مقالات مختارة

ترامب و«شي».. دعوة لوقف التصعيد

توماس فريدمان
1300x600
1300x600

إذا كانت لديّ أمنية واحدة محققة فستكون أن يتراجع زعيما الولايات المتحدة والصين وكبار مفاوضيهما التجاريين عن التصعيد في نهاية الأسبوع الجاري، وأقترح أن يلتقوا في سنغافورة، وأن يقوم رئيس الوزراء السنغافوري «لي هسين لونج» بدور الوسيط، بمنأى عن الصحافة وعن التغريد على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات تجارية وجيوسياسية أساسية تحكم علاقاتهما المستقبلية. لأنه إذا استمرت سياسة التصعيد التجاري والتصعيد المضاد، فسيصل قادة البلدين إلى مرحلة سيندمون عليها ومعهم بقية العالم، بزعزعة ركائز العولمة التي أسهمت إسهاما كبيرا في الازدهار والسلام النسبيين اللذين يعمّان الكوكب منذ خوض حربين عالميتين خلال القرن الماضي. 

والولايات المتحدة والصين هما أقوى دولتين واقتصادين في العالم. واقتصاداهما مترابطان ترابطا شديدا، ما يعني أنهما إذا بدأتا قطع الاتصالات وسلاسل إمداد التصنيع وبرامج التبادل الطلابي والاستثمارات المالية التي بدأت بينهما منذ سبعينيات القرن الماضي، فسينتهي بنا المآل جميعا إلى العيش في عالم أقل أمنا ورخاء واستقرارا. 

وإذا كنتم لا تتصورون أن ذلك احتمال حقيقي، فأنتم لم تنتبهوا للواقع! وربما كان الرئيس دونالد ترامب محقا في خوض محاولة علاج تجاري بالصدمة مع بكين. فالصين لم تعد ترغب في بيع ألعاب الأطفال وأحذية لاعبي التنس الأميركيين، وإنما ترغب الآن في بيع منتجات التكنولوجيا المتطورة مثل اتصالات الجيل الخامس والروبوتات والسيارات الكهربائية وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتخصص فيها الولايات المتحدة. لذا، على الصين أن تفهم بوضوح أن الولايات المتحدة لن تغض الطرف بعد الآن عن أية ممارسات تجارية صينية تعتبرها انتهاكا. 

لكننا نحتاج إلى ميدان منافسة عادل، وليس ميدان معارك جديدا!

وأشار «نادر موسافيزاده»، المؤسس المشارك لشركة «ماركو» للاستشارات الجيوسياسية التي تقدم المشورة لكثير من الشركات العالمية حول القيام بأعمال في الصين، إلى ضرورة القيام بعملية إعادة ضبط استراتيجية للعلاقات مع صين القرن الحادي والعشرين، لكن مكمن الخطر في أننا نسير على غير هدي صوب صراع أجيال غير ضروري، كما أننا غير مستعدين له في الغرب أكثر من استعداد الصين.

وأضاف: «كان هناك ميل في السياسات الغربية تجاه الصين إلى التردد بين بديهية أن العلاقات الأميركية الصينية هي الأهم في القرن الحادي والعشرين، ومن ثم لا بد من حمايتها مهما كانت التكلفة من الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية العادية، وبين حتمية مساوية بشأن صراع قوى كبرى جديد مع الصين. لكن لا يبدو أن هناك مفرّا من حرب باردة جديدة». 

وعلى رغم من ذلك، يبدو أن الانقسام الجديد مع الصين يبدأ بالتكنولوجيا ويمتد إلى التمويل والتصنيع، لكنه سينتهي بالشعب، بحسب «موسافيزاده». وتابع: «إذا انتهت حرب الرسوم الجمركية بإخراج المواطنين الصينيين من الشركات الغربية، وإخراج المواطنين الأميركيين من الشركات الصينية خوفا من التجسس أو السرقة، فسيشكل ذلك خطوة لا تراجع عنها على طريق العداء بين الأجيال». 

وعلى رغم من أنني أتفق مع الدافع الأساسي لترامب حول أن المشكلة التجارية لا بد من معالجتها بأسلوب استراتيجي، فإنني أختلف مع اعتماده الكامل على الرسوم الجمركية لدفع الصين إلى الجلوس على مائدة المفاوضات. 

فمن السهل إساءة استخدام الرسوم الجمركية، لاسيما أن جميع قطاعات الاقتصاد الأميركي، مثل الزراعة، تتطلب إعفاءات خاصة. والأكثر أهمية من ذلك، أن هذا النهج يجعل الصراع مرتبطا ارتباطا كاملا بـ«أميركا في مواجهة الصين بشأن التجارة»، في حين أن الدول الأوروبية والآسيوية واللاتينية لديها المشكلات التجارية ذاتها التي نواجهها مع الصين.

وكان حريّا بترامب أن يوقع اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي تحشد أكبر 12 اقتصادا في منطقة المحيط الهادئ باستثناء الصين، أي ما يمثّل 40 في المئة من إجمالي الناتج العالمي، خلف المعايير التجارية الأميركية، وعندئذ يسعى إلى جانب الاتحاد الأوروبي أيضا، على حشد ائتلاف واحد للتفاوض على نظام تجارة جديد مع بكين. لكن الرئيس الأميركي مزّق بدلا من ذلك اتفاق الشراكة وأبعد الأوروبيين عندما فرض عليهم رسوما جمركية متنوّعة على الحديد والألومنيوم. 

لكن ذلك أصبح من الماضي!

فقد اعتقد فريق ترامب أن هذا النهج سيجدي نفعا وأن ضغوط الرسوم الجمركية والمفاوضات ستحمل الصين على تطبيق قيودها القانونية على انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، والنقل القسري للتكنولوجيا، ومساعدات حكومية معينة لشركات صينية، وقواعد التجارة غير المنصفة، والتدخل في أسعار صرف العملة والقيود على أسواق الخدمات المالية. 

لكن ربما يكون عام 2019 هو بداية الحرب الباردة الاقتصادية والجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وإقامة سور مماثل لسور برلين في منتصف سوق التكنولوجيا العالمية، يقسم بين من يثقون في استخدام التكنولوجيا الصينية لتشغيل هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر وأنظمة الإنترنت من الجيل الخامس، ومن لا يثقون فيها. 

ولا أعرف ما إذا كنّا قد وصلنا إلى هذه المرحلة، لكن ما أعرفه أنه من الملحّ أن نتفادى ذلك إذا أمكننا. وعلى الجانبين أن يلتقيا على أعلى المستويات ويستكشفا ما إذا كان هناك نهج موثوق وتدريجي لتغيير الممارسات التجارية الصينية التي يمكن أن يتعايش معها كلا الجانبين.

وعليهما أن يستكشفا ما إذا كان هناك بديل لحظر شركات مثل هواوي، مثل فرض غرامات أو تعليق عملها عند حدوث انتهاكات، مع منحها خريطة طريق واضحة للعودة إلى أسواقنا إذا ما أظهرت تصحيح مسارها. 

ولا بد ألا يكون هدفنا هو عزل الصين وخلق اقتصاد عالمي وأسواق إنترنت وتكنولوجيا منقسمة، وإنما ينبغي أن يكون حمل الصين على ممارسة أفضل الممارسات إزاء كل تلك القضايا.

عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل