لم يدرك هؤلاء أن سياسة القصف المتواصل للخصوم سياسة عقيمة، لا ينجر عنها سوى الانتقال من المنافسة السياسية إلى تنمية الحقد، وترويج خطاب الكراهية، قبل الوصول إلى رفع السلاح وإشعال الحروب الأهلية.
الديمقراطية التونسية في خطر، وإذا لم تقم رئاسة الجمهورية، أيضا الأحزاب وفي مقدمتها حركة النهضة، بمراجعة نفسها والتخلي عن صراع الديكة، وأن يدرك الجميع خطورة التحديات الحقيقية، فإن البلاد ستسقط لا محالة في أيدي أعداء الديمقراطية. عندها لا ينفع الندم.
أزمة ثقة عميقة بين جيلين؛ جيل استهلكه الانغماس في الشأن السياسي، ومزقته الصراعات التنظيمية والأيديولوجية، مقابل جيل جديد يبحث عن أفق مغاير، ويريد أن يمارس حقه في النضال من موقع مستقل، جيل يرفض وصاية "الكبار".
بعد أن كانت الإدارة الأمريكية السابقة تعتبر أن تحقيق أهدافها يتم من خلال إشعال الحرائق، وخلق الفتن بين الأشقاء، وإثارة الشكوك فيما بينهم من أجل ابتزازهم، حلت إدارة أخرى تعتقد بأن المصالح نفسها يمكن أن يتم الحصول عليها وحمايتها بطرق أخرى وبكلفة أقل.
الناس معادن، والفقيد معدنه ثمين، دعا إلى المصالحة الوطنية في مفهومها الحقيقي، ورفض الاستمرار في خوض معارك أيديولوجية لا طائل من ورائها. كما رفض الانخراط في صراعات من شأنها أن تضعف الانتقال الديمقراطي، دون أن يتخلى عن مبادئه..
الوضع دقيق وخطير، لكن مواجهته لا تكون من خلال المجازفة والدفع بالبلاد نحو المغامرة. النخبة الديمقراطية التي أربكتها صعوبات الانتقال الديمقراطي ودفعت ببعض عناصرها نحو اليأس والشعور بالإحباط ليس من حقها أن تثير الرعب في صفوف المواطنين..
تقف حركة النهضة الآن، وجزء من مصيرها سيتحدد وفق السيناريو الذي سيتم اختياره لإنجاز الانتقال القيادي داخلها. ليس أبناؤها فقط هم الذين ينتظرون كيف ستكون النهاية، بل حتى خصوم الحركة الذين يراهنون على انهيارها.
صحيح أن الديمقراطية التونسية لا تزال هشة، وتمر بصعوبات كثيرة ومتعددة المستويات، لكنها بقيت صامدة ولم تسقط في الفوضى ولم تعصف بها حرب أهلية، كما حصل في بلدان عربية أخرى سرق منها ربيعها
تونس رابحة من السلام في ليبيا وخاسرة من مواصلة الحرب والاحتراب. فما آلت إليه الأوضاع هناك ساهم بشكل واضح وملموس في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تطحن تونس حاليا