارات بإسرائيل هو الذي أنهى الصراع العربي الإسرائيلي؟

الحقيقة أنه لم يقع صراع في أي يوم بين العرب وإسرائيل، وإن فكرة الصراع العربي الإسرائيلي خرافة ابتدعتها إسرائيل، فالعرب ليسوا حزمة واحدة، كما أن بعض العرب أعانوا إسرائيل على بعض العرب، كما تآمروا على فلسطين حتى قبل قيام إسرائيل بعقود.

وتأمل معي قصيدة الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود الذي استقبل الوفد السعودي برئاسة الأمير (حينها) سعود بن عبد العزيز عام 1935، في حادث الصراع بين الفلسطينيين واليهود حول حائط البراق (الذي يسميه اليهود حائط المبكى)، فخاطب الأمير بقوله:

يا ذا الأمير أمام عينك شاعر

ضمت على الشكوى المريرة أضلعه

المسجد الأقصى أجئت تزوره

أم جئت من قبل الضياع تودعه

فلا كان هناك صراع أو حروب وإنما سرطان صهيوني يعتدي بشكل منتظم على كل الدول العربية تقريبا، حتى يشيع الرعب والخوف، فيفقد العرب الأمل في عدائها. نعم هناك عداء مرير لكن عند الشعوب، وكلما ازداد قهر إسرائيل للنظم العربية ازداد قهر الحكام لشعوبهم ودفعوهم إلى حب إسرائيل، وربطت الشعوب بين إسرائيل وكل خطط التخلف والاستبداد والفساد في المنطقة.

ونسجل هنا أن المنطقة تشهد الفصل الأخير للصهيونية والمتصهينين العرب الذين ظنوا أن القهر أفنى الشعوب، ولكن الشعوب لا تفنى وإنما سنشهد يوما تزيح فيه السرطان والشوارد الحرة العربية الحاضنة للسرطان.

إنها معركة الوعي واستعادة العقل للمحافظة على البقاء، وقد قرر الكاتب غاري غامبيل أن مؤسسة زغبي لقياسات الرأي العام العربي وأحدثها في أيلول/ سبتمبر 2019، سجلت انصرافا كاملا من المواطنين العرب عن الشأن الفلسطيني، وإن بقي تعاطفهم مع محنتهم، ومشاعر العداء لإسرائيل.

واستدل الكاتب على سلامة الاختراق الإسرائيلي أن المسلحين في سوريا ضد الحكومة انصرفوا عن القضية، وكذلك ثوار ليبيا ومصر 2011، ولاحظ أن الشعارات ضد إسرائيل كانت نادرة. ولكنه فهم خطأ مدلول ذلك، فالعداء لإسرائيل والرغبة في إنصاف وتحرير الفلسطينيين كانت مرتفعة، ولكن الثوار ركزوا على إزاحة النظام المتحالف مع إسرائيل ولم يتعرضوا لإسرائيل حتى لا تحبط أمريكا الثورة. وأنا أذكره بما حدث في مصر عندما تسلق الشباب العمارة التي تسكنها السفارة الإسرائيلية بجوار كوبري جامعة القاهرة في الجيزة، وأحرقوا علم إسرائيل وبعثروا محفوظاتها ووثائقها، ففر السفير الإسرائيلي ولم يعد إلا بعد أن ضمن أن الثورة قد أجهضت. وكان الحادث سببا مباشرا في تدخل الرئيس أوباما لدى رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي لوقف هذه المظاهر المعادية.

وفي السابع من أيلول/ سبتمبر 2020 كتب المتطرف دانيال بايبس أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قد انتهى بهزيمة العرب والفلسطينيين، وساءه تحدي حنان عشراوي لهذه النغمة، وزعم أنها تعهدت بإزالة إسرائيل وإبادة اليهود، وهذه من أكاذيبهم والتي يسمونها معاداة الصهيونية.
التعليقات (0)