قضايا وآراء

في مناقشة البديهيات

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
هاجت الدنيا وماجت على تصريح الممثل يوسف الشريف؛ الذي مفاده أنه يشترط على المنتجين عند كتابة العقد لعمل فني ما أن لا يتضمن مشاهد حميمية، وأنه لن يقبل عملا يفرض عليه أن يتلامس مع النساء أثناء التمثيل.

انقسمت الآراء حول هذا التصريح: فريق أثنى عليه وعلى أخلاقه الحميدة، ودعم تصريحه بوصفه حالة تعبر عن حرية شخصية، وفريق آخر صب جام غضبه على يوسف بوصف تصريحه يحد من قيمة الفن، وجوهره وتصوره الجمالي (والتمثيل تحديدا) ويحصره في الجانب الأخلاقي. وقد وجه هذا الفريق أقذع الشتائم ليوسف الشريف، إلى حد أنهم بحثوا في دفاتره القديمة لكي يخلصوا (كالمعتاد) أنه من المتعاطفين مع الأفكار الإخوانية.

أعتقد أن هذا النوع من الضجيج المجتمعي في بلدان أكثر تطورا يتجاوز كون محتواه مرتكز على الحرية الشخصية في الرأي ومن البديهيات التي لا تستحق التوقف عندها بكل هذه الحدية، خاصة أن يوسف الشريف عبّر عن أن طبيعته وتربيته لا تتقبل هذا النوع من التقارب الحميمي أثناء التمثيل.

أنا أجد أمام هذا النوع من الهرج أن لديّ دافعا للتعبير عن وجهة نظري، ما دام أن الحوار يأخذ بين الطرفين، بغض النظر عن مشروعيته، فقد كشف لنا هذا الجدال عن كثير من التناقضات التي تزخر بها حياتنا الثقافية.

أولا.. لا جدال في أنه يجب أن تكون حرية التعبير عن الرأي مكفولة لكل المواطنين، دونما تمييز، ويجب أن تكون مضمونة كحق أساسي في الدستور.

لكني أتساءل: لماذا لم تقم الدنيا ولم تقعد عندما أعلن عمر الشريف (مع حفظ الألقاب) أن فلوس الفن، أي التمثيل حرام، وأنه لا يرى إعجازاً في فن الممثل؟ هو يرى من وجهة نظره؛ أن الممثل أراجوز، وأن المهن الأخرى أحق في التقدير المادي من الممثل!

ثانيا: لكل مهنة آلياتها بمعنى أن الرسام له فرشاته وألوانه، والكاتب قلمه وأوراقه، والمصور كاميرته الخاصة. أما التمثيل فهو المهنة الوحيدة التي يلعب الممثل على أوتاره، أي جسده وصوته وتعبيرات وجهه من خلال الإماءة واللفتة والإشارة والحركة. وأي تعطيل أو استثناء لهذه الأبجديات؛ يقلل من عنصر التمثيل ويضعف جمال الأداء.

فلنتخيل معا ممثلا لا ينطق ولا يتحرك ولا يتفاعل مع الحدث، كيف نتفاعل معه كجمهور؟، هذا فضلا عن أبعاد الشخصية الاجتماعية والنفسية، وحضورها وتفاعلها مع الحدث.

لنتخيل معا ممثلا يلعب شخصية جندي مقاتل في أرض المعركة، ولا يمتلك سلاحا بيديه، ويرتدي بدله إسموكنج؛ فهو سيكون تماما كالطبيب الذي يدخل غرفة عمليات بدون أدوات الجراحة.

وهذا مُتّعلق بما سأعبّر عنه في.. ثالثا: للفنان وغيره حق الحرية فيما يصرح. في المقابل، إن القائمين على صناعة السينما والإعلام، لهم الحق في اختياره للأعمال السينمائية أو التلفزيونية أو استبعاده نظرا لتضاد طبيعته مع هذه الأعمال، وهذا ينطبق على يوسف فيما لو حصل استبعاده من عمل ما أو قبوله.

أخيرا، دعونا لا نحجر على رأي الآخرين؛ لأن لهم حقهم في التعبير، أي كان هذا الرأي ودرجة اختلافه معنا أم درجة رفضنا له.

شخصيا، أنا أعتبر أن مسائل من هذا النوع هي حرية شخصية بحتة؛ ومن المفترض أنها بديهيات لا تناقش. ولكن الصحيح أيضا أن الحوار ضروري وله أهميته في تعزيز الوعي، وخاصة في القضايا الفنية؛ فالفن قبل الخبز أحيانا.. أليس كذلك؟
التعليقات (0)