قضايا وآراء

عندما خسرت مصر "عصام دربالة"

خالد الشريف
1300x600
1300x600
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. عقل استراتيجي فذ ومفكر من طراز فريد راق في معاملته، ومختلف في تفكيره، صاحب تجربة ثرية في تأسيس حزب سياسي خلق نوعا كبيرا من التوازن في الحياة السياسية بعد الثورة، وطرح رؤية جديرة بالتأمل والدراسة، بعد أن خرجت الجماعة الإسلامية من دائرة الصراع الدموي مع السلطة وأعلنت من طرف واحد مبادرة وقف العنف في عام 1997.

أغرتني دماثة خلقه، وسعة فكره، وطيب عشرته، في العودة إلى الجماعة الإسلامية، والعمل مستشارا إعلاميا متطوعا لحزب البناء والتنمية بعد طول انقطاع منذ عام 1990.

أعتقد أنه أعاد الجماعة الإسلامية بقوة إلى الساحة الدعوية والثقافية بعد أن ظن الجميع مواتها، وقد جعل لها حزبا سياسيا أصبح رقما في الحياة السياسية، حيث كان صاحب خطاب رشيد يحمل هموم الجماهير ويمزج بين السياسة والفكر الإسلامي أجمل ما يكون.

يقرأ ويبحث ويدقق قبل أن يتناول أو يناقش أي موضوع، فهو حاضر الدليل.. قوي الحجة، صاحب رؤية ثاقبة، تُسلم برأيه حتى وإن اختلفت معه.

اختلفت معه شخصيا حول الاستمرار في التحالف الوطني لدعم الشرعية بعد مجازر رابعة والنهضة. كنت أحدثه عن النجاة والحفاظ على الجماعة والحزب، وكان يحدثني - رحمه الله - عن البذل والعطاء والتضحية في سبيل الله. ألجمني حديثه، فلم أستطع الكلام مع مَن يجود بنفسه في سبيل نصرة المظلوم ورفع كلمة الحق والدين.

خمس سنوات مرت على وفاته داخل جدران سجن العقرب، والشيخ عصام قضى قبلها في سجن الليمان "تأبيدة" 25 عاما بالتمام والكامل، وقد كان شابا فتيا دؤوبا في تحصيل العلم، وتأليف الكتب والأبحاث.

لم يشكُ مرضا ولا وجعا طيلة هذه المدة الطويلة رغم إعاقة يده، لكنه في سجنه الأخير كانت ظروف اعتقاله قاسية جدا؛ فلم تمر عليه أكثر ثلاثة شهور حتى لقي ربه شهيدا، فانتقام السلطة من المعارضين في السجون كان يفوق الحد.

وقد تم إيداع الشيخ عصام في زنزانة انفرادية بسجن مقبرة العقرب، حيث تم منع الزيارات عنه كما مُنع الدواء، حيث كان يعني من السكري والضغط، وهذا كفيل بموته، فالإهمال الطبي أصبح أداة سلطة للقتل المعارضين والإسلامين.

ورغم أن الشيخ عصام - رحمه الله - كان من أصحاب الحلول السياسية للأزمة، وكان يحارب الفكر الداعشي الإرهابي، إلا أن السلطة وضعته في دائرة الانتقام، رغم أن الجماعة الإسلامية لم تتول منصبا، ولم تكن شريكة في الحكم أيام الرئيس مرسي - رحمه الله - ولم تكن سبّبا في الأزمة الأخيرة، بل كانت عامل تهدئة، وحملت مبادرة خير في كل أزمة.

ومع ذلك، اعتقل الشيخ عصام، وهو رئيس مجلس شورى الجماعة، وكان يجب تكريمه لا معاقبته والانتقام منه. أعتقد أن وفاة الشيخ بين جدران سجن العقرب هي جريمة "قتل لا تسقط بالتقادم"، ولذلك تجب معاقبة ومحاسبة المسؤولين عن اعتقال الشيخ عصام دربالة والمتسببين في وفاته ومنع الدواء عنه، ويجب أن يفتح ملف المعتقلين المظلومين، بل يجب جميع السياسية والوطنية أن تصطف وتجتمع تحت راية "إنقاذ أرواح المعتقلين"، والله تعالى يقول "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".

أعتقد اعتقادا جازما أن الشيخ عصام دربالة خسرته الحركة الإسلامية، بل خسرته الدولة المصرية كمفكر وباحث متميز كان له دور بارز في مراجعات الجماعة الإسلامية التي أنهت صداما دمويا مع الدولة استمر ثلاثة عقود كاملة. 

كما أعتقد أن الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية خسارتهما فادحة برحيل الشيخ عصام، فهو العقل الحكيم والقائد الذي يجمع ولا يفرق.. رحمك الله يا شيخ عصام دربالة، وأسكنك فسيح جناته، وتقبلك الله في الصالحين والشهداء.
التعليقات (1)
ممدوح على يوسف
الخميس، 13-08-2020 02:14 ص
أستاذ خالد جزاك الله خيرا على هذه الكلمات الطيبة فلقد أنصفت رجلا خسرته مصر كلها ، ألا فرحمة الله عليه وانتم الله من قاتليه