قضايا وآراء

يني تركيا يني شامبيون (3)

ماجد عزام
1300x600
1300x600

مع استمرار سيرورة قيام تركيا الجديدة على كل الأصعدة، ووجود رعاة من كبرى الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وتجديد عقد المدرب لخمس سنوات مقبلة كي يكتمل المشروع بتجديد عقود لاعبي الهيكل "العمود الفقري" للفريق، سيبقى النادي في القمة لسنوات وسيزاحم الكبار، كما فعل دائماً، وسيفوز حتماً ببطولة كبرى محلية، وسيعرفه الناس خارجياً مع حضوره الدائم في المسابقات الأوروبية، واستقطابه لاعبين كبارا على أبواب الاعتزال، لنقل الخبرة ومساعدة النادي على تكريس حضوره وشخصيته.

في الأخير وباختصار، وكما قلت سابقاً، فإن تركيا الجديدة تقوم على أسس وقواعد وليس أنقاض تركيا القديمة، ومن ثم سيستمر وجود الأربعة الكبار (فنار وغلطة وطرابزون وبشكتاش) في القمة، لكن ليس وحدهم، إنما مع باشاك وسواس وآخرين، كون تركيا الجديدة "رياضياً" أكبر من أربعة، تسع وتستوعب الجميع دون احتكار أو استثناء .

 

"باشاك" بقي في القمة

 
الفقرة الأولى كانت خاتمة المقال الأول ـ أيار/ مايو 2019 ـ من هذه السلسلة يني تركيا يني شامبيون، أي تركيا جديدة بطل جديد. أما الثانية فخاتمة المقال الثاني ـ كانون ثاني/ يناير 2020 ـ وحصل ما توقعته بالضبط، حيث بقي نادي باشاك شهير في القمة، توج بلقب الدوري، وكان الفريق التركي الوحيد الذي واصل طريقه بالبطولات الأوروبية بالغاً ثمن النهائي من بطولة الدوري الأوروبي بعدما تجاوز سبورتنغ لشبونة البرتغالي العريق. ويبدو الآن على بعد خطوة واحدة فقط من الوصول إلى ربع النهائي لمواجهة مانشستر يونايتد العريق أيضاً.

لا بأس من التأكيد كما دائماً على أن تركيا الجديدة لا تقوم على أنقاض، بل أسس تركيا القديمة الديمقراطية العلمانية والتعددية، وتعتبر بمثابة تحديث وتطوير لها في الأبعاد والمجالات كافة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث الفرص متاحة أمام الجميع، وحيث التوزيع العادل للثورة بين المدن والولايات كافة ولا إقصاء لأي جهة أو فريق على أساس فكري ثقافي وجهوي أو عرقي.

بالعودة إلى نادي باشاك شهير حديث النشأة 2014 والذي يعبر خير تعبير عن تركيا الجديدة كونه يحمل إسم أحد الأحياء الجديدة الحديثة والناهضة بأسطنبول، والتي تسكنها طبقة متوسطة حية وحيوية عبرت عن طاقاتها وحققت طموحاتها في البيئة التي خلقتها تركيا الجديدة. باشاك بقي في القمة خلال السنوات الأربع الأخيرة. وصل فيها إلى نهائي الكأس، وشارك بانتظام في بطولتي دوري الأبطال والدوري الأوروبي، وكما كتبت هنا في أيار/ مايو العام الماضي فقد بات فوزه بالدوري مسألة وقت فقط، وهو ما تحقق بالفعل منذ أيام.

رغم المطبات الطارئة بداية الموسم ورحيل المدرب عبد الله أفجي المفاجئ، رغم  تجديد عقده لخمس سنوات ثم رحيل الكابتن أسطورة الكرة التركية إيمري بيليز أوغلو بعدما واكبا المشروع معاً في السنوات الأخيرة، إلا أن النادي أثبت صلابة أسسه وقدرته على المضي قدماً فتعاقد مباشرة مع مدرب شاب وطموح هو أوهان أوروك، كما حافظ على الهيكل الأساسي للفريق الذي يضم الدوليين والمحليين الثلاثة الكابتن محمود تيكديميك والحارس ميرت غونوك ولاعب الوسط الشاب عرفان جان قهوجي ومعهم الجناح البوسني الدولي أدين فيشكا والمدافع المولودوفي الدولي أليكسندرو أمبريانو وأصحاب الخبرات الطويلة السنغالى ديمبا بابا والفرنسي جييل كليتشي والبرازيليين جونيور كيسرة وروبينيو  والهولندى إيليا والسويسري التركي الدولي السابق غوكان إيلنر مع استقدام المخضرم المحلي الدولي السابق محمد توبال لتعويض غياب إيمري والمدافع المخضرم السلوفاكي مارتن سكيريتل ولاعبين أصحاب مواهب وقدرات متعطشين للعمل والإنجاز كالفرنسي أنزو كريفيلي  والصربي داني أليكسيز والنرويجي فريدريك غولبرانسن والنيجيري الشاب أوكيشوكو أوزيبيكي، وعموماً جرى سد الثغرات وتكوين دكة احتياط قوية للبطولات الماراثونية الطويلة محلياً وأوروبياً، والنتيجة كانت باهرة بتتويج مستحق بالدوري وبفارق كبير عن منافسيه وبأداء كان لافتاً ومستقراً طوال الموسم تقريباً.

 

ما زالت فرق تركيا القديمة والعريقة في المقدمة، حيث حلّ طرابزون وصيفاً، كما وصل إلى نهائي الكأس بفريق واعد قادر على حصد البطولات مستقبلاً، وبشكتاش ثالثاً وغلطة سادساً وفنار سابعاً،

 



باشاك يبدو في طريقه أيضاً لتحقيق إنجاز تاريخي قارياً في بطولة الدوري الأوروبي، وإذا فرض المنطق الكروي الفنى نفسه فسيتجاوز كوبنهاغن الدنماركي ـ في ثمن النهائي بعدما تصدر مجموعته متفوقاً على العريقين روما الإيطالي ومنشنغلادباخ الألماني ثم تجاوز العريق البرتغالي سبورتنغ لبشونة بدور 32 في رحلته نحو ربع النهائي لمواجهة مانشستر يونايتد، محققاً أرباحا معنوية وفنية وإعلامية واقتصادية كبيرة أيضاً.

المدرب الوطني الشاب أوهان أوروك لخص القصة كلها بعد التتويج المستحق، لم يبخس حق من سبقوه ممن واكبوا المشروع المدرب أفجي وإيمري ولاعبين آخرين قضوا سنوات بالفريق منذ البدايات، مثل البرازيلي مارسيو ماسورو والإيطالي ستيفانو نابوليوني، مشيداً طبعاً باللاعبين أصحاب الإنجاز والبيئة العائلية المحيطة بالفريق من الإدارة وأنصاره ومشجعيه، وهو نفس الاتجاه الذي تحدث فيه لاعبون بارزون مثل الكابتن محمود تيكديمير الذي تحدث عن إنجاز تاريخي سيظل محل حديث واهتمام لسنوات، والمدافع المخضرم سكيرىتل الذي أشار إلى استقرار الفريق المتجانس والمنسجم، والذي سيبقى في القمة ويفوز ببطولات لسنوات قادمة. 

 

تركيا الجديدة الناهضة

إضافة إلى باشاك شهد الدوري هذا العام تألق وتقدم ممثلين آخرين لتركيا الجديدة الناهضة وسطاً وأطرافاً، ففريق مدينة سيواس الأثرية السياحية والمشهورة أيضاً بطعامها المميز حقق لقب بطل الشتاء ثم بقي في المقدمة إلى أن أنهى رابعاً في إنجاز لافت، طبعاً كونه سيلعب الموسم القادم في الدوري الأوروبي لأول مرة في تاريخه.

نادي مدينة ألانيا المنتجع السياحي الصغير الجميل والناهض أنهى الدوري خامساً، متقدما على العريقين فنار بهتشة وغلطة سراي، وسيلعب في الدوري الأوروبي أيضاً في كل الأحوال بعدما وصل إلى نهائي الكأس ليواجه طرابزون العريق وصيف بطل الدوري مع حظوظ متساوية للتتويج باللقب.

فريق غازي عنتاب مدينة الجنوب الزراعية والناهضة أيضاً أنهى الموسم ثامناً محققاً إنجازاً لافتاً له في السنة الأولى لصعوده إلى الدوري الممتاز.

كما قلنا ما زالت فرق تركيا القديمة والعريقة في المقدمة، حيث حلّ طرابزون وصيفاً، كما أنه وصل إلى نهائي الكأس بفريق واعد قادر على حصد البطولات مستقبلاً، وبشكتاش ثالثاً وغلطة سادساً وفنار سابعاً، والفرق الثلاثة تعاني بعد رحيل نجوم واعتزال أجيال حققت بطولات عديدة ومنافسة قوية وشرسة من أندية أخرى تريد أن تكتب تاريخها وتفرض نفسها على الساحة الرياضية.

ثمة معطى أو معطيان مهمان يخصان باشاك شهير، حيث صحح رئيس بلدية إسطنبول إمام إكرام أوغلو موقفه بعدما ارتكب خطأ ساذجاً إثر فوزه بالإنتخابات، معلناً أنه لن يدعم باشاك وسيكتفي بدعم أندية إسطنبول الكبرى الثلاثة فنار وغلطة وبشكتاش قبل أن يعترف بخطئه ويعلن دعمه للفريق عبر حضور إحدى مبارياته الأوروبية الحاسمة، علماً بأن الأمر هنا بين السياسي والرياضي، وكما فعل أثناء حملته الانتخابية الناجحة واللافتة، لا يمكن أن يمضي قدماً في حياته السياسية بقطيعة وانفصام عن الشرائح الاجتماعية الناهضة في تركيا الجديدة التي يمثلها أو يعبر عنها باشاك شهير حيّاً ونادياً.

الأهم ربما تمثل باستقبال الرئيس رجب طيب أردوغان للفريق، كما يفعل عادة مع المنتصرين وأصحاب الإنجازات في البلد، علماً بأنه كان حضر قبل ست سنوات افتتاح الإستاد الخاص بالفريق في سياق نهضة إنمائية للبنى التحتية الرياضية شملت بناء 35 إستادا ومدينة رياضية منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة ـ 2002 ـ وقيادته سيرورة قيام تركيا الجديدة وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية طبعاً.

*باحث وإعلامي

التعليقات (0)

خبر عاجل