كتاب عربي 21

التنظير للعنصرية والجهل والتخلف

محمد عايش
1300x600
1300x600

داعية إسلامي أردني يفاجئ جمهوره بأطروحة جديدة مفادها أن "المسلمين لم يُخلقوا من أجل أن يصنعوا الطائرات والسيارات والقطارات وأن ينافسوا أمريكا وأوروبا، وإنما عندما خلق الله البشر جعل العرب أصحاب فكر وهداية بينما جعل البشر الآخرين تلامذة للعرب يهتدون بهم ويعملون من أجلهم ولخدمتهم".


هذا الطرح لم يسبق له أي من الأئمة السابقين أو اللاحقين ومن المؤكد أنه لا يمت للدين الاسلامي بأي صلة لأنه منطق عنصري بائس وقبيح يقوم على افتراض أن الله تعالى اصطفى المسلمين لعبادته والاعتكاف له في المساجد بينما خلق لهم باقي البشر من أجل خدمتهم وصناعة حاجاتهم لهم، وهذا منطق يتنافى مع جوهر ونصوص وروح الدين الاسلامي، كما أنه يتنافى أيضاً مع الآية الكريمة التي أرست مبدأ الخلافة في الأرض "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة".

 

هذه النظرية الفاسدة هي أيضاً عملية تأصيل وتنظير للتخلف والرجعية والتأخر عن اللحاق بركب الأمم الأخرى، وعملية تبرير لتراجع العرب كأمة في التنافس مع الأمم الأخرى على العلم والمعرفة والاختراعات، حيث أنه "ما لهذا خُلقنا" بحسب ما يقول الداعية الذي تفوه بهذا الكلام على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية.

 

الداعية الاسلامي إياه يريد من العرب والمسلمين الانصراف عن العالم والتفرغ للعبادة والهداية والفكر، بينما ينصرف التلاميذ من غير العرب لسخافات وتفاهات مثل صناعة الطائرات والسيارات والسفن والقطارات والحواسيب والهواتف الذكية و"الروبوت" و"الدرون" والأسلحة الفتاكة والمفاعلات النووية.. كل هذا مجرد تفاهات –في نظره- لا تليق بالعرب لأنهم سادة العالم وإنما تليق بتلاميذهم من الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين والكوريين والروس!!

 

المرعب في كل هذا الطرح العنصري والذي يقوم بالتنظير للتخلف هو أنه لم يخرج فقط من داعية إسلامي يُفترض أنه قدوة للمؤمنين والمتدينين، وإنما يتبين بأن الرجل ذاته سبق أن كان وزيراً للأوقاف ووزيراً للشباب، أي أن الوزير الذي يُفترض أن يُشجع الشباب على العمل والجد والاجتهاد والبحث العلمي والقراءة والاستزادة من كل العلوم، هو ذاته يعتقد بأن شبابنا لم يُخلقوا من أجل أن يصنعوا طائرات وسيارات ولا أن يقضوا أوقاتهم في البحث والعلم، وإنما عليهم أن يكونوا سادة العالم ويتركوا ذلك للأمم الأخرى.. فلتصنع أمريكا لنا الطائرات والسيارات ونحن علينا فقط البقاء في المساجد للصلاة والعبادة!

 

هذا الطرح الذي يقوم على تبرير التخلف والتنظير له بدلا من استنهاض الهمم واستدعاء الطاقات إنما يهدف لتحييد كل ما هو إسلامي عن الحياة العامة، وصولاً الى التسويق بأن الإسلام ليس للسياسة أيضاً ولا يجوز إنشغال العرب والمسلمين بالعمل السياسي، إذ لسنا في وارد أن نصنع طائرات ولا سيارات ولا في وارد أن نغير مجتمعات ولا أن نشارك في السياسة والحكم وخلاف ذلك، وإنما نحن العرب مكاننا في مؤخرة الأمم لأننا ما خلقنا لأن نكون في المقدمة.

 

هي نظرية عدمية عنصرية يتوجب محاربتها ومكافحتها، فلا نحن أفضل من غيرنا، ولا هم خُلقوا ليصنعوا لنا الطائرات والسيارات والقطارات، ولا ما نحن فيه اليوم من تخلف ورجعية هو القدر المحتوم، ولا هؤلاء الدعاة يتوجب أن تُفتح لهم المنابر ولا أن تُفرد لهم البرامج ولا أن يُتاح لهم الحديث في شؤون العامة.

3
التعليقات (3)
خالتك
الأربعاء، 15-07-2020 03:50 ص
كل +الناس+ مهما يكون حجمها العلمي أو الثقافي فهي ترعى في مزرعة كبيرها .وحارس +الناس+ و مساعده اذا توفر على ج.ب.س وآلات تجسس صهيونية ومخبرين أشكال وألوان مفضوحين في كل زمان ومكان وبلطجية من +الناس+ نفسها تفتقر لمخ +بشر+ تدرك من خلاله أنها من فصيلة +البشر+. فهو يعتقد أنه كسب العالم وتسيده ولا حاجة له بأي شيء آخر ولا صوت أو فكر الا صوته وفكره وحنكته وحكمته ... الكلام لا يخص زريبة بعينها أو شخصا بعينه
الهلالي الجزائري
الثلاثاء، 14-07-2020 11:27 ص
هذا الفكر هو نفسه فكرة ( الغوييم ) اليهودية أن الله خلق اليهود مختارين وخلق غيرهم ( الغوييم ) لخدمتهم
مصري جدا
الثلاثاء، 14-07-2020 11:23 ص
حضرتك شاهدت جزء مجتزأ من الموضوع