مقالات مختارة

التجربة الجديدة لـ"الإخوان القدامى"!

1300x600
برغم أنّه كانت هناك انشقاقات وخلافات عميقة في أوساط جماعة الإخوان المسلمين، أدت إلى انبثاق تجارب حزبية جديدة، خرجت من رحم التيار الإسلامي، بما في ذلك الجمعية الجديدة للإخوان وحزبا "زمزم" و"الشراكة والإنقاذ"، وقبل ذلك الوسط الإسلامي؛ إلا أنّ هناك قاسما مشتركا جديدا بين الجميع، يتمثل في إعلانهم جميعا التوجه نحو فكرة الشراكة الوطنية والدولة المدنية والحوار مع الآخر.

من يعيد قراءة خطاب كل من حزب الشراكة والإنقاذ (تحت التأسيس)، وحزب زمزم (تحت التأسيس)، وحتى قبل ذلك أدبيات حزب الوسط الإسلامي (تأسس في العام 2001، من قيادات سابقة في جماعة الإخوان المسلمين)، ويقارن ذلك بما يقدمه حاليا حزب جبهة العمل الإسلامي من خطاب براغماتي، غير تقليدي، سيجد أنّنا أمام قفزة حقيقية في "أيديولوجيا الإسلاميين" جميعا باتجاه العمل المدني الحزبي السياسي، والفصل بين الدعوي والسياسي، وتجاوز "العقبات" الأيديولوجية والفقهية المعروفة ضد هذا المسار الجديد، الذي يحاول الالتحاق بالتجارب التونسية والمغاربية، وقبل ذلك تجربة "العدالة والتنمية" التركي، وهو تطور مهم وجدير بالقراءة.

ربما المفارقة الطريفة أنّ "جبهة العمل الإسلامي" اليوم يسير على خطّ واضح، بقيادة زكي بني إرشيد (بالرغم من الأصوات التقليدية المحافظة المعارضة في داخل الحزب والجماعة)، نحو التحول إلى حزب سياسي مدني محترف، والفصل بين الجماعة والحزب، والشراكة مع شخصيات وطنية. ووجه المفارقة أنّ هذه الخطوات هي التي كان يرفضها الحزب سابقا، وهي التي خلقت كثيرا من المشكلات بين القيادات المعتدلة التي خرجت من الحزب (مثل رحيل غرايبة ونبيل الكوفحي) وزكي بني إرشيد وفريقه القيادي الحالي!

لكن المهم أنّ حزب الجبهة يسير على هذا الخط الواقعي العقلاني. وهو توجه جيد وإيجابي على كل الأحوال، وينبئ عن أنّنا أمام ترسيم معالم فكر إسلامي وطني جديد في الأردن، بالرغم من تعدد التجارب الجديدة وتنوعها والاختلاف بينها!

على ماذا الاختلاف إذن بين الإسلاميين القدامى والجدد؟!

سؤال مهم، لكنّه معقّد في الوقت نفسه؛ لأنّ الشخصي والذاتي يتداخل فيه مع الأيديولوجي، ولأنّ الموقف من "الدولة" يدخل في المعادلة، لكنّ حتى على هذا الصعيد، فإنّ الأمور رمادية. وهناك بالإضافة إلى ذلك، القاعدة الاجتماعية للأطراف السابقة؛ فالجبهة تجد قاعدتها في الوسط الأردني-الفلسطيني (مع الاعتذار عن استخدام هذه المصطلحات لغايات التحليل السيسيولوجي)، بينما كل من "زمزم" و"الوسط" ما يزالان لا يجدان قاعدتهما الاجتماعية الحقيقية الصلبة. أما تجربة "الشراكة والإنقاذ" فبحاجة إلى وقت كي تنضج وتواجه الأسئلة المهمة حول بناء القاعدة الاجتماعية والتنظيمية للحزب.

إذن، عند النزول من المستوى الأيديولوجي والنظري إلى العملي والواقعي، تبدو الاختلافات أكثر وضوحا وكبيرة بين التجارب؛ ليس فقط بين "العمل الإسلامي" والتجارب الجديدة، بل حتى بين التجارب الجديدة ذاتها.

"جبهة العمل الإسلامي" ما يزال تحت عباءة الإسلام السياسي، بالرغم من الخطوات الأخيرة، وهناك تيار معتبر في الحزب يشكك في جدوى العمل الحزبي السياسي، بالرغم من انتمائه تنظيميا له. لكن الفريق القيادي الحالي مصمّم على المضي في هذه الطريق.

حزب الوسط الإسلامي مرّ بمراحل متباينة، وشهد منعطفات عديدة، وهو الآن مع قيادة جديدة، لكنّه يعاني من أزمات ومعضلات، ويتغذى هو والحزب الجديد "زمزم" على القاعدة الاجتماعية نفسها. أما "زمزم"، فهو نظريا وخطابيا أقوى بكثير منه واقعيا، وذلك لوجود منظّرين بارزين فيه، مثل رحيل غرايبة ونبيل الكوفحي، لكنّه لم يستطع أن يجد مسارا عمليا بعكس هذه الأفكار المتطورة.

أخيرا، "الشراكة والإنقاذ" أقرب إلى الخط المعارض الوطني منه إلى الحكم، وما يزال في طور التشكّل.

الغد الأردنية