قضايا وآراء

حول تطويع الإمارات.. بين القمع والمبدئية وما بينهما!

إبراهيم خطيب
1300x600
1300x600
اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل (أو لنسمي الأمور بمسمياتها "اتفاق السلام، نعم هو اتفاق سلام إذا ما نظرنا للعرب والمسلمين كجزء من الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي كما هو الحال طيلة سني الصراع، أمّا إذا استثنينا هذه الدول فسيكون اتفاقاً لتطبيع العلاقات، وبالمناسبة هو اتفاق بين حكومة الإمارات أو جزء متغلب منها وهذا الاحتلال، وليس اتفاق الشعب الإماراتي).. هو اتفاق تطويع لجزء من الدول العربية لتكون جزءاً من المنظومة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة واستخدام هذه الدول من قبل الإدارة الأمريكية للاستفادة من أزماتها الداخلية والخارجية.

هذا الاتفاق له أسبابه المباشرة وغير المباشرة كما سيكون له إنعكاسات من الممكن أن تتجاوز الحيز الإماراتي.

من بعض هذه الأسباب:

أولاً، هذا الاتفاق حصيلة الأنظمة الاستبدادية والقمعية وفقدانها الشرعية، وبالتالي البحث عن شرعية متجاوزة للشعوب لتستمدها من فواعل خارجية، وفي هذه الحالة من الولايات المتحدة والغرب، والطريق لهذه "الشرعية" يكون من خلال التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي أو من خلال دفع "الخاوة" لإدارة ترامب!

ثانياً، انعدام الاستقلالية الوطنية. فهذه الأنظمة إن كان في الإمارات أو غيرها، لا تملك استقلال القرار الوطني لانعدام وجود استقلالية عسكرية، وسياسية، وعلمية واقتصادية.. كما يجب. بمعنى آخر، هي ليست دولاً ذات اكتفاء ذاتي، وليست قوى إقليمية غير مرتبطة بأجندات غيرها كما هو حال إيران وتركيا! وبالتالي فهذه الدول وبدل أن تسعى لتطوير ذاتها وقدراتها وتنمية مجتمعاتها، تربط نفسها مع قوى أخرى تُطوّعها وفق أجندتها.

ثالثاً، انعدام المبدئية وشعور الانتماء للأمة وسيطرة المنفعية البحتة. والانتماء للأمة بالضرورة يعني الانتماء لقضية فلسطين والانتماء للعدل والكرامة وحرية الشعوب. وبالمناسبة، إن كانت الإمارات خانت الانتماء لفلسطين، فأنظمة أخرى خانت الأمة بقمع شعوبها والنيل منهم كذلك. هذا المنفعية في السياق الاماراتي مرتبطة بالحصول على الدعم الاسرائيلي والأمريكي وحفظ كراسي الحكّام. 

أما بخصوص تبعات هذا القرار فهي عدة:

أولاً، تعرية إضافية للنظام الإماراتي وكل من لف لفيفه، فعلى الرغم من أن القاصي والداني كان يعلم بالعلاقات السرية بين النظام الإماراتي والاحتلال الإسرائيلي، فإن هذا القرار جاء ليزيد الأمور وضوحاً.

ثانياً، سيزيد هذا القرار، وخصوصاً إذا امتد لأنظمة أخرى، من حالة الاستقطاب العربي العربي، وسيجعل قضية فلسطين جزءاً من هذا الاستقطاب بعدما كان الاستقطاب في العالم العربي في السنوات الأخيرة حول قضايا تخص دور إيران وتركيا وقضايا حريات الشعوب ودور الحركات الإسلامية. ومدى وحجم هذا الاستقطاب متعلق بعمق التطبيع وتوسعه وتحركات الاحتلال، ولكنه سيكون لفترة زمنية محدودة إذا لم تجر مياه في نهر القضية الفلسطينية.

ثالثاً، سيكون لهذا التوجه الإماراتي تأثير على عدد من الدول العربية والخطاب العربي؛ ليزداد عند البعض الخطاب المتسامح مع الاحتلال والمتنكر لقضية فلسطين، وخصوصاً مع شراء الذمم والتأثير الإماراتي في أكثر من دولة عربية، وما كان تصريح أحد قادة المجلس الانتقالي في اليمن (الداعي لانفصال الجنوب) والمدعوم إماراتياً إلّا إشارة لذلك. ولكن في نفس الوقت ستبقى هذه الفئة قليلة ومنبوذة شعبياً، وستكون للخطوة ارتدادات عكسية على أدوار الإمارات في المنطقة العربية.

رابعاً، القرار الإماراتي هذا سيكون طعنة أخرى للقضية الفلسطينية، ورسالة للفلسطينيين بأنهم وحيدون في مجابهة الاحتلال الإسرائيلي، وعليهم عدم الاعتماد على العرب. وهذا سيضعف الموقف الفلسطيني، ولكن الحاضنة الشعبية العربية ما زالت مساندة للفلسطينيين، ويجب على القيادة الفلسطينية مخاطبة ومصالحة شعبها والشعوب العربية ومساندة تحرر هذه الشعوب من أنظمتها القمعية (كموقف مبدئي فالحرية لا تتجزأ)..! مع العلم بتعقيدات الوضع الإقليمي، وحرص الفلسطينيين على عدم اكتساب أعداء وعلى عدم تدخلهم في الشؤون المحلية للدول العربية، ولكن يجب التفكير باستراتيجية حاضنة لنضال الشعب الفلسطيني تتجاوز هذه الأنظمة القمعية التي لا يُمكن التعويل عليها!

خامساً، يمكن لهذه الخطوة أن تكسر الحواجز مع الاحتلال وتشرعنه ولو جزئياً، لتجعل من القضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال مشكلة ثنائية وخلافا يجب أن يُحل بالتراضي بين الطرفين المختصمين، وحصره بالفلسطينيين، وبالتالي جعل قضية فلسطين كأي مشكلة، وبالتالي يجر ذلك فك الارتباط القيمي والعقدي والأخلاقي مع هذا القضية في الوعي الجمعي، مع إيماني بأن هذا الوعي سيكون صعبا اختراقه وسيتأثر فقط بعض ضعاف النفوس.

في المحصلة، هذا الاتفاق هو حصيلة وضع خاص بقيادات الإمارات التي باتت تعادي تطلعات الأمة بالتحرر والتحرير، وسيكون تأثيره محدوداً إذا ما ازداد ربط الأمة وتعميق انتمائها. وكما لم يجعل اتفاق السلام بين الاحتلال ومصر وكذلك مع الأردن هذه الشعوب مطبّعة مع الاحتلال، فكذا سيكون مواقف الشعوب بالنسبة لقضية فلسطين بعد الاتفاق الإماراتي. ولكن سيصيب الوهن والضعف البعض، وهذا طبيعي وتجب مجابهته برص الصفوف (وخصوصاً فلسطينياً مع تراجع المشروع الوطني الفلسطيني وتخاذل قيادته وانقسامهم)، وإعلاء انتماء الأمة لحريتها وحرية فلسطين كجزء من تحرر الأمة الكلي من حالها اليوم.
التعليقات (0)