شهدت
الآونة الأخيرة انشغالا إسرائيليا وأمريكياً واضحا بقضية
اللاجئين الفلسطينيين،
باعتبارها موضوعا ساخنا في التحليلات السياسية والنقاشات الاستراتيجية، التي تزخر
بها وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث
الإسرائيلية.
وأكدت
غالبية هذه الآراء الإسرائيلية على أن
حق العودة لا يجب أن يكون موضوعا قابلا للتفاوض بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وإن خضع للتفاوض فيجب أن يكون ضمن إضعافه
بالعديد من القيود والعقبات التي تحدّ من شموليته وفاعليته، كقصرها لحق العودة على
الكبار في السن وهم الجيل الأول للاجئين، وقد لا يقومون بالعودة دون عائلاتهم، إلى
جانب تطبيقه ضمن برنامج سنوي يرتبط بأعداد المهاجرين اليهود القادمين إليها كل
عام.
ويتجاهل
الإسرائيليون أن السبعين سنة الماضية وهي عمر قضية اللجوء، أثبتت أن حق العودة هو
صلب القضية الفلسطينية، ولا يسقط بتقادم الزمن، ومصان بقرارات ومواثيق دولية، مما
يحتم على جميع شرائح الشعب السياسية وقياداته التنفيذية والتشريعية أن تبدي موقفا مبدئيا واضحا حول تمسكها بهذا الحق، وإلزامية تطبيقه، وإن الموقف الرسمي
الفلسطيني المعلن والمتمسك بحق العودة بحاجة للمزيد من الوضوح والشفافية، وترجمة
فعلية في إطار أية محادثات أو اتفاقات في جميع المسارات، ومع جميع الأطراف ذات
الصلة.
كما
أن الموقف العربي الموحد الذي يجب أن يكون متمسكا بقرارات الشرعية الدولية ذات
الصلة بتلك القضية أكثر من أساسي لتعزيز الموقف الفلسطيني وإسناده، وهذا يتطلب
جهدا مكثفا تجاه الدول الشقيقة شعوبا وحكومات، وبهذا يطالب الموقف الرسمي
العربي والفلسطيني بأن يحاصر ويقف بكل إصرار ضد كل مشاريع التوطين والتصفية التي
تطرح كأساس للحلول السلمية، ويتمسك بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبشكل خاص
القرار 194.
وفي
حين أثبتت تلك السنون أن الإسرائيليين كانوا يراهنون على عامل الوقت في حل قضية
اللاجئين، ولذلك فقد شهدت تلك السنين فشل كل الإجراءات والمحاولات التي بذلت من
قبل أطراف دولية أو إقليمية لتوطينهم، لسبب بسيط يتجلى بحقيقة كون الفلسطينيين شعب
أصيل متجذر في أرضه، وبالتالي بإمكان الحركة الصهيونية خداع العالم كله لوقت ما
بمزاعمها في أسطورة الوعد الإلهي لليهود في فلسطين، إلا أن هذا الخداع لا يمكن أن
ينطلي على الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين.
لقد
رأت إسرائيل في شبح وجودها حقيقة ماثلة، وفي الوقت نفسه خلقت حقيقة جديدة مماثلة
تتجسد في رؤية اللاجئين وتطلعاتهم لاستعادة وطنهم، وبات إنكارها لحق اللاجئين في
وطن حقيقي وهوية واضحة تخبط ملأى بالتناقضات الجدية والأخطاء الجسيمة، لأن رفضها
للمشاريع الدولية الداعية لتفعيل حق العودة، ولو على استحياء في بعضها، يدعمها في
ذلك موقف الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه يحتوي على كثير من الظلم والتحكم،
فإنه يعني عدم الرغبة بالتوصل لتسوية دائمة ومقبولة، مبنية على التفاهم الحقيقي
والعدل غير المنقوص.
إن
رغبة اللاجئين في العودة إلى وطنهم وديارهم حيث وجدت هذه الديار، هي رغبة حقيقية
لم يزدها مرور ستين عاما سوى قوة وتصميما، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن
اللاجئين يفكرون بالتخلي عن هذا التطلع، وهذه الرغبة في المستقبل، مهما كانت نتائج
المفاوضات التي ستخرج عنها التسويات، أو الحلول الوسط المستقبلية بين العرب
و"إسرائيل".
إن
اللاجئين يعلمون أن عودتهم، إذا أقرت لهم، ستكون كمواطنين عرب في ظل دولة
"إسرائيل"، ويعلمون أن العودة قد لا تعني بالضرورة استعادة أملاكهم
وممتلكاتهم التي أجبروا على التخلي عنها عند الهجرة بالقوة والإرهاب، والتي قد لا
يكون معظمها قائما الآن، لكنهم يعلمون أيضا أن حق العودة للوطن هو حقهم الطبيعي
والمشروع، ويجب أن يُعترف به ويمارَس بأكبر قدر ممكن من الحرية الممكنة، وفقا لكل
الشرائع والمعايير الدولية، التي يدعي اليهود أنها أعادتهم لأرض الميعاد.
وحق اللاجئين والمهجرين في العودة إلى ديارهم حق أساسي من حقوق الإنسان، أكده
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق
الدولي لإزالة كل أشكال التمييز العنصري، والمواثيق الأوروبية والإفريقية
والأمريكية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهو حق غير قابل للتصرف، ولا
يسقط بمرور الزمن.
أخيرا..
فإن انشغال الولايات المتحدة وإسرائيل بقضية اللاجئين، منذ نشوء القضية وحتى اليوم،
لا في زمن الحرب ولا في زمن التسوية، لسبب واحد بسيط أن إسرائيل تعتقد جازمة، أن
الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين ينسف من الأساس المشروع الصهيوني، الذي قام على
تلفيق أسطورة فراغ فلسطين من شعبها، بهدف تحقيق دولة يهودية.