هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
علمت
"عربي21" أن تعليمات أمنية صدرت لوسائل الإعلام المصرية بعدم نشر البيان
الذي أصدرته هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف مساء الاثنين، وأعلنت فيه رفضها
لدعوات المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.
وطبقا
لمعلومات حصلت عليها "عربي21" من عاملين في عدد من الصحف المصرية، فإن
المواقع التي قامت بنشر بيان الهيئة حذفته بعد أربع ساعات من النشر، بعد إبلاغها أن
التعليمات صادرة من مؤسسة الرئاسة، وهو ما حدث في بوابة الأهرام ومواقع اليوم السابع
والوطن ومصراوي، بينما لم تقم مواقع وصحف أخرى شهيرة بنشر الخبر، مثل الشروق
والمصري اليوم.
وفيما
يتعلق بالقنوات الفضائية، فقد كانت الأوامر صارمة بعدم التطرق للبيان بالسلب أو
الإيجاب، والتركيز على بيان مفتي الديار المصرية شوقي علام، الذي أصدره صباح
الاثنين، والكلمة المتلفزة للمفتي السابق علي جمعة ردا على الأستاذ بجامعة الأزهر
سعد الهلالي، الذي أكد مشروعية المساواة في الميراث.
وكانت
هيئة كبار العلماء في الأزهر أصدرت بيانا شديد اللهجة مساء الاثنين، حسمت فيه الجدل
الدائر حول قضية المساواة في الميراث، واعتبرته ضمن الحملة الممنهجة ضد الثوابتِ الشَّرعيةِ
المُحْكَمةِ التي يُحاوِلُ البعضُ التحقيرَ مِنها والاستخفافَ بأحكامِها، ويَجتهِدُ
آخَرونَ في التقليلِ من قيمتِها.
وأكد
البيان الذي وصلت "عربي21" نسخة منه أن البعض سوَّلَتْ لهم عُقولُهم القاصرةُ،
وخيالاتهم البعيدة عن الشرع وأحكامه، أن الإسلامَ ظَلَمَ المرأةَ حِينَ لم يُسَوِّ
بينها وبينَ الرجلِ في الميراثِ تسويةً مطلقةً، وأنه ينبغي أن تأخُذَ المرأةُ -المظلومةُ
في زعمِهم!- مثلَ ما يأخُذُ الرجلُ.
ويشير
البيان إلى أنه انطلاقًا مِن المسؤوليَّةِ الدِّينيَّةِ التي اضطلع بها الأزهرُ الشريفُ،
فإنه لا يَتَوانَى عن أداءِ دَورِه، ولا يتأخَّرُ عن واجبِ إظهارِ حُكمِ الله للمُسلِمينَ
في شتَّى بِقاعِ العالمِ، مؤكدا أن آياتِ المواريثِ من النصوصَ الشرعيَّةَ قطعيَّةَ
الثبوتِ والدَّلالةِ، ولا تحتملُ الاجتهادَ، ولا تقبل التغير بتغير الزمان والمكان والأحوال،
وأن الخوضُ الباطلِ في أحكام الشريعة يفتح البابَ لضَربِ استقرارِ المجتمعاتِ.
وأنهى الأزهر بيانه برسالة واضحة بأن دوره في حراسةِ أحكام الدين وبيانها للناس هي رسالةٌ
عالمية لا تَحدُّها حُدُودٌ جُغرافية، ولا توجُّهات عامة أو خاصة، ويتحمَّل عبئها رجال
من الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا
إِلَّا اللَّهَ.
اقرأ أيضا: هكذا وصف الأزهر المؤيدين للمساواة في الميراث (شاهد)
من جانبه، يؤكد الباحث في الشؤون الإسلامية عبد الله حماد، لـ"عربي21"، أن بيان هيئة
علماء الأزهر كان موجها للنظام المصري قبل أن يكون موجها لدعاة المساواة في
الميراث، وهو ما يبرر التعليمات التي صدرت لوسائل الإعلام بعدم نشر البيان أو حذفه
بعد نشره بالفعل.
ويشير
حماد إلى أن العلاقة بين رئيس النظام العسكري عبد الفتاح السيسي والأزهر تشهد توترا
ملحوظا، وأن هناك بعض الشخصيات التي لها ثقل سياسي في مصر تحاول التدخل لنزع فتيل
الأزمة بين الطرفين، موضحا أنه صباح اليوم ذاته الذي أصدر فيه الأزهر بيانه حول
المساواة في الميراث، كانت هناك زيارة هامة قام بها رئيس الجمهورية المؤقت سابقا
عدلي منصور لشيخ الأزهر.
ويرى حماد
أن هذه الزيارة التي لم تحظ هي الأخرى بتغطية إعلامية، تشير إلى أن الصدام المباشر
بين الأزهر والسيسي دخل مرحلة متقدمة، وأن هناك محاولات لتهدئة الأجواء، ولكن يبدو
أن هناك داخل مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية من يريد أن تظل النيران مشتعلة، بدليل
الأوامر التي صدرت بعدم تناول بيان هيئة كبار العلماء.
ويضيف أستاذ
الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور عبد الحميد محسن، لـ"عربي21"، أن
الأزهر لا يواجه السيسي فقط، وإنما يواجه تيارا علمانيا تحكم في مفاصل الدولة
المصرية بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، وهو التيار الذي يعمل جاهدا على تحويل مصر
لدولة علمانية؛ بحجة محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة.
ويشير
محسن إلى أن البعض يريد اقتصار الصدام على أنه مع شخص شيخ الأزهر، ولكن الحقيقة أن الصدام
مع المؤسسة كلها، وأن الدعوات التي أطلقها بعض نواب البرلمان الكارهين للتيارات الإسلامية، بأن الشيخ أحمد الطيب من الخلايا النائمة للإخوان المسلمين، سبق أن أطلقوها على علماء
وطلاب الأزهر الذي رفضوا الانقلاب العسكري.
ويوضح
الأستاذ بجامعة الأزهر أن ما يميز الأزهر بأنه مؤسسة متماسكة، وأن اعتماد شيخ
الأزهر على مرجعية هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية يزيد من قوة موقفه في
مواجهة الصدامات المحتملة، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التصعيد ضد
الشيخ وهيئة العلماء، واتهامهم بخطف الأزهر ورسالته، وأنهم من الخلايا النائمة
للإخوان، وأنهم يدعمون الأفكار الداعشية، وغيرها من الاتهامات التي بدأ بالفعل
إعلام السيسي الترويج لها.
ويؤكد د.محسن
أن مواقف مفتيي الديار المصرية؛ الحالي والسابق، كانت قوية وداعمة لموقف الأزهر، ومؤيدة لصلابته ضد الأصوات المنادية بتجديد الخطاب الديني؛ من أجل تدمير الدين وليس
تجديده، منتقدا في الوقت نفسه موقف وزير الأوقاف، الذي يلعب دورا مشبوها ضد الأزهر
وشيخه؛ طمعا في إرضاء السيسي؛ من أجل أن يكون شيخ الأزهر المقبل.