ما إن أعلنت حركة
حماس عن وثيقتها الجديدة، حتى خرج نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم؛ معلنا فراقا بين الحركة والحزب، حيث قال: "إذا لم تكن المقاومة من أجل تحرير
فلسطين من البحر إلى النهر لا يمكن أن تنفع، لسنا مع المقاومة التي تمهد للتسوية، ولسنا مع المقاومة التي تقسم فلسطين إلى دولتين، ولسنا مع المقاومة التي تبادل الدم بالأرض، نحن مع المقاومة التي لا تقبل إلا الأرض محررة بالكامل بلا قيد ولا شرط ليعود الفلسطينيون إلى أرضهم أعزة وكرماء في آن معا".
يخيل عند سماع هذه التصريحات أن الحزب حريص فعلا على تحرير فلسطين، وأنها شغله الشاغل أكثر من حماس نفسها، وأن الحزب في وضع مقاوم مختلف عن حماس، بينما الواقع عكس ذلك تماما. فعند الوقوف على واقع ممارسة
حزب الله؛ يلاحظ أن ما ينتقد الحركة عليه قد سبقها في ذلك، فمع حرب 2006، وهي آخر مواجهة ببينه وبين الكيان الصهيوني؛ انتهت باستجابته للقرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن 1701، والذي كان من بنوده نشر القوات المسلحة
اللبنانية في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل)، وذلك بالتزامن مع الانسحاب
الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق. كما أوجد القرار منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل.
بهذه الطريقة، فإن الحزب رسم حدودا له مع الكيان الصهيوني، وهو مقر بها رغم أنه يعتبره غير شرعي. وحينها صرح حسن نصر الله بأنه ما دامت هناك قوات إسرائيلية في لبنان، سيواصل حزب الله القتال، لأنه كما قال، ما دام هناك جنود إسرائيليون يحتلون أرضنا، فإن من حقنا الطبيعي أن نتصدى لهم. ولكن الواقع السياسي قضى، وهذا ما أكدته الممارسة بعد مرور أكثر من 10 سنوات، أن الحزب ملتزم بالقرار أكثر من الكيان نفسه.
ومن جانب آخر فإن تصريح قاسم يفهم منه أن الحزب في معركة مباشرة مع الصهاينة، وتعرض لخيانة وهو على خطوط النار، بينما الواقع أيضا يؤكد أن دعم حماس كان بالسلاح والمال، ولم يرتق إلى مستوى التنسيق العسكري المباشر، كفتح الجبهة الجنوبية للتخفيف عن قطاع غزة خلال الحروب السابقة. وأكثر من ذلك، رفض التنسيق في مفاوضات تبادل الأسرى، وقد برر الحزب ذلك بكونه مقاومة وطنية، وأن أي تصرف مما أشير إليه أعلاه سيعرضه للمسألة القانونية الدولية، كما يحرجه من أطياف العملية السياسية اللبنانية داخليا. وهذه المبررات نقضها نعيم قاسم في تصريحاته، عندما أشار إلى أنه لا يوجد حقوق إنسان عالمية كما يدعون، ولا يعملون للعدل الإنساني بين الدول والشعوب كما يدعون، وليسوا مع الاستقلال وحقوق الشعوب، وليسوا مع أصحاب الأرض وأصحاب المستقبل.
إضافة إلى ذلك، فإن الحزب آخر من يمكنه الحديث عن الوطن والوطنية، فهو من لحظة تأسيسه كان ولا يزال يتحرك دائما بصفته وكيلا لإيران وليس حتى للبنان، بدليل تورطه في الأزمة السورية وعدم التزامه بموقف الحكومة، فضلا عن ممارساته ضد الفرقاء السياسيين الآخرين، وتعاونه مع مليشيات طائفية عراقية في سوريا دون أي غطاء قانوني، ولا حتى أخلاقي. وكل الاعتبارات سقطت بفتحه الجبهة السورية لقتال، ليس العدو الصهيوني، وإنما السوريين.
في النهاية، فإن القيود والشروط التي يضعها حزب الله في علاقته مع حماس ليس لها علاقة بفلسطين ولا الفلسطينيين؛ لأن من يصنعها هو الولي الفقيه الإيراني، والذي يريد أن تكون الحركة مطاوعة له في مشروعه، ومسايرة لجرائمه وجرائم نظام الأسد، وما حجج نعيم قاسم إلا شكل آخر من أشكال الاستثمار الإيراني في القضية الفلسطينية.