هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قبل بضعة أعوام نشر أكاديمي عراقي بحثا تقصى فيه دور المؤسسات العربية في تنمية وتطوير البحوث العلمية، وقدم الإحصاءات في جداول قارن من خلالها بين ما ينفقه العالم العربي كله على البحث العلمي وبين ما تنفقه دول أخرى منها إسرائيل، وأذكر أن أحد الجداول بقي إطارا يحيط بمساحة بيضاء تتوسطها إشارة تعجب!
وحين التقيته سألته عن السبب فأجاب بصوت يقطر دمعا أن كرامته الوطنية وكبرياءه القومي حالا دون ذكر النسبة الحقيقية لما ينفقه العرب على البحوث العلمية، وحين قرأت بعض التقارير عن أحوال العرب في السنوات الأربع الأخيرة شعرت بكثير من المهانة وأصابني غثيان مزدوج معا، سأكتفي بمثالين فقط، أولهما أن الدول العربية مجتمعة تصدر كتابا واحدا لكل ثلاثمائة ألف شخص أما دول الغرب وبالتحديد أمريكا فإن ما تصدره يقترب من خمسة وثمانين ألف كتاب في العام، ويصدر في إسرائيل ثلاثون ألف كتاب في العام، وهو رقم يتجاوز ما يصدره العرب جميعا!
والمثال الثاني هو أن العرب قاموا بتحميل أكثر من أربعين مليون فيلم وأغنية مقابل ربع مليون كتاب فقط وأن عمليات البحث عبر الإنترنت التي قام بها العرب حول مطرب واحد كانت ضعف عمليات البحث عبر الشبكة عن المتنبي ونجيب محفوظ ومحمود درويش ونزار قباني مجتمعين!
ويبدو أن المخفيّ أعظم ما دام هناك من الباحثين من يشعر أن كبرياءه الوطني يمنعه من ذكر الحقائق كما هي، وإن صح أن معرفة السبب تبطل العجب فإنه ليس من حق أحد منا أن يصاب بالدهشة إزاء أي مشهد وحشي أو كارثة قومية، وحين يكون الجاهل آخر من يعلم بما جرى له فلا بأس أن يتجشأ ويتثاءب ويبرطع حتى في مأتم أبيه، والمساكين في هذا المأتم القومي الذي يمتد من الدم إلى الدم هم الذين يعلمون ويتمنون من أعمامهم لو أنهم لا يفرقون بين حرف الألف والمكنسة أو عود الذرة !!
(الدستور الأردنية)