قضايا وآراء

"ترامب vs بايدن".. مآلات ماراثون البيت الأبيض على دور شرطي الشرق الأوسط

آلاء زارع
1300x600
1300x600
تكمن معضلة العلاقات الأمريكية مع كافة مكونات الشرق الأوسط في تباين الغايات الأساسية لدى طرفي المعادلة، ما بين محاولات القبض على كافة خيوط المشهد في تلك البقعة المتوترة دائما من العالم، (وهي رؤية تبدو ملتبسة وترتبط دوما بالنزوع إلى تحجيم الدور العربي وضمان مساحة كافية من التباعد الآمن بين الأشقاء)، وبين تحركات حثيثة من أجل الحصول على مباركة واشنطن والعيش تحت ظل الرغد الأمريكي، الاقتصادي والعسكري والسياسي، وهو تطلع افتقد إلى البصيرة في ظل عدم فهم ما بين سطور أجندة البيت الأبيض في المنطقة.

ومن رحم التشابك والتخبط على عتبات القوى العظمى، رجحت كفة أمريكا في احتكار الواقع السياسي العربي وتسيير الأمور على نحو يصب في خانة مصالح واشنطن، بغض النظر عن دوافع الثروة أو النفط، وهي العلاقة التي انعكست مع الوقت على الجانب الأمريكي، حتى بات العبور إلى البيت الأبيض في كثير من الأحيان يمر عبر بوابة الشرق الأوسط.

ومع بداية العد التنازلي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، عاد الشرق الأوسط ليتصدر المشهد من جديد في صراع الاستقطاب المستعر بين الرئيس الحالي دونالد ترامب، والمنافس العجوز جوزيف بايدن، على إيقاع تصريحات تستهدف دغدغة مشاعر الناخبين في الداخل، وتستجدي الدعم وتكوين التحالفات في الخارج.

ولعبت تلك البقعة المتوترة في قلب العالم دورا حيويا في ولاية ترامب الأولى، حيث ساهمت في تثبيت أركان الرئيس الحالي أمام عواصف سحب الثقة وفضائح التلاعب الروسي بالانتخابات الفائتة، وحقيقة انخراطه في علاقات غامضة مع موسكو، وغيرها من الهزات. وفي المقابل، غض "الشرطي الأمريكي" الطرف عن الكثير من الانتهاكات الصارخة التي عجت بها بلدن الشرق الأوسط.

رهان ترامب لم يقف عن حدود الجانب العربي من الشرق الأوسط، وإنما وقف أيضا في خانة إسرائيل بكل قوة، من خلال توفير الدعم الكامل لتل أبيب في ملفات حيوية ظلت لسنوات طوال حبيسة الأدراج، وعلى رأسها، الموافقة على نقل العاصمة إلى القدس، والتغاضي عن ضم الجولان، ومحاولة تمرير صفقة القرن، وغيرها من الصفقات المعلنة وغير المعلنة على أنقاض القضية الفلسطينية.

السباق إلى البيت الأبيض

ترامب (72 عاما)، اعتمد في محطات متعددة من ولايته الأولى على الشرق الأوسط، وخاصة الجانب الخليجي منه، لإنعاش ملف الاقتصاد، مستندا على صفقات بمئات المليارات عقدها مع حلفائه، واستفاد كثيرا من توتر العلاقة بين مكونات الخليج، لتعظيم المداخيل من سباق التسليح بين الجانبين.

وعاد دونالد لدغدغة مشاعر الشرق الأوسط من جديد، لتقوية فرصه في الفوز بولاية ثانية، خاصة مع تردي الأوضاع الأمريكية بعد تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، وما صاحبها من نزيف اقتصادي حاد على مستوى العالم وأزمة أسعار النفط، وبينهما مظاهرات غاضبة بسبب انتشار وباء العنصرية في الداخل، والذي طفا إلى السطح مع مقتل المواطن جورج فلويد.

ولم يكن غريم ترامب في السباق الرئاسي، جو بايدن (76 عاما)، بعيدا عن المشهد، حيث حاول هو الأخر استغلال هذه الفرصة الذهبية من أجل تغيير قواعد اللعبة، آملا في تحسن فرصه في الفوز وإخراج الرئيس الحالي من البيت الأبيض في الانتخابات التي ستجرى بعد أشهر قليلة.

ويدرك المتنافسان على معقد المكتب البيضاوي أن أوراق السياسة الخارجية، لا تقل أهمية عن نظيرتها في الداخل لمحاولة استقطاب الناخبين. وهنا لا توجد ورقة أكثر ربحا مما تشكله الأوضاع الحقوقية والحريات والتعبير عن الرأي في الشرق الأوسط، كورقة ضغط على الرأي العام.

ومع تصريحات الثنائي الباحث عن كرسي الحكم، بات جليا أن الصراعات الإقليمية تجذب المتنافسين جنبا إلى جنب من أزمات الداخل الأمريكي، لذا لم يتردد "جو" في محاولة تسديد لكمات للإدارة الحالية بالتهكم على غض طرف ترامب عمّا وصفها بـ"الانتهاكات التي ترتكبها الأنظمة السياسية الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط".

شرطي حقوق الإنسان المعطل

تصريحات نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والمرشح الديمقراطي للرئاسة، بشأن حالة حقوق الإنسان بمصر، على سبيل المثال، أثارت ردة فعل واسعة، خاصة فيما يتعلق بالهجوم على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورفض منح القاهرة "شيكا على بياض"، منتقدا سجل حقوق الإنسان المتردي هناك.

وفي تموز/ يوليو الماضي، فاجأ بايدن، عبر حسابه الموثق على موقع "تويتر"، الرئيس المصري بتعليق على وصول المواطن الأمريكي ذي الأصول المصرية، محمد عماشة، لمطار دالاس بولاية فيرجينا، بعد اعتقاله لأكثر من عام في القاهرة، بسبب حمل لافتة في ميدان التحرير مكتوب عليها "الحرية لجميع السجناء".

وكتب بايدن: "أخيرا عاد عماشة إلى وطنه بعد 486 يوما في السجن المصري، لحمله عبارة احتجاج. إن اعتقال وتعذيب ونفي النشطاء، مثل سارة حجازي ومحمد سلطان، أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول، لا مزيد من الشيكات على بياض للدكتاتور المفضل لترامب".

منشور بايدن، عكس استهداف أحد تحالفات ترامب المتينة في الشرق، معبّدا طريقه إلى البيت الأبيض على أنقاض "شهر العسل" بين واشنطن والقاهرة، والعودة إلى مربع الأزمات بين الجانبين، والذي تراجع كثيرا عقب وصول ترامب إلى السلطة خلفا لباراك أوباما.

وعلى الرغم من عدم كشف "جو" عن مواقف محددة تجاه الشأن المصري خلال السنوات الأخيرة، باستثناء منشور مماثل قبل ستة أشهر، وتحديدا في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، تعليقا على وفاة مصطفى قاسم، المواطن الأمريكي من أصل مصري في محبسه بالقاهرة.

الحقيقة والمزايدات الانتخابية

وأعلن المرشح الديمقراطي مبكرا عن التحول المتوقع في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط خاصة، بعدما صرح العام الماضي بأن "القيم الأساسية لهذه الأمة ومكانتنا في العالم وكل ما جعل من أمريكا أرض الحرية والديمقراطية؛ في خطر كبير الآن تحت رئاسة ترامب".

وعلى الرغم من احتمالية تصنيف تلك الكلمات تحت "شعارات انتخابية"، إلا أنه يوثق أيضا التباين بين الجمهوريين والديمقراطيين في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، دون أن تذهب بعيدا خارج إطار المزايدة السياسية، كما صنفَّها الكثير من معارضي النظام المصري.

ولم يتجاهل بايدن تدهور حقوق الإنسان في السعودية، حيث يميل المرشح الديمقراطي إلى توجيه انتقادات حادة إلى الرياض من وقت إلى آخر، خاصة بعدما طالب بضرورة "إعادة تقييم" الدعم الأمريكي للسعودية، في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والحرب التي قادتها السعودية في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان. 

وهنا سقط بايدن في فخ التناقض، حيث دعم تدخل السعودية في اليمن خلال وجوده في الإدارة السابقة، إلا أنه اليوم يطالب بإنهاء مشاركة واشنطن في "الصراع الذي لا يمكن الفوز به"، مشددا على أنه سيُوقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة، وسيعامل الرياض على أنها "منبوذة" على المسرح العالمي.

التناقض الفج في الملف الإسرائيلي

انتقال بايدن إلى طاولة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كشف عن تناقض فج في موقف المرشح الديمقراطي الذي حاول إمساك العصا من المنتصف، بيد أن المواقف السابقة والاستماتة في الدفاع عن إسرائيل، حالت دون تحولات جذرية في توجه نائب الرئيس السابق في هذا الملف المتوتر.

وعلى مدار 45 عاما، منذ انخراط "جو" في السياسة الأمريكية، سواء في منصب نائب أوباما أو قبلها كسيناتور في مجلس الشيوخ، منذ عام 1973 وحتى 2009، كشف بوضوح عن تأييده ودعمه الكامل لإسرائيل، رغم ما تشهده الأراضي المحتلة كثيرا من انتهاكات من الجنود الإسرائيليين، وكذلك من اقتحام بعض المتطرفين من المستوطنين اليهود للمقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية.

ووصف بايدن نفسه بأنه صهيوني ومؤيد قوي لإسرائيل طوال حياته السياسية، معربا عن التزامه "الصارم" بأمن إسرائيل.

غير أن بايدن حاول أن يقدم وجها محايدا بدعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن مع إبقاء السفارة الأمريكية في القدس، بعد أن نقلها ترامب إلى هناك في 2018، معتبرا أن نهج منافسه الجمهوري الأحادي، جعل الوصول إلى تسوية على أساس الدولتين أكثر صعوبة.

وأكمل "جو" لعبة المتناقضات، مطالبا إسرائيل بأن توقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وأن تقدم المزيد من المساعدة لغزة، كما دعا القادة الفلسطينيين لوقف ما وصفه بـ"تمجيد العنف"، وحث الدول العربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وانتقد حركة المقاطعة لإسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهي المبادرات العالمية التي تسعى إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل، معتبرا أن تلك الممارسات "تنحرف إلى معاداة السامية".

حلفاء الشرق الأوسط

ورغم انخراط الرئيس الأمريكي الحالي، في خلافات حادة على عدة جبهات، تبقى معارك الشرق الأوسط، ولا سيما المتعلقة منها بمنطقة الخليج، تشغل الحيز الأكبر من حسابات المرشح الجمهوري، خاصة وأنها تمثل في عقيدة ترامب "البقرة" التي تنتج الذهب.

وعمل ترامب خلال فترة رئاسته على مدار السنوات الأربع الماضية؛ على توطيد علاقات البيت الأبيض ببعض الدول العربية والأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، على رأسها إسرائيل والسعودية ومصر والإمارات والبحرين، ومن خلفها قطر.

ووثق ترامب هذا التوجه، بتخصيص أول زيارة رسمية بعد الوصول إلى السلطة، إلى المملكة العربية السعودية التي مكث فيها يومين ثم توجه منها إلى مطار بن جوريون في تل أبيب التي أعلن منها نقل سفارة واشنطن بها إلى القدس المحتلة، وتمكن من تشكيل ما يشبه بمحور مقاومة ضد النظام الإيراني، الذي فرض عليه عقوبات اقتصادية كبيرة.

في المعسكر الديمقراطي تبدو الحسابات على الورق مختلفة، حيث انتقد بايدن قيام الإدارة الحالية باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد لواء فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي كان يوصف بـ"أقوى رجل عسكري في إيران"، كما وجه انتقادات كثيرة لكل من السعودية ومصر، ما تسبب في تسلل شعور بالقلق لدى كل من النظامين الحاكمين في البلدين، تخوفا من فوز جو بايدن في مواجهة دونالد ترامب.

يمثل المشهد في مجمله حالة من الالتباس والتناقض، في ظل محاولات ثنائي الصراع نحو البيت الأبيض لتحريك قطعة حيوية على رقعة الشرق الأوسط، لا لحلل تشابك وتعقيدات ربما هي بالأساس نتاج سياسة أمريكية متعمدة، إذا ما تعلق الأمر بصراع فلسطيني- إسرائيلي، أو انقسام خليجي حاد، أو انشقاقات مستترة في الأسرة الحاكمة السعودية، أو توترات خانقة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، إلى جانب ملف حقوق إنسان ينطوي على ممارسات طالما غضت واشنطن الطرف عنها من أجل مصالح ضيقة.. لذا يبدو الطريق إلى الرئاسة يمر عبر بوابة الشرق.
التعليقات (0)