قضايا وآراء

تحدي الاستحقاق الرئاسي في الجزائر

امحمد مالكي
1300x600
1300x600

هل يذهب الجزائريون إلى الاستحقاق الرئاسي في الرابع يوليو/ تموز 2019، والحراك على عتبة إنهاء شهره الثالث، وما زال محافظا على انتظامه واستمراره السلمي، ومتمسكاً بمطالبه، كما أعلن عنها منذ انطلاقه في 22 شباط/ فبراير 2019؟ وهل سترى الجدولة الجديدة، التي أعلن عنها الرئيس المؤقت "عبد القادر بن صالح" في 9 نيسان/ أبريل الماضي، طريقها إلى التنفيذ؟

لا يبدو أن هناك حظوظا من الناحية السياسية والواقعية لاختيار الشعب الجزائري رئيسه في في 4 تموز/ يوليو المقبل، فكل المؤشرات تدل على استحالة تحقق هذه الإمكانية، بل إن بعض المنابر الدولية لم تتردد في التأكيد من مصادرها الخاصة؛ على أفق التأجيل وحتمية حصوله.

 

الشعب الذي يشكل القاعدة العريضة للجسم الانتخابي قال كلمته، وكما ضغط من أجل قطع الطريق أمام الرئيس "بوتفليقة" للترشح للعُهدة الخامسة، ودفعه إلى الاستقالة، سيضغط من أجل عدم إجراء انتخابات رئاسية في التاريخ المعلن عنه

لماذا حتمية التأجيل وصعوبة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في وقته المعلن رسميا، أي 4 تموز/ يوليو المقبل؟.. الجواب هو أن الشعب الذي يشكل القاعدة العريضة للجسم الانتخابي قال كلمته، وكما ضغط من أجل قطع الطريق أمام الرئيس "بوتفليقة" للترشح للعُهدة الخامسة، ودفعه إلى الاستقالة، سيضغط من أجل عدم إجراء انتخابات رئاسية في التاريخ المعلن عنه، وبالإمكانيات والوسائل التي عبر عن رفضه لها. بيد أن أفق التأجيل يستلزم إجراءات الإعلان الرسمي عنه، والتوافق على تاريخ جديد برؤية ووسائل جديدة، وهو ما يعني أن مؤسسة الجيش التي تقود العملية السياسية؛ ملزمة بالوصول إلى مخرج سياسي مع الحراك الاجتماعي، بكل ما يقتضي هذا الوصول الدقيق والاستراتيجي من جرأة وإقدام في التواصل، لبناء التوافق حول المشترك الواقعي والممكن.

 

ثمة منطقان يبدوان مختلفين في التعاطي مع مطلب التغيير السياسي في الجزائر: منطق الحراك الاجتماعي، الذي ينشُد إعادةَ بناء الجمهورية الجزائرية الثانية، بفلسفة وقواعد جديدة، وبإرادة حرة ومستقلة في اختيار النخب الموكول لها ممارسة السلطة وقيادة المؤسسات. وهناك، في المقابل، منطق مؤسسة الجيش، التي حرص قادتُها على حماية استقرار البلاد، والتمسك بأحكام الدستور، وفي الآن معا الإقدام على اتخاذ بعض قرارات التطهير في حق رموز من النظام السائد خلال السنوات العشرين المنصرمة، دون أن يصل منطق الجيش حدَّ التجاوب العميق أو التماهي مع مطالب الحراك.. والحقيقة، وإن اختلف المنطقان، فقد ظلت أواصر التفاعل بين الطرفين، أي الحراك والجيش، إيجابية وقوية، بل عبرت شعارات الحراك عن عمق اللحمة التي تربط الشعب الجزائري بجيشه الوطني.

 

تعايش المنطقين وصل نهايته، وأنهما دخلا مرحلة دقيقة، ربما لا تقبل الاستمرار، وأن الوضع التاريخي الذي تعيشه الجزائر يستلزم من الطرفين حلا سياسياً نوعياً مغايرا للأسابيع التي سبقته

يجدر التنبيه إلى أن تعايش المنطقين وصل نهايته، وأنهما دخلا مرحلة دقيقة، ربما لا تقبل الاستمرار، وأن الوضع التاريخي الذي تعيشه الجزائر يستلزم من الطرفين حلا سياسياً نوعياً مغايرا للأسابيع التي سبقته. لذلك، سيكون مفتاح الحل، في تقديرنا، الحوار والتفاوض والتوافق حول المخرج الملائم لما هو جار في الجزائر منذ شهور.

نستبعد مرة أخرى فرضية التصادم؛ لأن الحراك يعي تمام الوعي أهمية البقاء ملتحما بالجيش، ويعي الجيش، دون شك، خطورة اللجوء إلى اعتماد طريق التصادم.. فالطرفان معا يجنحان إلى تغليب السلمية، وحماية المصالح العليا للبلاد، واستخلاص الدروس التاريخية والسياسية من مآلات الحراك العربي في نسخة العام 2011، علما أن المتغير الجديد الحاصل في وعي مكونات الحراك الجزائري، يؤكد تجاوز الجزائريين شبح تكرار مآسي العشرية السوداء، واقتناعهم العميق بالمخزون النضالي الموجود لديهم من أجل إدراك التغيير المنشود وانجاز متطلباته.. وهو ما يجعل الجيش مُدركا صعوبة الوقوف الحاد أمام تطلعات الحراك، أو الركوب عليه لإعادة انتاج النظام السابق، كما حصل في بعض البلاد العربية )مصر تحديدا(.

إذا افترضنا أن خطوة نوعية ستعرفها الجزائر في قادم الأيام، عنوانها تأجيل تنظيم الاستحقاق الرئاسي، والتفاوض حول آليات تدبير المرحلة الانتقالية المقبلة، فما الممكن توقع الاتفاق عليه من قبل الطرفين؟

لا شك في أن نجاح الاتفاق السياسي بين الطرفين يستلزم أولا إرادة بناء التوافق، أي تيسير بيئة الحوار، وشروط تبلور إرادة البحث عن المشترك، من قبل الجيش والحراك معا. فمن جانب الجيش، تتحقق إرادة التوافق من خلال الخروج من المنطق الخالي إلى منطق جديد قوامه الاقتراب أكثر من نبض الحراك وجوهر تطلعاته، والتوفيق الخلاق بين شكلية الدستور وروحه. ودون هذا الإقدام الجري والواضح، لن يستقر الاقتناع المطلوب في ضمير الحراك ووجدانه.

 

الاستحقاق الرئاسي المقبل حمّال لأكثر من تحدٍ، وربما سيكون أكبر خطر محدق بالعملية السياسية الجارية في الجزائر منذ ثلاثة شهور

ومن جانب الحراك، تقتضي إرادة التوافق الانتقال النوعي إلى مرحلة جديدة، يتمكن الجزائريون خلالها من تشكيل عقل يقودُهم، ويغرس روح العقلانية في حراكهم، ويمدهم برؤى واضحة حول مستقبل التغيير الذي ينشدونه.. إنها جدلية بالغة الأهمية والدقة، بدونها سيطول أمد التجاذب داخل المجال السياسي الجزائري، وربما سيفتح البلاد على أكثر من خيار وأفق.

الخلاصة إذن، أن الاستحقاق الرئاسي المقبل حمّال لأكثر من تحدٍ، وربما سيكون أكبر خطر محدق بالعملية السياسية الجارية في الجزائر منذ ثلاثة شهور. لذلك، الاجتهاد في تدبير المرحلة القادمة سيكون له الدور الفاصل لما ستؤول إليه مسارات الحراك والعملية السياسية برمتها.. اقتناعنا كبير في أن الروح السلمية والحضارية التي طبعت الحراك، وأكسبت الجزائريين أجمل الألقاب والنعوت، ستنتصر في النهاية، كما أن وعي الجيش بدوره التاريخي والوطني، ومسؤولية العظيمة في تعضيد مساعي البلاد إلى التغيير نحو الأفضل؛ سيكون صمام أمان بالنسبة إليه، وسيذكي فيه روح الاجتهاد الخلاق في إبداع الحلول والمخارج لنجاح الجزائر، كتاريخ ووطن للعيش المشترك.

التعليقات (1)
ذ. العربي بوعودة
الخميس، 23-05-2019 04:36 ص
تحليل علمي دقيق الوضع السياسي بالجزائر وقراءة للممكن خلال الشهرين الفاصلين عن أول استحقاق رئاسي لما بات يعرف بالجمهورية الثانية في الجزائر. مشكور استاذنا الدكتور المالكي.

خبر عاجل