ملفات وتقارير

متى يتخلى الجيش المصري عن السيسي كما فعل مع مبارك؟

السيسي حائر
في خطابه الذي ألقاه في الإسكندرية يوم 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، هدد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي المصريين بقمع الجيش لأي محاولة للثورة ضد نظام حكمه، واصفا دعوات الحشد للنزول في الشوارع بأنها نوع من الإرهاب.
 
وقال السيسي إن الجيش سينتشر في المدن المصرية خلال ست ساعات؛ لمواجهة أي خروج عن القانون، محذرا من أنه إذا حدث أي اضطراب في مصر فإنها لن تصلح لهم أو لغيرهم من بعدهم، وأنه لن يترك الحكم لأحد! ".
 
وأثارت هذه التصريحات علامات استفهام لدى الكثيرين، الذين تساءلوا إلى أي مدى سيساند الجيش السيسي إذا ثار عليه الشعب، وهل سيصمد معه للنهاية، أم يتخلى عنه أمام الجماهير الغاضبة؟
 
فعلها الجيش من قبل
 
وكان الجيش فعلها من قبل في شباط/ فبراير 2011، حينما تخلى عن الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأعلن انحيازه لثورة يناير، التي طالبت برحيله، ولم يواجه الحشود التي تظاهرت في الشوارع والميادين بالقوة.
 
لكن هذه المرة مختلفة، فقد عمد السيسي منذ اليوم الأول لانقلابه إلى توريط الجيش معه توريطا كاملا؛ بحيث يصبح مصيره مرتبطا بمصير قائد الانقلاب، حينما تعمد الظهور في بيان الانقلاب بالزي العسكري، وخلفه قيادات ورايات الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.
 
وحتى عندما قرر السيسي الاستقالة من منصب وزير الدفاع والترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، أعلن وهو يرتدي الزي العسكر أنه مرشح الجيش، وأنه أقدم على هذه الخطوة بعد الحصول على موافقة وتأييد القوات المسلحة.
 
وخلال في المدة التي قضاها السيسي في الرئاسة، توسع في منح الجيش العديد من الامتيازات، وسمح له بتوسيع إمبراطوريته الاقتصادية بشكل هائل، حتى أصبح يبتلع ما يقارب 40 في المئة من الاقتصاد الوطني، بحسب مراقبين.
 
كما كلف السيسي القوات المسلحة بكل المشروعات الكبرى والملفات الهامة، حتى أصبح المؤسسة الوحيدة التي يعتمد عليها في حكمه للبلاد، وأصبح أي إنجاز يحسب للجانبين، وأي إخفاق ينتقص من شعبية الطرفين.
 
"أنا الجيش والجيش أنا"


وكان واضحا أن السيسي يرسل عبر خطابه الحاد الأخير رسالة إلى المصريين مفادها "أنا الجيش والجيش أنا"، لكن الجيش المصري يتمتع بحس عال تجاه المزاج العام في الشارع يجعله ينتهج سياسة حذرة للغاية، خاصة عندما يكون السخط عاما.
 
وفي الشهور الأخيرة، تزايدت حالة الغضب الشعبي تجاه السيسي؛ بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الحالة الاقتصادية، وسط دعوات متزايدة للخروج في مظاهرات احتجاجية؛ للتعبير عن الغضب تجاه سياسة النظام.
 
وانتشرت مؤخرا دعوات لمظاهرات حاشدة ضد السيسي يوم 11 تشرين ثان/ نوفمبر المقبل، الأمر الذي واجهته الأجهزة الأمنية بشن حملة اعتقالات واسعة منذ الأسبوع الماضي؛ لإجهاض أي تحركات قد تخرج عن السيطرة.
 
ولم يعد خافيا على أحد حجم التدهور الهائل في شعبية السيسي في الشارع المصري، حتى إن مجرد ذكر اسمه في أي جلسة يتبعها إما عبارات غاضبة، وإما كلمات ساخرة، خاصة بعد فشله في السيطرة على الأسعار، رغم تعهداته المتوالية طوال العامين الماضيين.
 
وتعاني مصر من أزمة اقتصادية تزداد حدة يوما بعد يوم، حيث زادت معدلات التضخم إلى أعلى معدل منذ 2008، كما وصل سعر الدولار إلى 13.3 جنيها؛ مسببا موجة كبيرة من ارتفاع الأسعار.

مقاومة كبرى
 
وفي مقابل التدهور الاقتصادي الحاد في البلاد، يجد السيسي نفسه بين خيارين أحلاهما مر، فهو مضطر لفرض المزيد من الضرائب وإلغاء الدعم عن السلع الأساسية والوقود؛ لتقليل عجز الموازنة، لكن هذه الإجراءات -في المقابل- تؤدي إلى زيادة الاحتقان، وإشعال الغضب الشعبي ضد نظام حكمه.
 
وفي حالة اندلاع تظاهرات عارمة ضد السيسي، فإن قمعها بالقوة المفرطة سيكون مقامرة كبرى، فهي إما أن تسفر عن مصرع آلاف المصريين، وإما أن تؤدي إلى انزلاق البلاد في حالة من الفوضى والصراع الداخلي على الطريقة السورية!.
 
بينما يفضل الجيش أن يحتفظ بورقة أخيرة رابحة، حينما يعلن عند اشتعال الثورات انحيازه للشعب، فيكسب تعاطفه، ويحافظ على مكاسبه الاقتصادية.

تفاهمات جديدة!
 
لكن على الرغم من ذلك، تبقى المؤسسة العسكرية ذات حساسية عالية في اختيار الوقت المناسب للتخلي عن الرئيس والابتعاد عنه خطوة جانبا لتتركه يسقط؛ حفاظا على مصالحها، إذا رأت أن مصيره إلى زوال.
 
ويقول مراقبون إن الجيش يمكنه أن يصل إلى تفاهمات جديدة مع قادة المعارضة والثورة المقبلة المتوقعة لعقد صفقة معهم، بحيث يسمح بالتخلّي عن السيسي، مقابل الحفاظ على إمبراطورية الجيش الاقتصادية، بدعوى الحفاظ على الجيش من الانقسام، وضمان عدم سقوط الدولة في فوضى عارمة.
 
وبحسب شهادات عدد من القادة والمسؤولين السابقين، فقد توصل الجيش لصفقة مع جماعة الإخوان المسلمين بشأن مصالح الجيش الاقتصادية والسياسية، قبل السماح للرئيس محمد مرسي بتولي السلطة في عام 2012، وأن عدم التزام الرئيس بهذه التفاهمات، ومحاولته تهميش الجيش، كانت السبب الرئيسي في انقلاب الجيش على مرسي والإطاحة به بعد عام واحد فقط من توليه الرئاسة!.