مقالات مختارة

بين السنة والقرآن

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600

الدعوات التي تنطلق لإحياء السنة النبوية المشرفة، وإعادة قراءتها من جديد، والاستفادة من مضامينها للرد على تحديات العصر، تبدو مشروعة وملحة، فالمسلمون اليوم يتنازعهم تياران: أحدهما يدعو إلى اعتماد القرآن الكريم فقط كمصدر للتشريع، وعدم الاعتداد بغيره، والمقصود هنا إزاحة السنة من الطريق، وهؤلاء -بالطبع- لم يقدروا على مواجهة المسلمين بالدعوة إلى الخروج عن القرآن، فتحايلوا لإبعاد السنة وقطع العلاقة بينها وبين القرآن الكريم. أما التيار الثاني، فقد تعسف كثيرا في فهم السنة، وابتعد كثيرا عن حقائقها، مكتفيا بإحالتنا الى الماضي ونموذجه، والتمركز خلف حرفية بعض ما ورد فيها بغض النظر عن صحته أو ضعفه، وهؤلاء تحولوا إلى حركات وجماعات، تتقاتل باسم السنة، وتحلل دماء غيرها باسم «التمسك» بالإسلام.
إعادة قراءة السنة النبوية، وتخليصها مما اعتراها من تشويهات، والاستفادة منها في مجالات بناء القواعد الفقهية والشخصية الإسلامية والعلاقات الإنسانية وتشكيل عقل الأمة، صار مطلوبا. ولكن قبل ذلك، لا بد من إزالة كثير من الالتباسات التي تطرح على مهاد الموضوع: أولاها، منزلة السنة بالنسبة للقرآن الكريم وحجيتها، وثانيهما، معايير وضوابط الحكم على بعض ما ورد في السنة، لا من جهة الأحاديث النبوية فقط، وإنما مجمل السيرة النبوية، وثالثهما، تمييز التشريع عن غيره فيما ورد في هذه السنة، أو الفصل في أقسام السنة، بين ما هو داخل في حكم الإمامة أو القضاء أو التبليغ، وغيرها.
أما منزلة السنة من القرآن، فقد أشار د. البوطي مثلا إلى أن مصادر الشريعة الإسلامية ليست في حقيقتها إلا فروعا لأصل رئيسي واحد، هو القرآن، والقرآن -هنا- هو الذي يعطي الفروع حجيتها، فالتفاوت إذن اعتباري مجرد، بمعنى أنه لا ينافيه أن تكون السنة قاضية من حيث البيان على كثير من نصوص القرآن، لأن هذا هو قرار القرآن نفسه، قال عز وجل: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم».
أما معايير الحكم على السنة، فقد سبق لعلمائنا أن أثبتوها، حتى إنه لم يتوفر لعلم ما توفر للسيرة والسنة المشرفة من ضبط ودقة وعناية، أما تميز التشريع من غيره، فالسنة تنقسم إلى أقوال وأفعال وإقرار، ولا لبس بأن الأقوال تشريع، أما الأخبار فلا، ويبقى الأفعال والإقرار. وهنا، فإن الأفعال المتعلقة بآخرين تحمل دلالات تشريعية يستفاد منها الوجوب أو الندب أو الإباحة، باستثناء ما يدخل تحت سلطان الهواجس النفسية أو الجبلة البشرية أو أخرى خاصة به عليه السلام.
المسألة -بالطبع- تحتاج إلى شرح طويل، ولكن إعادة إحياء السنة وتقديمها لأجيالنا بصورتها اللائقة وبمشروعها الإنساني والأخلاقي، أصبحت ضرورية في عصرنا هذا الذي يبحث فيه الناس عن نماذج حية يقتدون بها.

 

 

(الدستور)

0
التعليقات (0)