هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتقد الصحفي البريطاني المعروف روبرت فيسك ما أسماه نفاق الساسة الأمريكيين، وندبهم مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقي قبل شهرين في قنصلية بلاده باسطنبول.
وقال في مقالته بصحيفة "إندبندنت"، التي ترجمتها "عربي21": "اعفني من بكاء الأمريكيين على جمال خاشقجي. فهو مبرر لتقريع ترامب، ويتجاهل جرائم (سي آي إيه) السابقة".
وأضاف: "هل أنا الوحيد - بعيدا عن المتملقين- من وجد منظر أفضل الجمهوريين والديمقراطيين وهم يشجبون محمد بن سلمان مثيرا للقرف؟"، حيث وصفوه بالمجنون وكرة مدمرة و"منشار مدخن"، فهؤلاء الرجال غاضبون.
ولكن مديرة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) جينا هاسبل، يتابع فيسك، التي وقّعت على تعذيب السجناء المسلمين في سجن أمريكي بتايلاند، كانت تعرف "بوضوح" ما تقوله عندما تحدثت عن معاناة جمال خاشقجي وما تعرفه عن دور ابن سلمان.
اقرأ أيضا: التايمز: هكذا تتعامى لندن عن جرائم الرياض وأبو ظبي
وتكشف تسريبات الحكومة الأمريكية أن جينا هاسبل كانت تعرف عن صرخات المعاناة للرجال العرب، الذين كانوا يعتقدون أنهم يغرقون والمناشدات اليائسة من ضحايا أمريكا في مخابئ الألم خلال وبعد عام 2002.
وبعد كل ذلك، فالصرخات اليائسة لرجل كان يعتقد أنه يغرق لا تختلف في النهاية عن صرخات رجل كان يُخنق، بخلاف أن ضحايا (سي آي إيه) عاشوا ليواجهوا تعذيبا جديدا في يوم آخر- وبالتأكيد أياما عديدة أخرى، أما عملية خنق جمال خاشقجي فكان الهدف منها هو إنهاء حياته، وهو ما حصل.
ويذكّر فيسك بسجل التعذيب الذي مارسته (سي آي إيه)، فقبل جيل عذبت من خلال "عملية الفينيق"، واغتالت بطريقة لا يمكن لعملاء المخابرات السعودية تخيّلها. فبلغة الجواسيس، تم وقفه نهائيا دون فرصة لاستخدامه مرة أخرى. ويتساءل الكاتب إذا كانت (سي آي إيه) قادرة على التوقيع على عمليات قتل بالجملة في فيتنام، فلماذا لا يستطيع ديكتاتور عربي عمل الشيء ذاته، وإن كان على قاعدة أصغر؟!
ويتخيل الكاتب أن الأمريكيين استخدموا المنشار، وتكشف الشهادات في فيتنام أن عمليات الاغتصاب الجماعية تبعتها عمليات تعذيب لأعدائهم. والسؤال لماذا يستمع القتلة للموسيقى وهم يمارسون القتل؟
اقرأ أيضا: القحطاني أشرف على تعذيب معتقلة.. وهذا وضع الأخريات
إلا أن العرض مستمر، فها هو السيناتور الديمقراطي بوب ميننديز يقول هذا الأسبوع إن على الولايات المتحدة إرسال "رسالة واضحة بعدم قبول أفعال كهذه على المسرح الدولي"، والفعل هنا هو مقتل خاشقجي. وهذا الكلام يأتي من رجل يدافع دائما عن المذابح الإسرائيلية في غزة.
ويتساءل فيسك قائلا: "ماذا يجري هنا بحق السماء؟"، فربما كان "المسرح العالمي" الذي يتحدث عنه ميننديز هو البيت الأبيض، الذي لم يكن ولي العهد السعودي غريبا عنه.
ويقول فيسك إن البيت الأبيض سكنه في الماضي رئيس اعتبر مذنبا بجرائم حرب في العراق ومقتل عشرات الآلاف من العراق، فلماذا يرغي السيناتورات ويزبدون حول رجل واحد ـ محمد بن سلمان المتهم بقتل رجل عربي واحد - إذا وضعنا حرب اليمن جانبا. وبعد كل هذا كان لدى قادة العالم- والرؤساء الأمريكيون منهم- تعاطف مع السفاحين ومن يواجهون اتهامات بجرائم حرب. فقد التقى ترامب مع كيم جونغ- أون ودعاه إلى البيت الأبيض. وننتظر زيارة روديريغو دوتيرتي قبول الدعوة لزيارة البيت الأبيض.
واستقبل أوباما بحفاوة عددا من الديكتاتوريين الدمويين من غامبيا، بوركينا فاسو والكاميرون، هذا قبل أن نتذكر سوهارتو الذي قتلت فرق الموت التابعة له نصف مليون شخص. وكذا حسني مبارك الذي قتلت قواته السرية واغتصبت السجناء، الذي وقع على توقيع مئات الإسلاميين دون محاكمة عادية، وكذا خليفته الأكبر المارشال عبد الفتاح السيسي الذي سجن 60.000 مصريا وقامت شرطته بتعذيب طالب إيطالي حتى الموت. إلا أن غويليو ريجيني لم يُقتل في القنصلية المصرية. ولا تضم القائمة حتى أرييل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي الذي اتهمه تحقيق إسرائيلي بذبح 1.700 فلسطيني مدني في صبرا وشاتيلا قرب بيروت عام 1982.
ويسخر الكاتب من الرسالة التي لا جدال فيها والتي يتحدث عنها السناتور ميننديز. ويقول إن الرسالة واضحة منذ عقود. فالمصالح الأمريكية دائما تتفوق في البعد الأخلاقي والجريمة الدولية. ويتساءل عن موجب دعم الولايات المتحدة لصدام حسين في حربه ضد إيران وغض طرفها عن استخدام السلاح الكيماوي ضدها. ولماذا ناشد دونالد رامسفيلد صدام حسين إعادة فتح السفارة الأمريكية في بغداد في وقت قتل فيه الغاز السام 3.000 من سكان حلبجة الكردية، شمال العراق. وربما كان العدد أكبر من 50 ألفا. وبعملية حسابية خمسون ألفا مثل جمال خاشقجي. وقد نصاب بالصدمة عندما قامت هاسبل التي اعترفت قليلا للشيوخ أن الديكتاتور المفضل لأمريكا في الشرق الأوسط، كان يعرف عن عملية قتل خاشقجي. هل يعتقد ميننديز أن صدام حسين لم يوقع أحكام الإعدام ضد آلاف الرجال والنساء العراقيين، الذي نعرف الآن من محاكمته قبل أن يلتقي برامسفيلد. أو أن دوتيرتي- الرئيس الفلبيني- الذي قارن نفسه بهتلر لم يقتل المشتبه بهم بترويج المخدرات؟ أو أن سوهارتو لا يد له في قتل نصف مليون أندونيسي؟
ومن الغريب أن أعضاء مجلس الشيوخ لم يشعروا بالصدمة تجاه حرب اليمن التي بدأها محمد بن سلمان بدعم لوجيستي من أمريكا وبريطانيا، ولم يكونوا بحاجة لشهادة من هاسبل. فهنا مجرد عرب يقتلون عربا. ولكن التجويع لم يذكر في كلام الشيوخ عندما خرجوا من اجتماعهم مع هاسبل. ولكنهم كانوا يعرفون عن تدمير المساجد واستهداف حفلات الزفاف والمستشفيات والمدارس في اليمن. لماذا لم تذرف ولا دمعة على هؤلاء الأبرياء. أو عندما يقوم الجيش الأمريكي بضرب المساجد والأعراس والمستشفيات والمدارس في أفغانستان والعراق وسوريا، وفي كل مرة نتيجة الخطأ. لا فالصدمة والرعب بحاجة لفضح تام للسعوديين وعلاقتهم بترامب وربطه بالجريمة البشعة بقتل صحفي واشنطن بوست، المقيم في أمريكا، الذي حمل ترامب مسؤولية قتله الشنيع على "العالم الشرير".
ولا ينسى الكاتب الحديث عن هجمات أيلول/سبتمبر 2001، التي شارك فيها 15 سعوديا من بين 19 مهاجما، بالإضافة لأسامة بن لادن. وأن جورج دبليو بوش سمح للعائلة السعودية بالسفر بطائرات خاصة بعد الهجمات رغم وقف الطيران الأمريكي، وأن السعوديين هم ورثة نسخة متشددة من الإسلام تعود إلى محمد بن عبد الوهاب، التي ألهمت طالبان والقاعدة وداعش وكل القتلة الذين اعتبرهم الغرب العدو رقم (1).
ويقول إن إثبات تهمة محمد بن سلمان وصلبه هي عملية سهلة للشيوخ الأمريكيين، فأنت تضرب الرئيس وتحطم كل التفاصيل التاريخية السيئة بضربة واحدة.
ويجب ألا تعوّل على هذا، فهنا النفط والخليط الغريب، فعبد الوهاب القديم محمي من خلال قريته القديمة التي تم تطويرها لمدينة سياحية قبل سبعة أعوام، ويختم بالقول: "هذا عالم خطير تمشي فيه أمريكا وحلفاؤها، وهو عالم يهين آلاف المسلمين الذين اختفوا بسبب قنابلنا وصواريخنا. وقذائف الهاون- قدمها لهم وكلاء من نثق بهم ولا يعرفون التيارات الدينية التي تهدر تحت أقدامنا وتحت بيت آل سعود. وحتى المعلومات التي تعلمتها هاسبل من تجربة السجون السرية، ربما قدمتها للشيوخ لو كلفوا أنفسهم بالسؤال.