هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لو أن واحدا بالألف مما يقوله مثقفون وأنصاف وأرباع مثقفين في مجالسهم
يكتب وينشر أو يذاع لكان المشهد غير ما هو عليه، لكن ما أفرزه المكبوت العربي من
شيزوفرينيا وتلون حربائي قسم الكلام إلى همس ليلي وصخب نهاري، وهناك بالفعل من
يلعنون مفاهيم وعادات وأعرافا ليلا لكنهم يسبحون بحمدها نهارا؛ لأن الهدف في
النهاية هو التأقلم والقبول في النادي الاجتماعي، الذي يشترط في عضويته أن يكون
الجميع متساوين كأسنان المشط ومتشابهين كطبق البيض، ومن يغرد خارج السرب عليه أن
يدفع الثمن، حتى لو كان السرب من غربان تنعق فوق الأطلال!
وقد يكون ما يسمى النقد الذاتي غائبا عن ثقافتنا العربية إلى حد
كبير، لكنه موجود بوفرة وفائض يصلح للتصدير في المجالس الخاصة، لهذا فهو منزوع
الدسم والفاعلية، ويريح من يمارسون هذه الهواية وهي على الأغلب من أدبيات النميمة
كما يفعل المخدر لبعض الوقت ثم يفقد مفعوله وعندئذ لا بد من مضاعفة الجُرعات!
ورغم كل ما عصف بالعالم العربي في الأعوام الأخيرة من أعاصير قلبت
موائد ودمرت دولا وخلطت حابل القمح بنابل الزؤان، إلا أن العرب لم يتلقحوا ضد
تكرار الإصابات التي أصبحت وبائية بفضل العدوى وفقر المناعة !
وسيبدو المشهد اقرب إلى كوميديا سوداء اذا تخيلنا خروفا يثغو في قطيع
أمام المسلخ يدرك أن دوره قادم، لهذا قد يشتبك خروفان على عشبة أو نعجة في
الطابور؛ لأن الإدراك يشترط وجود خيال لدى الكائن يجعله يستشعر الخطر عن بُعد ويضع
نفسه في مكان الآخرين!
هكذا اصبح في عالمنا العربي ثقافتان إحداهما نهارية صاخبة ومُنافقة
وحربائية، والأخرى ليلية سرية غالبا ما تكون بالهمس، ولأن الثقافتين مستقيمان
متوازيان لا يلتقيان فإن انسداد الآفاق سوف يستمر، والوباء يستشري.
الدستور الأردنية