هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عاد الصيف وعادت معه معاناة المزارع إسماعيل أبو مفرح من بلدة تقوع جنوب شرق مدينة بيت لحم بالضفة المحتلة؛ حيث بات ري مزروعاته يكلفه أضعاف ما تحتاج بالوضع الطبيعي.
وفي ظل اشتداد الحرارة في تلك المنطقة يضطر أبو مفرح إلى ري مزروعاته بكثرة خلال فصل الصيف؛ ولكنه يصطدم بالواقع الفلسطيني المرير الذي يحمل معه شح المياه واضطرار الفلسطينيين إلى شرائها.
ويقول أبو مفرح لـ "عربي21" إنه ورغم عيشه في منطقة مقامة على حوض مائي إلا أنه يضطر لشراء عشرة أكواب من المياه بقيمة 200 شيكل (57 دولارا) لأن تيار المياه ينقطع لأكثر من 20 يوما في فصل الصيف بتحكّم الاحتلال، وهو ما أدى به إلى الامتناع عن زراعة بعض المحاصيل خوفا عليها من الجفاف.
ويبين مدير بلدية تقوع تيسير أبو مفرح لـ "عربي21" بأن البلدة مقامة على خمس آبار ارتوازية رئيسية، أي أنها من المفترض أن تكفي حاجتها وتفيض إلى بقية مناطق جنوب الضفة، ولكن مع بداية الثمانينيات عمد الاحتلال إلى السيطرة على هذه الآبار وإقامة محطات مياه تساعده في الاستيلاء عليها.
ويوضح بأن أهالي البلدة والبالغ عددهم 14 ألف نسمة يحصلون على 30 ألف كوب شهريا بينما المستوطنون الذين يسكنون المستوطنات المقامة على أراضيها والبالغ عددهم ستة آلاف يحصلون على أكثر من 60 ألف كوب، أي أن المستوطن يحصل على أضعاف ما يحصل عليه الفلسطيني في بلدة غنية بالمياه.
ويشير إلى أن الاحتلال يبلغ أهالي البلدة في فصل الصيف بتخفيف ضخ المياه بحجة عدم وجود ما يكفي لهم، بينما أصبح المزارعون يضطرون إلى شراء المياه عبر الخزانات وبعضهم قلّص مساحات الزراعة بسبب أزمة المياه.
بدوره يؤكد الناشط الشعبي الفلسطيني راتب الجبور بأن الاحتلال قام مؤخرا بقطع شبكة المياه التي أنشأها الفلسطينيون في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل والممتدة من قرية اللتواني بحجة أنها غير مرخصة وأنها تقع في الأراضي التي يسيطر عليها وفقا لاتفاقية أوسلو الموقعة مع السلطة عام 1993، كما يهدم باستمرار آبارا شيدها الفلسطينيون تحت الحجة ذاتها ولكنه يريد فقط حرمان الفلسطينيين من مياههم.
اقرأ أيضا: تقديرات إسرائيلية: الضفة على موعد مع الانفجار القادم
ويبين الجبور في حديث لـ"عربي21"بأن الاحتلال يسيطر على الموارد المائية في جنوب الضفة خاصة المتمركزة في منطقتي تقوع جنوب شرق بيت لحم وسعير شمال شرق الخليل ويغذي بها مستوطناته في النصف الجنوبي من الضفة، مبينا بأنه أيضا يستفيد منها لتغذية منازل المستوطنين في المدن المحتلة عام 1948.
ويصف الفلسطينيون حالهم بالمزري في ظل توقيع اتفاقيات مجحفة بحقهم على مدار سنوات، حيث أن اتفاقية أوسلو لم تحمل بنوداً واضحة تشدد على سيادة الجانب الفلسطيني على أحواض بعينها وخاصة الفقرة الأولى من المادة 40 التي تحمل مصطلح الحق في استخدام المياه وليس السيادة عليها، كما يرفض الاحتلال الإدلاء بأي معلومات حول الحوض الغربي الذي يسيطر عليه في الأراضي المحتلة عام 1948 إضافة إلى رفضه استخدام الفلسطينيين لمياه نهر الأردن، طارحا بدائل مكلفة لهم مثل تكرير المياه أو تحلية مياه البحر.
ويقول الخبير في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدة لـ "عربي21" إن هناك حوضا مائيا شرقيا فلسطينيا لو تم استغلاله لكان سد حاجة الفلسطينيين في كامل منطقة الأغوار ومنطقة رام الله بأكملها، ولكن الاحتلال الإسرائيلي على أرض الواقع يتحكم بالموارد المائية بشكل كبير.
ويوضح بأن الاحتلال قام بحفر آبار ارتوازية عشوائية في منطقة الأغوار عملت على تجفيف الآبار الفلسطينية القائمة قبل عام 1967 الذي حمل معه احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، مبينا بأنه بعد هذا العام منعت "إسرائيل" حفر آبار فلسطينية وسيطرت على الحصة المائية الفلسطينية بشكل كبير.
وبحسب موقدة، تصل نسبة سيطرة الاحتلال على الموارد المائية في فلسطين إلى أكثر من 86% في الضفة الغربية.
ويضيف:" الآبار الارتوازية العشوائية الإسرائيلية حوّلت المياه الفلسطينية إلى مالحة غير قابلة للاستغلال الزراعي، بينما حاول المزارعون حفر آبار زراعية في مناطق معينة من الأغوار إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل بعد منع قوات الاحتلال لهم".
اقرأ أيضا: وزير إسرائيلي يدعو لضم الضفة الغربية وإسقاط محمود عباس
ولكنّ الأقسى في هذا الملف هو أن الاحتلال استولى على المياه الفلسطينية وأصبح يبيعها لأصحابها متحكما في كميتها وسعرها وحتى الأيام التي يجب أن يبيعها لهم فيها؛ وهذا الأمر أدى إلى عدم توازن في الغطاء الزراعي ومياه الشرب بين المناطق التي تسيطر عليها السلطة وتلك التي تحتلها "إسرائيل".
ويربط موقدة بين إنهاء الاحتلال وحل أزمة المياه في فلسطين والتي أصبحت من أكثر الملفات تعقيدا ولا تحمل أفقا للحل، حيث يرى بأن الصراع مع الاحتلال بات صراعا على الموارد الطبيعية وتتمثل في الأرض والمياه والتنوع البيئي وغيرها.
ويحاول الاحتلال قدر الإمكان تقليل نسبة حصول الفلسطيني على المياه كواحدة من أدوات الطرد والتهجير البطيء، وفي المقابل يغذي المستوطنات بما يفيض عن حاجتها بينما تعيش المنازل الفلسطينية ضحية قلة مياه الشرب والري ما يضطرها لشراء المياه المكلفة جدا.