هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا مطولا لمراسلها ديكلان وولش، عن حالة النهوض التي شهدتها دولة قطر خلال العقود الماضية، من دولة كانت تعيش على الهامش، وتعتمد على صيد اللؤلؤ في الصيف، ورعي الجمال في الشتاء.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الأزمة الحالية متجذرة في حسد دول الجوار، ورغبة كل من ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وولي العهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بوضع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في مكانه، لافتا إلى أن الشيخ تميم ذكر أن فكرة الانقلاب الذي دعمته السعودية ضد والده عام 1996 لا تزال حية في أذهان القيادة القطرية.
ويقول وولش إن مخاوف الأمير لها ما يبررها، حيث قال مسؤولان أمريكيان إن السعوديين والإماراتيين فكروا بعملية عسكرية ضد قطر، مستدركا بأنه رغم عدم وضوح التفاصيل، إلا أن المحادثات كان خطيرة إلى الدرجة التي دفعت وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للاتصال بالسعوديين والإماراتيين وتحذيرهم ضد تحرك بهذا الشأن، وكرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه النصيحة في مكالمة مع مسؤولين سعوديين، فيما نفى السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة في مقابلة هذا الكلام، قائلا: "لم نفكر بهذا أبدا".
وتعتقد الصحيفة أن مجرد التفكير بعمل عسكري يظهر الكيفية التي تم فيها خرق القواعد التقليدية في الخليج كلها، حيث كان مجلس التعاون الخليجي، الذي من المفترض أن يقوم بحل المشكلات بين دوله الست، غائبا طوال الأزمة، وبدلا من ذلك تبنت السعودية عددا من رجال الأعمال القطريين المنفيين وبديلا محتملا للشيخ تميم، ورد القطريون على النار بالنار، حيث استقبلت المؤسسات الإعلامية سلسلة من الرسائل الإلكترونية المقرصنة لإحراج العتيبة، مشيرة إلى أن الرسائل جاءت من روسيا، إلا أن السعوديين يتهمون قطر بالوقوف وراءها، فيما تنفي الأخيرة أي دور لها، حيث جاء في بيان من الحكومة القطرية للصحيفة: "قطر كسياسة ومبدأ لا تشارك في جرائم إلكترونية أو (أخبار مزيفة)".
ويرجح التقرير عدم اقتراب نهاية الأزمة، لافتا إلى أنه مع أن السعوديين والإماراتيين ربما أساءوا قدرة الحصار على الضغط على قطر، إلا أنهم يشعرون أن لا شيء سيخسرونه لو واصلوا الحصار.
وينقل الكاتب عن المحلل في "كينغز كوليج" في جامعة لندن ديفيد روبرتس، قوله: "أعتقد أنهم قبلوا بالإبقاء على قطر تنزف"، مشيرا إلى أن انتقال الخلاف للأجواء، واتهامات الإمارات لقطر باعتراض طائراتها التجارية، قد يصعدان الأزمة من جديد.
وتلفت الصحيفة إلى سباق التسلح الجاري بين دول الخليج، حيث زادت قطر من مقاتلاتها عبر صفقات للحصول على طائرات "أف-15" و"رافال" الفرنسية و"تايفون" البريطانية، ورد السعوديون والإماراتيون ببناء تحالف عسكري اقتصادي أعلنوا عنه الشهر الماضي.
ويجد التقرير أن الشيخ تميم، الذي يحب الرياضة، حيث اشترى نادي سان جيرمان، وأسهم بحصول بلده على حق تنظيم مباريات كرة القدم عام 2022، يواجه اليوم مشكلة كبيرة تتمثل بالحصار الجوي والبري والبحري المفروض على بلاده من جيرانها، حيث أجبرت الطائرات المتجهة لقطر على تغيير مسارها، وقطعت العلاقات الدبلوماسية، وأغلق الممر البري الوحيد والبالغ طوله 40 ميلا، بشكل عزل الإمارة الصغيرة الغنية.
ويكشف وولش عن أن "من الأهداف غير المعلنة، التي لا تتحدث عنها الدول المحاصرة، هي الإطاحة بالأمير الشاب، مع أن المبررات للحصار تتركز على اتهامات دعم الإرهاب، والتقارب مع إيران، ومطالب بإغلاق قناة (الجزيرة)، التي تسبب لهم الصداع، ودعم الإسلاميين، إلا أن عملية الحصار أدت بالضرورة إلى تضامن الشعب القطري ووحدته ووقوفه وراء أميره، الذي تزين صوره الأماكن العامة".
وتذكر الصحيفة أن الأمير يرفض هذه الاتهامات كلها، ويرى أنها نابعة من "الحسد"، كما قال في مقابلة في نيويورك في أيلول/ سبتمبر 2017: "لا يحبون استقلالينا.. ويرونها تهديدا".
وينوه التقرير إلى أن حصار قطر كان إحدى خطوات قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي شحنت الأجواء في الشرق الأوسط، وكانت تهدف إلى الحد من تأثير إيران الإقليمي، وشملت محاولة فاشلة لإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، وتصعيد حربه المدمرة في اليمن، بالإضافة إلى ملاحقة خصومه في الداخل، وسجن بعضهم في فندق خمس نجوم.
ويقول الكاتب إن مواقف الأمير السعودي أسهمت في تشكيل مواقف الإدارة الأمريكية لدونالد ترامب، وأدت مغامراته إلى تداعيات بعيدة، حيث رفعت أسعار النفط، وفككت العملية السلمية الإسرائيلية الفلسطينية، وزادت من احتمالات الحرب مع إيران.
وتشير الصحيفة إلى "جوانب غير مفهومة من الأزمة الخليجية، التي بدت كأنها "خلاف عائلي"؛ نظرا للقواسم المشتركة بين العوائل الحاكمة، فالسعوديون والقطريون والإماراتيون ينتمون للقبائل البدوية ذاتها، وهم مسلمون، ويأكلون الطعام ذاته، ولهذا فخلافهم يحمل ظلال (شجار بين أولاد العم)، لكنهم اليوم يتسلحون في خلافاتهم بمليارات الدولارات والمقاتلات الأمريكية، واتخذ الخلاف منعطفا خطيرا في الأسبوع الماضي عندما اتهمت الإمارات قطر باعتراض طائرتين من طائراتها، وردت الدوحة بالتكذيب، والقول إن الإمارات هي من اخترقت أجواءها".
ويقدم التقرير صورة عن الطريقة التي تحولت فيها قطر من بلد منسي كان ينزل فيه القراصنة إلى أغنى بلد في العالم، حيث ظلت العائلة الحاكمة فيه تعيش خلافات مستمرة تقود إلى انقلابات حتى اكتشاف الغاز عام 1971، مشيرا إلى أن اكتشاف أكبر حقل غاز في العالم جاء مخيبا للآمال، فقد "توقع الناس اكتشاف النفط"، بحسب وزير الطاقة السابق عبدالله بن حمد العطية، وتغير هذا الأمر عندما تم تطوير تكنولوجيا جديدة تسمح بإسالة الغاز وتصديره في ناقلات بحرية، وقرر والد الأمير تميم، الشيخ حمد بن خليفة المغامرة، حيث خصص 20 مليار دولار لبناء محطة إسالة في راس لافان على الشاطئ الشمالي لقطر، وبمساعدة من "إكسون موبيل"، التي أصبح مديرها ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية في إدارة دونالد ترامب.
ويفيد وولش بأن رهان الأمير نجح، حيث أصبحت قطر عام 2010 أكبر مصدر للغاز المسال، وتشكل 30% من السوق العالمية، وترك الغاز أثره على قطر ومواطنيها، حيث أصبحوا أغنياء والأعلى دخلا في العالم، بما يشكل ضعف الدخل السنوي للأمريكيين أو السعوديين (125 ألف دولار)، لافتا إلى أن هذه الثروة انعكست على السكان الذين اعتنت بهم الحكومة، ومنحتهم ارضا مجانية، وفتحت جامعات أمريكية.
وتقول الصحيفة إن أبناء آل ثاني انتقلوا من أمراء على كثبان الرمال والمسطحات الملحية، إلى معروفين على الساحة الدولية، وأقاموا الشبكة التلفزيونية الرائدة في العالم العربي قناة "الجزيرة"، التي دعمت الربيع العربي عام 2011.
ويستدرك التقرير بأن "الطريقة التي أدارت فيها دولة قطر طموحاتها كانت مثار خلاف بين دول الجوار، وتبنت سياسات متناقضة، فهي تدعو لقيم السلم والتعليم وحقوق المرأة من جهة، وتدعم الجماعات السورية المتشددة في الحرب الأهلية من جهة أخرى، هذا علاوة على استضافتها أكبر قاعدة للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن هنا فإن السعودية والإمارات والبحرين ومصر نظرت لقطر على أنها مصدر للإزعاج يجب وضعه عند حده".
ويرى الكاتب أن ولي العهد السعودي والإماراتي يقفان في وسط الأزمة الحالية، حيث يشترك الاثنان بالخوف من إيران، ووقفا ضد الشيخ تميم المختلف عنهما، فهو متعلم في ساندهيرست، وجاء إلى السلطة بعد تنازل والده له عام 2013، وهو رجل ذو سلوك هادئ، خلافا لمنافسيه اللذين يتميزان بـ"النعرة الخطيرة".
وتبين الصحيفة أن الدول الخليجية التي نجت من أزمات الربيع العربي تجد نفسها اليوم أمام وضع سياسي واقتصادي غير واضح، منوهة إلى أنه وسط هذا كله فإن قطر تتهم بأنها تجاوزت حدود قوتها.
ويذهب التقرير إلى أن "قطر تتميز بالقدرة على مواجهة الماضي مهما كان، وتريد انفتاحا منضبطا، لا على طريقة دبي أو الرياض، فعلى خلاف المرأة السعودية، التي سمح لها بالقيادة العام الماضي، فإن القطريات يتمتعن بهذا الحق منذ عقود، ويستطعن الذهاب إلى السينما، وتكفل حرية العبادة لغير المسلمين في هذه الدولة الصغيرة، وفيها قناة (الجزيرة) التي قال الأمير إنها (غيرت فكرة حرية التعبير في المنطقة)".
ويعترف وولش بأن هذا الانفتاح ليس بالدرجة الكافية من ناحية حرية التعبير وحقوق العمالة، "إلا أن الأمور فيها تظل نسبيا أفضل من الدول المحيطة بها"، مشيرا إلى تاريخ العائلة الحاكمة التي تميزت بالخلافات والانقلابات، فجد الأمير تميم أطاح عام 1972 بابن عمه، ليقوم ابنه حمد عام 1995 بانقلاب عليه.
وتوضح الصحيفة أن الثروة سمحت بتقدم أصحاب الرؤية الإصلاحية والتغيير في البلد، مشيرة إلى الدور الذي أدته والدة الأمير الحالي الشيخة موزة بنت ناصر المسند (58 عاما)، التي تعد من أشهر نساء العالم العربي، بدعمها لقضايا التعليم، وبنت مستشفى تعليميا بقيمة 8 مليارات دولار، وأقنعت عددا من الجامعات الأمريكية بفتح فروع لها في قطر، بما فيها جامعة نورث ويسترن وكارنيغي ميلون وتكساس إي أند أم.
وبحسب التقرير، فإن الثروة سمحت للقطريين بشراء الكثير، فاشترى الشيخ حمد جزيرة في اليونان، وامتلك القطريون قلعة فرنسية وأماكن مهمة في لندن، مثل متجر هارودز، ولديهم حصص في مطار هيثرو ومبنى شارد، منوها إلى أن القطريين استخدموا ثروتهم لتأكيد استقلاليتهم عن جيرانهم، خاصة ان السعودية، التي تعد أكبر بـ 186 مرة، عاملت جارتها على أنها دويلة تابعة، إلا أن القطريين أكدوا استقلاليتهم بصفتهم وسطاء، ودعموا الربيع العربي، حيث قال الأمير تميم لبرنامج (60 دقيقة): "لقد وقفنا مع الشعوب.. ووقفوا مع الأنظمة، وأعتقد أننا مع الطرف الصحيح".
ويعلق الكاتب قائلا إن الأمير يستطيع عمل ما يريد من خلال ثروته والقاعدة العسكرية الأمريكية، إلا أن الرياض وأبو ظبي كانتا تراقبان، وعقد الأميران حلفا في الصحراء، وذلك أثناء رحلة صيد للصقور، التي يكلف اصطياد صقر فيها حوالي 250 ألف دولار في رحلة ملكية، ففي شباط/ فبراير سافر الأميران إلى الصحراء في شرق السعودية، وجاءت بعد رحلة صيد في فرنسا وويلز ووطدت العلاقة بينهما.
وتنقل الصحيفة عن ديفيد روبرتس من "كينغز كوليج" في جامعة لندن، قوله إنهما "شخصان متشابهان، ويريان ضرورة التحرك في الأوقات غير العادية"، حيث أن ما يوحدهما هو فكرة وضع تميم في مكانه، لافتة إلى أن التنافس بين العوائل الحاكمة في الخليج كان حتى وقت قريب هو من يملك أغلى شيء، وأطول بناية في العالم، أو يستقبل مباريات كأس العالم، أو من يملك أغلى لوحة، كما فعل ابن سلمان، الذي دفع 450 مليون للوحة رسمها دافنشي، متفوقا على مشتريات قطر للوحة سيزان، ويهاجمان بعضهما من خلال الإعلام.
ويفيد التقرير بأنه في الإعلام المصري تعرضت الشيخة موزة لهجمات بذيئة، مستدركا بأن أصل الخلاف سياسي، ورغم خسارة قطر الربيع العربي، إلا أن جيرانها ظلوا ينظرون إليها نظرة شك.
ويقول وولش إن أزمة الخليج بدأت بسلسلة من الأخبار المزيفة،واندلع الخلاف القديم بشأن آلاء الصديق، وهي معارضة إماراتية تعيش في الدوحة منذ عام 2013، حيث طالبت الحكومة الإماراتية بعد نشرها مقالا على موقع "الجزيرة" حول وضع المرأة في الخليج بتسليمها، ورفض الأمير تميم بن حمد تسليمها، وأخبر أحد الدبلوماسيين بأنه يخشى من تعرضها للتعذيب.
وتذكر الصحيفة أن الحادث الثاني هو دفع فدية عن 26 قطريا اختطفتهم جماعة شيعية موالية لإيران في جنوب العراق، مستدركة بأن نشر التقرير المفبرك على وكالة الأنباء القطرية كان فرصة للقنوات التلفزيونية الإماراتية والسعودية للهجوم على قطر، واتهامها بتهديد الأمن الخليجي، وانضمت للحملة عدة مراكز بحث محافظة في واشنطن، وأعلنت في 5 حزيران/ يونيو الحصار دون أي تحذير.
ويذهب التقرير إلى أن ترامب زاد الطين بلة عندما دعم دول الحصار، وأكدت المخابرات الأمريكية أن من زرع القصة كانت الإمارات، التي تقوم بالدفع من أجل حصار الدوحة منذ عام 2016، وقال مسؤول لصحيفة "نيويورك تايمز": "الأدلة كلها تقود إلى أبو ظبي" مقر ولي العهد محمد بن زايد، واستشهدا بتقرير استخباراتي قائلا: "لا غموض" .
وينوه الكاتب إلى أنه علاوة على هذا، فإن المسؤول قال إن الأمير محمد بن سلمان كانت لديه معرفة بهذه الخدعة ومنح موافقته عليها، لافتا إلى أن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة نفى بشكل قاطع هذه الاتهامات ورفض التعليق.
وتستدرك الصحيفة بأنه "رغم تأثير الحصار على القطريين، إلا أن الحياة في معظمها في الدوحة لم تتغير، فالعمل جار على المترو جديد، وسيتم افتتاح المتحف الوطني، وسيصبح واحدا من أعاجيب قطر، ويقول المصرف المركزي إن لديه 340 مليار دولار لتجاوز الأزمة، فيما ترك الحصار آثارا عكسية على الدول المحاصرة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن "أي أمل بالتوصل إلى حل للأزمة على يد إدارة ترامب انتهى؛ بسبب السياسة الفوضوية، حيث قام ترامب بتجاوز وعرقلة كل الجهود التي قام بها وزير خارجيته ريكس تيلرسون، الذي يملك خبرة عقود في قطر، بصفته مديرا لشركة (إكسون موبيل)".