كتاب عربي 21

ماذا لو حصلت الإمارات على مقاتلات "أف-35"؟

علي باكير
1300x600
1300x600

في 13 آب (أغسطس) الحالي، تمّ الإعلان عن توصّل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما برعاية الرئيس الأمريكي ترامب. وبموازاة ذلك، سرعان ما انتشرت أخبار تفيد بأنّ الجانب الأمريكي سيكافئ الإمارات على هذه الخطوة من خلال بيعها مُقاتلة (أف-35) المتعدّدة المهام والتي تعتبر المقاتلة الشبحيّة الأحدث في العالم. 

 

إسرائيل ترفض الصفقة

على الفور، سارع الجانب الإسرائيلي إلى نفي هذه الأخبار مُجدداً ورفضه حصول أبوظبي على هذه المقاتلات بالرغم من تطبيع العلاقات بينهما، ومؤكداً في نفس الوقت على أنّه لا يوجد أي رابط بين الموضوعين وأنه لم يقدّم أي موافقة علنية أو ضمنية لحصول مثل هذا الأمر. وبالرغم من وضوح الموقف الإسرائيلي في هذا الجانب، إلا أنّه اضطر إلى تكراره عدّة مرات خلال اليومين الماضيين، وهو ما يثير تساؤلات عن السبب المحتمل.

مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي كان قد أصدر بياناً أشار فيه إلى أنّ نتنياهو "اعترض على بيع طائرات أف-35 وأسلحة متطورة أخرى لأي دولة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول العربية التي عقدت السلام مع إسرائيل، وأن الاتفاق الأخير الذي رعاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يتضمن أي شيء من هذا النوع"، مضيفاً أنّ "الولايات المتّحدة تعهّدت بأنّها ستحافظ على التفوّق النوعي العسكري لإسرائيل في المنطقة". بدوره أكد عوفير جندلمان، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية على أنّ الاتفاق لم يتضمن موافقة إسرائيلية على بيع مقاتلات (أف-35) إلى الإمارات

وزير الاستخبارات الإسرائيلي نفى كذلك أنّ يكون هناك أي تغيير في سياسة إسرائيل التي تستند إلى معارضة تل أبيب بيع أسلحة متطورة إلى دول عربية تماماً، ومثله قال وزير الدفاع بيني غانتس، إنّ أي اتفاق سلام لا يجب أن يعرّض أمن إسرائيل للخطر وإنّه يجب أخذ المسؤولية الأمنية لإسرائيل بعين الاعتبار وإنه سيحرص على ذلك. 

زوبعة الردود الرسمية الإسرائيلية هذه جاءت بعد اتهامات من قبل الصحافة الإسرائيلية وبعض المناوئين لنتنياهو تقول بأنّ الأخير وافق ضمنياً على حصول أبوظبي على مقاتلات (أف-35) المتطوّرة كمكافأة لها. لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي ردّ على هذه التقارير والمعلومات بوصفها "أخبارا كاذبة"، وقال في مقطع مصوّر إنّه لم يوافق على مثل هذا الأمر لا كتابة ولا شفاهة ولا بشكل رسمي أو ضمني.

هناك تفسيران لرد الفعل الإسرائيلي: الأوّل يتعلّق بالحسابات السياسية والأمنيّة الداخلية الإسرائيلية. رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد أن يظهر بمظهر الذي اشترى موافقة الإمارات بصفقة عسكرية لأنّ ذلك من وجهة النظر الإسرائيلية لا يتعلق بشخصه وإنما بأمن إسرائيل، إذ إنّ واحداً من الثوابت التي تأسست منذ إنشاء العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية هو الحفاظ على التفوّق النوعي العسكري لإسرائيل في المنطقة. السماح بكسر هذه القاعدة يعني أنّ هناك دولا عربية أخرى ستسعى للحصول على نفس الشيء وهو الأمر الذي سيهدد المعادلة العسكرية الراسخة منذ عقود طويلة والتي سمحت دوماً بتفوّق إسرائيل على دول المنطقة.

الأمر الثاني الذي يُفسّر كثافة التصريحات التي تردّ على الأخبار المنتشرة حول وجود صفقة من هذا النوع، هو أنّ الجانب الإسرائيلي يخشى ربما أن يُفكّر الرئيس الأمريكي ترامب بالموافقة على عرض إماراتي تقوم أبوظبي من خلاله بدفع مبالغ طائلة مقابل الحصول على بضعة مقاتلات من هذا النوع. 

 

تساعد ترامب داخليا

مثل هذه الصفقة ستساعد ترامب سياسياً وقد ينجح في التسويق من خلالها لنفسه داخل الولايات المتحدة، ولهذا فهي تعدّ صفقة مغرية قد تدفع ترامب للتغاضي عن الحساسيات الإسرائيلية. ترامب كان قد قال بنفسه مؤخراً إنّ الإمارات مهتمة بشراء مقاتلات "إف-35" الأمريكية الحديثة ومستعدة لدفع "مبالغ ضخمة" مقابلها. هذا التصريح بحد ذاته مؤشّر على أنّه قد يذهب في هذا الاتجاه. 

المثير للاهتمام في هذا الصدد أنّ إسرائيل تعترض بقوّة على إمكانية بيع الولايات المتّحدة أسلحة متطوّرة للإمارات على الرغم من سلسلة من العوامل أهمّها أن لا عداء بتاتاً بين الطرفين، ولم يسبق لهما أن دخلا في حرب، ويتمتعان بعلاقات سريّة متطوّرة حتى قبل الاتفاق المعلن. وبالرغم من الهرولة الموصوفة للإمارات باتجاه إسرائيل، فإن تل أبيب تمانع في بيع أسلحة متطورة للدول العربية لسبب بسيط وهي أنّها تعلم تماماً أنّ معظم هذه الأنظمة لا يُمثّل الشعوب، وأنّ قرار التطبيع لا أرضية شعبية له حتى في أقرب البلدان إلى إسرائيل، وأنّه سيأتي في يوم من الأيام وأن يتاح للشعوب أن تقرر في هذا الشأن وهنا بالتحديد مربط الفرس. 

 

حصول أبو ظبي على (أف ـ ٣٥) سيقلب الموازين ويتيح لها التدخل المباشر في ساحات القتال. لكن هناك من يستبعد حصول ذلك لأنّ الأسلحة الأمريكية تباع ومعها لائحة طويلة من القيود التي تمنع الاستخدام الحر أو المستقل لهذه التقنيات.

 



بمعنى آخر، الأسلحة المتطوّرة قد تذهب اليوم إلى الأنظمة العربية، لكنّ أي تغيير أو انقلاب في المستقبل قد يجعل هذه الأسلحة في خدمة أنظمة تراعي الحسابات الشعبية، وهنا سيصبح موقف إسرائيل صعباً للغاية. لذلك تفضّل تل أبيب ألا تدخل في سيناريوهات من هذا النوع من الأساس من خلال التمسك بالموقف الذي يتيح لها دوماً الحفاظ على تفوّقها النوعي العسكري على الآخرين.

هل سيبيع ترامب هذه المقاتلة للإمارات؟ لا يوجد جواب على مثل هذا السؤال الآن سيما في ظل التجاذب الحاصل. وبالرغم من أنّ إحتمال حصول مثل هذا الأمر يبقى ضعيفاً، إلاّ أنّ إمكانية أن تحصل الإمارات لاحقاً على نسخة معدّلة يعدّ أمراً محتملاً. المشكلة في هذه الحالة لن تكون إسرائيلية على اعتبار أنّ النسخ المعدّلة غالباً ما تأخذ الحساسيات الإسرائيلية بالحسبان. المشكلة ستكون عربيّة بالتحديد نظراً للأدوار العسكرية السوداء التي تقوم بها الإمارات في المنطقة لاسيما في ما يتعلق برؤيتها المناهضة لتطلّعات الشعوب بتغيير الأنظمة الديكتاتورية. 

حصول الإمارات على هذا النوع من الأسلحة قد يقوّي من دورها التخريبي في ساحات أخرى وهي التي حرّضت على غزو قطر، وقسّمت اليمن، وساعدت الأسد، ودعمت انقلاب حفتر بكل الوسائل بما في ذلك العسكرية منها، وتدخّلت في قائمة طويلة من الدول كالصومال والسودان وتونس والجزائر. حصول أبوظبي على (أف-35) سيقلب الموازين ويتيح لها التدخل المباشر في ساحات القتال. لكن هناك من يستبعد حصول ذلك لأنّ الأسلحة الأمريكية تباع ومعها لائحة طويلة من القيود التي تمنع الاستخدام الحر أو المستقل لهذه التقنيات. إذا ما صح هذا السيناريو فقد تكون المشكلة في موقف الإدارة الأمريكية حينها. ماذا إذا قررت التغاضي عن هذه القيود في بعض الحالات كما يتم التغاضي عن دور أبوظبي السلبي في المنطقة منذ سنوات!

التعليقات (0)