إذا كانت السلطة في مصر، حريصة على أن لا يلجأ الناس، إلى الجزيرة القطرية أو مكملين التركية، فعليها أن تكون أكثر شفافية وأن تتصالح مع الواقع الجديد وتحترمه.. وتحترم كذلك عقول المصريين.
الإرهاب جزء من أزمة عامة.. ومكافحته لا يمكن أن ينجز، في ظل سلطة هي ذاتها مأزومة، وهي ذاتها التي تصنع الأزمات.. وأنا على يقين بأن التصدي للإرهاب يحتاج فعلًا إلى إصلاح ومراجعات وتجديد.. ولكن المشكلة أن السلطة تعتقد بأنها هي وحدها التي تمتلك حصريًا الحقيقة.
منافذ إعلامية وصحفية محلية وعربية اهتمت بالمفاجأة التي كشفت عنها جريدة القبس الكويتية، يوم أمس 11/4/2017، بشأن الانتحاري "أبو إسحق المصري"، المُتهم بتنفيذ تفجير كنيسة "مارمرقس" بالإسكندرية.
المفزع.. أنه في كل الحوادث الإرهابية المروعة التي وقعت في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لم يخضع بشأنها مسؤول واحد للتحقيق.. وتكتفي السلطة، بإذاعة الأغاني الوطنية.. وأفلام تسجيلية من قبيل المتاجرة بآلام أهالي الضحايا.
السلطات المصرية تلتزم الصمت، ولا تعلق على مثل هذه التسريبات، ولا ندري ما إذا كان الصمت، يقابله تحقيقات جادة لتحديد الجناة، ونقاط الرخاوة والاسترخاء والاختراق المتكرر.
واقعتان جديرتان بالتأمل: الأولى ما نسبته "اليوم السابع" يوم أمس الأول 13/1/2016، إلى الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة، ومقرر اللجنة الإعلامية بالمجمع المقدس، وتأكيده أن وزارة الداخلية تدرب فرق كشافة الكنيسة على المهارات الأمنية!
إذا كانت مصر تعتبر موقفها المتناقض تماما مع الموقف السعودي من بشار الأسد، من قبيل رفض الوصاية، والحفاظ على استقلالية القرار المصري، فلمَ تستكثر على السعودية أن تكون مستقلة عن القرار المصري بشأن العلاقات مع إثيوبيا؟!
يتعين على الرئيس السيسي أن يفكر في اليوم التالي لتقسيم سوريا رسميا.. وما عساه سيفعل مع هذا الواقع الجديد.. هذا ما يفترض أن يشغله.. وليس دعم هذا الوهم غير الموجود فعليا: جيش سوري ورئيس حقيقي بدمشق.
من حق مصر بالتأكيد، أن تنوع مصادر الطاقة، وتشتريه من أي جهة بالسعر الذي يناسبها، أو ربما تريد تحرير قرارها من "وصاية" حامل الشيكات الخليجي.. ولكن وفق حزمة حسابات مصالح تترفع عن "المكايدات": سأذهب إلى إيران لإغاظة السعودية!
ربما السلطة في مصر "قلقة" من وصول الإسلاميين إلى السلطة في المغرب.. فما عساها ستفعل مع أكثر من دولة عربية يشارك في حكمها الإسلاميون: المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا؟!.. هل ستقاطع مصر كل هذه الدول.
يتولد إحساس طاغ بأننا لسنا لا في دولة ولا شبه دولة.. لأنه عندما لا يتحكم القانون في السلاح الميري، فأنت إذن أمام مليشيا وليست شرطة.. وتتقدم خطوة بعد أخرى، صوب احتمال الانزلاق إلى النموذجين السوري والعراقي.
ليس من المعقول أبدا، أن تُفرض على الناس كل يوم المزيد من الضرائب، ولم يبق إلا أن تحصل رسوم على تنفس الهواء، بدون أن يقدم لهم في المقابل خدمات تحترم آدميتهم.. فيما تنفق السلطة بسخاء، على أنشطة لا جدوى ولا معنى لها، ولا فائدة منها.
بات من الواضح أن ثمة تعبئة تحشد المصريين صوب المسار الخطأ.. ولا أدري ما إذا كان وقت التصحيح قد فات أم لا.. إذ يظل ذلك رهن استعداد النظام للانفتاح على خبرات أكثر وعيًا ونضجًا ممن يعتمد عليهم حاليًا.
قانون الخدمة المدنية، قانون "مروع"، بل بات في الضمير العام سيئ السمعة، إذ اعتبر مفصلاً على مقاس "الغلابة" أو "المرابعية" الذين يعملون بالسخرة تحت أقدام وأحذية الباشاوات الباريسية.
ما أعرفه وأتوقعه، أن تشتبك الدولة في تلاسن متبادل مع دولة مثلها، وليس مع مجلة أو صحيفة.. فهذه أمور تترك للكتاب والمحللين من خارج الأطر الرسمية للدولة.. وهو خطأ "دبلوماسي" يشير إلى أنه ربما يكون صادرًا من جهة ما، ليس لديها أي خبرة بالتقاليد السياسية والدبلوماسية، التي تحفظ للدولة نديتها وهيبتها.