صحافة دولية

مجلة بريطانية تتساءل: هل فات الأوان لإنقاذ لبنان؟

الصحيفة: السياسيون ومدراء البنوك في لبنان يعيشون حالة من الإنكار على أمل أن يأتي الخلاص من حل آخر أقل ألما- جيتي
الصحيفة: السياسيون ومدراء البنوك في لبنان يعيشون حالة من الإنكار على أمل أن يأتي الخلاص من حل آخر أقل ألما- جيتي

نشرت مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية مقالا بقلم الكاتب والصحفي اللبناني مايكل كرم، حول تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وخطة الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي وقوبلت بالتعطيل والمماطلة، لأنها أضرت بمصالح العصابات اللبنانية.

وقال الكاتب في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن الجمهورية اللبنانية سيكون عمرها 100 عام بحلول الأول من أيلول/ سبتمبر القادم. ولكن هنالك نكتة ساخرة يتناقلها اللبنانيون حول أن بلدهم لن يكون حاضرا في هذا الاحتفال. إذ أن حالة التضخم المالي الكبير، وتفشي وباء كورونا، أدت لتركيع هذا البلد، تماما كما أن حالة الجوع والفقر الشديد أدت لتأسيسه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

وأضاف الكاتب أن لبنان حصل على الاستقلال عن فرنسا في 1934، وأصبح بلدا جذابا يتميز بتعدد اللغات وسهولة الاستثمار وإدارة المشاريع. إلا أن هذا البلد الذي قال عنه الوزير البريطاني المنتدب على سوريا ولبنان، الجنرال إدوارد سبيرز: "إنه ينحدر من حضارة أكثر قدما وعظمة من الحضارة الفرنسية"، كان دائما ميالا إلى تدمير نفسه بنفسه.

وذكر الكاتب أن نعي لبنان تمت كتابته في وقت سابق، خاصة خلال الحرب الأهلية بين 1975 و1990، عندما تحولت البلاد بين عشية وضحاها من قبلة للمستثمرين تمتلك عملة تضاهي الفرنك السويسري، إلى ساحة للدمار والموت. ولكن حتى في تلك الفترة، خلال أحلك أيام الغزو الإسرائيلي وحصار بيروت، وحتى بعد ثلاثة عقود من الاحتلال السوري وصعود حزب الله وتداعيات الحرب الأهلية السورية، فإن الأعمدة التي ترتكز عليها لبنان ظلت صامدة نسبيا.

"نحن اللبنانيون لسنا مقاتلين بالفطرة. ورغم أن سمعتنا ارتبطت بنشر الفوضى، فإننا نعشق المال ونفضل جدول الحسابات على القنابل". ويضيف يوسف بيدس، الذي ترأس بنك أنترا اللبناني الذي كان في وقت ما أكبر مؤسسة مالية في الشرق الأوسط: "علاقة لبنان بالأموال مثل علاقة قناة السويس بالنقل البحري."

ويعتبر الكاتب أن مشكلة اللبنانيين هي أنهم كانوا يسيئون التصرف ويستهلكون مواردهم بشكل خاطئ. إذ أنه خلال السنوات الأخيرة باتت البنوك اللبنانية كسولة، وتكتفي بجني الأرباح من خلال إقراض المال للدولة، وعرض نسب فائدة مرتفعة جدا لمودعي الدولار، تصل إلى 14 بالمائة.

ولكن في بلد يعاني من هشاشة الاقتصاد، ولا ينتج أي شيء تقريبا باستثناء المخدرات والنبيذ، فإن البنك المركزي وجد أنه لا يمكنه دفع الفائدة السنوية التي كان مدينا بها للبنوك المحلية، أو خدمة الديون العامة التي تبلغ 86 مليار دولار.

ويقول الكاتب إن الأزمة الحالية اندلعت بعد الثورة الشعبية العفوية التي شبت خلال الخريف الماضي، ردا على مقترح فرض رسوم على استخدام تطبيق الاتصالات واتساب. إذ أن اللبنانيين الذي يعشقون الحديث عبر الهاتف تماما كما يعشقون إبرام الصفقات، خرجوا للشوارع للمطالبة بوضع حد للطبقة السياسية التي نهبت البلاد على مدى ثلاثين عاما. وسرعان ما أصيبت البنوك بالذعر وفرضت إجراءات غير قانونية، مع قيود مالية لمنع هروب رأس المال. وانهارت الليرة اللبنانية لتفقد 70 بالمائة من قيمتها.

وبعد مرور تسعة أشهر، يعاني اللبنانيون من تضاؤل قيمة مدخراتهم ومعاشاتهم ومرتباتهم. كما أن الشركات والمدارس والجامعات، وحتى الجامعة الأمريكية في بيروت، تواجه خطر الإفلاس. أما المستشفيات فقد باتت خالية من الأدوية. وتشير التقديرات إلى أن هنالك حوالي 8 مليارات دولار من النقد يحتفظ بها اللبنانيون في بيوتهم حاليا، ولذلك فإن البنوك تعاني من وضع حرج والبلاد بشكل عام.

وقد سارع صندوق النقد الدولي إلى اقتراح التدخل بخطة إنقاذ محملة بإصلاحات ضرورية، ولكن تبين أن هذه الإصلاحات مؤلمة جدا للعصابات المتحكمة في لبنان. هؤلاء مترددون بشأن التخلي عن مصادر الدخل الوفير الذي يحققونه، وهي العقود الحكومية والسيطرة على البنى التحتية الأساسية والجمارك والوزارات والصناديق والرشاوي، التي يستعملونها لشراء الولاءات.

وكان فريق من المفاوضين من صندوق النقد الدولي قد عبر عن إحباطه في وقت سابق من هذا الشهر، حين قال: "نحن نتوسل إليهم ليتصرفوا مثل دولة عادية، وهم يتصرفون كأنهم يبيعوننا سجادا."

ويرى الكاتب أن السياسيين ومدراء البنوك في لبنان يعيشون حالة من الإنكار، على أمل أن يأتي الخلاص من حل آخر أقل ألما. ومن بين هؤلاء هنالك حسن نصر الله، الزعيم الغامض لميليشيا حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، والذي يسيطر على أغلب -إن لم نقل كل- أعمدة السلطة في لبنان.

ونادرا ما يظهر نصر الله بشكل علني، فقبل أسبوعين تم بث كلمة متلفزة قال فيها: "إن المشاكل المالية في لبنان سببها مؤامرة أمريكية، والمستقبل الاقتصادي للبلاد مع روسيا والصين."

واعتبر الكاتب أن داعمي حزب الله في طهران أصبحوا أكثر تقاربا مع بكين خلال السنوات الأخيرة، ولكن في الواقع فإن كلمات نصر الله ليست إلا تكهنات ومهدئات كلامية لتخدير الأنصار، الذين لا يزالون يؤمنون بطهارة الحزب ومواجهة أمريكا وإسرائيل.

ويقول الكاتب إن حزب الله بميليشياته القوية وترسانة أسلحته الباليستية التي يفتخر بها، يمكن اعتباره الأكبر من بين كل العوائق التي تحول دون خلاص لبنان. إذ أن الحزب بعد أن صنع لنفسه شعبية بمقاومة احتلال الجنوب، تحول بعد الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000 إلى ما يشبه السرطان، الذي تطور عبر التحالف مع التيار الوطني الحر المسيحي للتغطية على سياسته التوسعية المبنية على شراء الأراضي والعقارات.

واعتبر الكاتب أن الحل في لبنان لا يتمثل في القضاء على حزب الله، باعتبار أن أي حرب قد تندلع الآن، والتي قد تشارك فيها إسرائيل، سوف تؤدي للإجهاز على لبنان. بل إن الحل هو استئناف الضغط الشعبي من أجل جلب صندوق النقد الدولي مجددا إلى طاولة المفاوضات.

كما يجب تنظيف قنوات الفساد، وتحسين البنى التحتية وإصلاح القطاع البنكي. ويجب أن يشمل الإصلاح إنشاء صندوق لإدارة الثروات، بغرض استغلال مقدرات لبنان من الثروات الطبيعية، التي تقدر بحوالي 1.7 مليار برميل نفط، و122 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. بهذه الطريقة لبنان ستكون لدى لبنان كل الإمكانيات ليصبح نسخة من دولة النرويج.

 

اقرأ أيضا: مصارف لبنان تلوح بالانسحاب من محادثات وزارة المالية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل