دقت منظمات جزائرية ناقوس الخطر إزاء تنامي ظاهرة من يطلق عليهن "الأمهات العازبات"، بشكل مضطرد في السنوات الأخيرة.
ووفق إحصائية حديثة، فقد تم تسجيل نحو 10 آلاف حالة لمواليد من علاقات غير شرعية، مع نحو ألف حالة جديدة سنويا، بحسب تقرير للرابطة
الجزائرية لحقوق الإنسان، صدر الثلاثاء، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة.
وبينما تتجنب الهيئات الرسمية في الجزائر إثارة هذا الملف، إلا أن تقرير الرابطة الحقوقية شدد على أن "الظاهرة تحتاج إلى مواجهة موضوعية من طرف
المجتمع، بعد أن أصبحت من بين أهم المواضيع التي يُتجنّب الحديث عنها باستمرار؛ نظرا لحساسيتها البالغة، على اعتبار أن هذه الأم حملت بطريقة غير شرعية؛ لأن الأمر يتعلق أولا وقبل كل شيء بشرف الأسرة ومكانتها في أعين الآخرين"، وفق التقرير الذي انتقد ما اعتبره تحميلا للمسؤولية للمرأة دون الرجل في هذه الحالة.
ألف حالة سنويا
وأضاف التقرير: "بلغ عدد الأمهات العازبات حتى مطلع العام 2017 في حدود عشرة آلاف أم عازبة، علما أنه يتم تسجيل أكثر من 1000 أم عازبة في كل سنة".
وقال التقرير: "السلطات الحكومية تصرح دوما بأن الجزائر حققت تطورا غير مسبوق في مجال حماية الأمهات العازبات والنساء ضحايا كافة أشكال العنف، في حين أننا على أرض الواقع نجد النقيض تماما من هذه الخطابات السياسية الرنانة التي نسمعها كل سنة، وذلك لما تعانيه المرأة من هشاشة وإقصاء يجعلها أكثر عرضة لمختلف أشكال العنف والتمييز"، بحسب التقرير.
ويرى هواري قدور، الذي أعد تقرير "الأمهات العازبات"، في حديث مع "عربي21"، أن من أهم أسباب توسع الظاهرة في الجزائر "السكوت عن جريمة الاغتصاب؛ خوفا من العار وشرف العائلة، والتفكك الأسري، بالإضافة إلى التربية غير السليمة"، إلى جانب "الاضطرابات النفسية، وعدم تقدير العواقب، واضطرابات المراهقة، والحرمان العاطفي"، كما يقول.
ويعتقد قدور أن "عدم الزج بملف الأمهات العازبات في نقاش عام؛ بهدف التوعية بخطورة
الإنجاب خارج العلاقات الشرعية، وكذلك الاغتصاب والعنف ضد المرأة، ضاعف من حدة هذه الآفة"، التي قال إنها "تشكل إحدى القضايا المسكوت عنها في المجتمع الجزائري".
طريق من الأشواك
ويرى الباحث في الشؤون الاجتماعية، منصف منصوري، في حديث لـ"عربي21"، أن "من أهم الأسباب وراء ارتفاع حدة ظاهرة الإنجاب خارج العلاقات الشرعية، عدم قدرة الشباب على الزواج، في ظل أزمة السكن والبطالة، إضافة إلى الحرمان الاجتماعي؛ إذ يلجأ الشباب إلى ارتكاب الرذيلة إشباعا بعد حرمان، وليد الضيق داخل العائلة وفي المجتمع"، كما قال.
من المسؤول عن هذه الظاهرة؟ يجيب منصوري: الكل مسؤول.. الفاعلان مسؤولان أخلاقيا، والمجتمع أيضا مسؤول، مثلما أن السلطات تتحمل جزءا من المسؤولية؛ لعدم توفيرها الرعاية الكافية للشباب".
وكشف منصوري أن 300 عملية إجهاض تتم سنويا خارج المستشفيات، ودون رعاية طبية حقيقية، مشيرا إلى أن ما بين أربع إلى ست نساء يفقدن حياتهن جراء ذلك.
شهادة حية
وفي مقر الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، التقت "عربي21" مع إحدى الأمهات العازبات. وتقول صارة (18 سنة) إن هذه الحالة "غيرت مجرى حياتي وأدخلتني بلحظة ضعف في جحيم لا يطاق".
وتضيف: "طفلي عمره 11 شهرا، يكبر في رحم الخطيئة، بعد علاقة غير شرعية مع شاب كلفتني غاليا، ولا يريد الاعتراف بأبوته. إنني أدفع الثمن وحدي، حتى عائلتي تخلت عني، وهددني إخوتي بالقتل إن عدت إلى البيت ثانية"، كما تقول.
وتتابع صارة باكية: "أنا هنا أطلب المساعدة من الرابطة؛ من أجل البحث عن عائلة تكفل طفلي، أسعى من أجل هذا منذ ثلاثة شهور، دون جدوى".
مقترحات
وتطرح قضية التكفل بالأمهات العازبات مشكلة معقدة، خاصة بالنسبة للواتي تتبرأ عائلاتهن منهن؛ إذ أن أغلبهن لا يجدن مأوى، ولا يستطعن توفير حاجاتهن اليومية، وفق منصوري.
ويقترح منصوري "إنشاء صندوق مالي، وتمكين الأمهات العازبات من منحة شهرية وشقة، وهذا سيتيح الفرصة لإسعاف هذه الفئة مع الأطفال، والحيلولة دون انغماس أمهاتهم في المحظور مجددا"، إلى جانب انخراط قطاعات الدولة المختلفة في مجال التوعية، بحسب قوله.
وتصطدم حالات معالجة قضايا التكفل الصحي والتعليمي بالأطفال الناتجين عن علاقات غير شرعية بموانع قانونية؛ إذ تشير المحامية فاطمة براهيمي إلى أن القانون الجزائري "يمنع الأطفال الناتجين عن علاقات غير شرعية من الرعاية التعليمية والصحية، وحتى الانتخاب؛ باعتبار أنهم مجهولو النسب"، وفق قولها لـ"عربي21".
رأي الدين
وبحسب أستاذ الفقه، عية عز الدين، فإن "مسؤولية الأمهات العازبات لا تسقط، سواء أكانت المرأة مذنبة أم ضحية، سوى ما تعلق بالاغتصاب".
وأضاف عز الدين لـ"عربي21": "حكم
الزنا واضح، لكن يجب أن ننبه لمسألة المسؤولية الجماعية المرتبطة بدور الأسرة والمجتمع والمسجد"، مضيفا: "غياب الوازع الديني واستقالة المؤسسات التربوية وراء تنامي حدة هذه الظاهرة"، كما قال.